الدموع … مشاعر سياسية / محمد ولد محمد عالى

هناك فرق كبير بين السياسة والفن، كما بين الواقع والخيال، فالسياسة هي فن الممكن أي العمل الواقعي بناء على حسابات القوة والمصلحة، ويتسم السياسي (فرضا) بالحكمة والشجاعة والهيبة. والفن حركة الذهن المطلقة في عالم الخيال، ويتميز الفنان بمشاعره المرهفة وحسه الجمالي وأحلامه المثالية.

إلا أن أغلب الحواجز الجليدية بين هذين المجالين، حولتها حرارة (المشاعر السياسية) إلى دموع يذرفها السياسيون على منصات الخطاب الجماهيري وعبر وسائل التواصل، لتروي شغف الشعوب المطحونة، إلى قلوب رحيمة تحس بمعاناتها، وأصوات تغالب البكاء للتعبير عن تفاصيل واقعها البائس، ويزداد المشهد الدرامي حدة عندما يتعلق الأمر بالمقدسات الدينية، و الوحدة الوطنية.
حينما تنتحب الأم ألما لفقد وحيدها، أو فرحا لقدومه بعد طول غياب، في مشهد واقعي، تتناغم معها بصدق ـ لا إراديا ـ عاطفة الضعف البشري، في مشهد إنساني بحت، خال من المؤثرات المادية، والدوافع الاستقطابية. هي نفسها المشاعر القوية التي تحرك الجمهور في صالات العروض وأمام شاشات التلفزيون عند تجرع ألم القصص التراجيدية، أو مع مشاهدة نهايتها السعيدة، وانتصار الخير. أما حين يتباكى رجال السياسة، بمشاعر أرهقها النفاق والتملق، فإن ذالك مجرد احتقار للدموع، واستخفاف بعقول الجماهير، واستغلال لمآسيها، في مشهد ميكافيلي حقير، (الغاية تبرر الوسيلة).
السياسة تعتدي على الفن !!!  ببساطة لقد اعتدت السياسة على الفن، وجعلت منه ومن خصائصه وسيلة جديدة للاتصال بالجماهير، ودغدغة أحلامها من جهة، والرقص خفية على مآتمها من جهة أخرى. وهذا ما عبر عنه المؤرخ الفرنسي “ايمانويل فوريكس” بقوله (إن البكاء هو جزء من السياسة). وذالك في تعليقه على بكاء ؤباما لأجل الأطفال الأمريكيين، ضحايا الطلقات النارية، وسلفيه “بوش” و “بيل اكلنتون” في مناسبتين مختلفتين، ومثلهم في ذالك ” فلاديمير بوتين “. فقد وجد هؤلاء الزعماء في الدموع أسرع وسيلة للوصول إلى قلوب الجماهير، وذالك حين يركزون على تأكيد إنسانيتهم الملوثة بمعاناة ومأساة الضعفاء، الذين تدوسهم أحذية جنودهم الخشنة حول العالم.
وفي العالم العربي الإسلامي، شاهدنا العديد من الزعماء وهم يذرفون دموع التماسيح استعطافا للقواعد الشعبية، في مشاهد يظهر فيها التكلف والابتذال. يذكر الجميع دموع رئيس الوزراء اللبناني “فؤاد سنيورة” وهو يتحدث عن العروبة بعد الحرب مع إسرائيل،  ودموع أبي مازن وهو يتحدث عن قضية الأقصى، وغيرهم مثل “بن كيران ” و ” رجب طيب أردوغان ” و”أحمدي نجاد”، وحتى في موريتانيا فقد وصلت هذه الظاهرة ذروتها، وقمة ابتذالها، حيث افتقدت تلك المسرحيات أبسط معايير الحبكة الدرامية، وليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة، كما يقول المثل العربي.
ويعتبر علم الاتصال السياسي من أهم مجالات البحث الحديثة، نظرا لكونه نقطة التقاء لعديد الحقول الاجتماعية والاتصالية والنفسية، وقد قسم الباحث الفرنسي Agiles Achache أهم نماذجه إلى ثلاثة أساسية: الحوار والدعاية والتسويق، ولكل منها مجالات استخدامه، وتقنياته الخاصة، دون أن يصل أدناها إلى مستوى البكاء، والتمثيل الرديئ. وأكدت الباحثة السياسية الفرنسية “آن فانسون بوفو” (أن البكاء في السياسة هو نوع من الفن مع عدم إظهار وجه محتقن ولا صوت مكسور) وهو نفسه ما تراه “شامة درشول” الباحثة المغربية في التواصل السياسي (أن الدموع من اجل أصوات المصوتين كل شيء يهون حتى الدموع).
وكان الأحرى بالنصوص التشريعية المنظمة للدعاية السياسية أن تضم بنودا لحظر مثل هذه الدعاية النفسية، والتي تتجاوز فاعلية كل الأساليب الدعائية خصوصا في الأوساط الشعبية البدائية، حثيث تنتشر الأمية والتخلف، وتتحكم العواطف ويسهل التأثير على القرارات، وبناء المواقف تجاه القضايا العامة.

اترك تعليقاً