اختناق الديمقراطية / عبد الفتاح ولد اعبيدن

المتابع للمسرح السياسي المحلي، يُشفق بحق وصدق على مشروعنا الديمقراطي.
فالأحزاب السياسية في حالة حيرة وضعف عام.
الموالية منها لا تُستشار وتحمل خطابًا “تزكويًا” غالبًا ما يُبعدُها من خاطر المواطن المسحوق، ويقول بإيجاز “صفاكه”.

وعلى مستوى الأحزاب المُعارِضة، أدى التضييق على بعض الرموز المُعارضين إلى إتباع خط شبه وسطي، أقرب للموالاة، وهو إبداع من نوعه على مستوى البلد، “معاهدة أو معارضة محاورة”، لا هي بالمعارضة الراديكالية، ولا هي موالاة صرفة.
وعلى مستوى المعارضة الراديكالية الواسعة نسبيًا، والممانعة بقوة، يتجمع مئات الرجال والنساء، صابرين على اللأوى والمبدئية، فهم لا يرون مصلحة البلد في مباركة الواقع الفاسد، وفي سبيل ذلك دفعوا الغالي والنفيس، ورغم غياب البرامج غالبًا والاعتماد على الشعارات المعارضة، إلا أنهم على مستوى المنتدى، مثلوا دور المعارضة بعيدًا عن التنازلات والمقايضات، وكذلك نفس المسار لدى التكتل وزملائه.
ورغم هذه المصابرة والتضحية المعتبرة، إلا أن المحصلة ما زالت رمزية محدودة، تحتاج إلى دفعٍ أكبر وأكثر إحراجًا للنظام القائم، الذي بات مرفوضًا لدى شرائح واسعة جدًا من الشعب الموريتاني، ومن أراد التحقق، فليستمع لكلام العامة بوجه خاص في أبسط محافلهم ولقاءاتهم.
أما بالنسبة لقطاع الصحافة عمومًا، والمستقلة بوجه خاص فقد أعلنت الدولة حربًا مادية الطابع بوجه خاص على هذا المرفق الحساس في أي مشروع ديمقراطي.
فأصدرت المفتشية العامة للدولة في مطلع 2016، قرارًا بأمرٍ من الوزير الأول الحالي، يحرم هذه الصحافة من أي دعم أو إعلان، فماذا بقي من مصادر الدعم، لا شيء تقريبًا، إذا وضعنا في الاعتبار ضعف مبلغ 200 مليون أوقية سنويًا تدخل ضمنه المطبعة ولجنة الدعم نفسها المشرفة على توزيعه، مما يعني إطلاق رصاصة الرحمة على هذا المشروع “الصحافة المستقلة”، وهو تخلٍ ضمنيٍ أو شبه صريح عن حرية التعبير والديمقراطية بصورة أشمل، فأي معنى للصحافة مع قرارٍ رسميٍ بتحريم الاشتراكات والإعلانات.
إن أكبر مظهر من مظاهر اختناق الديمقراطية ما يعيشه قطاع الصحافة المستقلة، فأي دولة ديمقراطية، تُعلن رسميًا منع الاشتراكات والإعلانات عن صحافتها، وعلى مستوى الوضع الموريتاني، أي دخل آخر للصحافة سوى حنفية الدعم.
فالصحف لا تُباع تقريبًا، وتراجع الإقبالُ عليها محليًا ودوليًا، والتصفح الإعلامي الإلكتروني مجاني، ومع ذلك قرر النظام القائم المزيد من خنق هذا المشروع الديمقراطي الهام، دون رحمة أو تَعَقُّل.
ما ارتمى فيه نظام ولد عبد العزيز من التضييق المادي على الصحافة المستقلة، يُعد على رأي البعض قرارًا سياسيًا مقصودًا، يُعبر عن التبرم من توسع الصحافة واستقلالية خطها التحريري في حالات عديدة وعدم ترويجه لشعارات النظام المتغلب، ولعل اتباع هذا الأسلوب لإجبار الأقلام المناوئة على التنازل كليًا أو جزئيًا.
إن هيمنة الطابع العسكري على الحكم السياسي في البلاد، واستئثار مقربي ولد عبد العزيز من العسكريين والمدنيين بأغلب الكعكة، وغياب التناوب على كرسي الحكم، وتعسف تعديل الدستور، إلى جانب تزايد الانفلات الأمني بصورة رفعت مستوى منسوب الترقب والرعب داخل البيوت على مستوى العاصمة بوجه خاص.
كل هذا يُعمق حالة الترنح والاختناق.
ومعطيات متعددة تثير الخوف والحيرة الشديدة على مستقبل الرأي الآخر، فالأحزاب المعارِضة الجادة، مرفوضة المشاركة جملة وتفصيلاً، لأن الدولة تُسير بأسلوب أُحادي، والصحافة الحرة ربما يُراد لها أن تختفي، لأنها تعيشُ وضعية مالية مزرية، وتُدفع لسلوك سبيل لا يليق بحَملة رأيٍ ومهنة نبيلة.
مؤشرات متعددة تشى بعدم الرغبة في بناء ديمقراطية في المستويات الدنيا على الأقل.
ضغط وحرمان وتضييق في كل اتجاه، والتناوب إذا أُريد له الحصول فضمن جوقة حماية المصالح وتوريث على الأرجح، بجنرال آخر يُكرس نفس المسار الاستبدادي الاستحواذي.
القائمون على الحكم لا يُفكرون في شراكة سياسية جدية، وقد يُفضي هذا إلى اختلالات لا تُحمدُ عقباها.
النقابات في كل مجال لم تلق التجاوب بعد التضييق على الصحافة والقوى المعارِضة، وكل معارض ممنوع من التعيين ومقاولات الدولة ومشاريعها، بحجة أنه غير منسجم.
أسلوب استفزازي تضييقي صِرف، لا يُمكن تحمله طويلا، ولا يصلحُ لإدارة حي أو قرية.

اترك تعليقاً