في ظل النظام العسكري تتحطم الديمقراطية والتنمية على صخرة القبلية ؟ /

في صخب حملة التعديلات ألا دستورية تابعة وبقدر من القراءة والتأمل والتمحيص والاستغراب وجوه وتصريحات عدد كبير من قادة ومواطني حشود التيه والحيرة والضياع وخطباء رهبان السياسة، وأحبار النفاق ودجاجلة الفساد وكهنة التضليل، وهم يخاطبون تجمعات الحشود المتعبة المنهكة السائرة في فيافي الشقاء والبؤس والحرمان، وحتى من الوعي السياسي والزاد الثقافي الذي يعصمهم من استغلال

وسخرية من كان المتسبب المباشر والفاعل في حرمانهم من خدمات الدولة وضياعهم في متاهات الأمية السياسية والجهل الحضاري والتزوير السياسي!.
ولقد تبين لي كما أحسب أنه تبين لغيري من المتابعين من تلك المسيرات وخطابات دموع التماسيح فيها أن مناضلي ما يسمى بالأغلبية وأنصار السيد الرئيس في الحكومة والأحزاب الموالية للنظام العسكري القبلي الفاسد والمتولية عن هموم المواطنين وإنقاذ الوطن، لا يهمهم في شيء ما يهدد الوطن من تحديات وأزمات ولا ما يحدث فيه من هزات اجتماعية وأمنية واقتصادية، وارتدادات ذلك على الحياة اليومية للمواطن العادي والوطن ككيان ؟.
فلا يهمهم في شيء إلى أين توجه المجتمع بوصلة تلك الأزمات والتداعيات وأخطارها الماثلة المحدقة بالجميع ! فلا يهمهم في كل ذلك إلا مصالحهم الشخصية، رغم إنهم يعلمون أكثر من غيرهم، ولأنهم هم المسببون وحتى الفاعلون لما يتهدد النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية بسبب سياساتهم وتدبيرهم لشأن الدولة ومؤسساتها، وأحوال معيشة المواطن العادي، وضياع التعليم، وغياب الخدمات، وفساد أدوات العلاج ووسائله، ومآسي البطالة، وحالة التشغيل وخيبة رجاء الباحثين عن الخدمات، ومصائب المستثمرين، وما تعانيه البلاد من مختلف المشاكل والأزمات، والأمراض النفسية والخلقية، والصحية العامة الظاهرة، والله يقول وقوله الحق:{ إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون}، ويقول:{ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}، وبقول:{ ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك على ظهرها من دابة}، ويقول{ ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس}.
فمن مصائبنا الفكرية وعللنا السياسية أن أهل العلم وربان الثقافة ومن يفترض فيهم أنهم مهندسو الإنقاذ وحصون الأمان وقادة البناء مصابون بداء الطمع والهلع والعجز والفشل والخوف على المناصب والمصالح الشخصية، وذلك هو ما يمنعهم من الوقوف مواقف الحق والعدل والإنصاف وقول الحقيقة للسيد الرئيس وللمواطنين الذين يزعمون هم أنهم لهم أنصار وأتباع، وبسمهم يتكلمون ويتبوءون المناصب السياسية والإدارية .
والمعروف في عالم السياسة أنه حين يحصل تزاحم الأخطاء والتقصير في النصح والتسديد، وتراكم أنواع الفساد والظلم والإفساد، يصاب الفرد والدولة والمجتمع والأمة بشتى أنواع الفجور والابتلاءات، والبوار السياسي والخراب العمراني والعجز العلمي والضياع الثقافي، والكساد الاقتصادي، يقول النبي القائد القدوة الشفيع المعلم الأسوة- صلى الله عليه وسلم- مبينا لأبرز الأسباب وعلاقتها التلازمية المهلكة للحياة العامة وواقع الناس اليومي:” إن الناس إذا رأو المنكر ولا يغيرونه أوشك أن يعمهم الله بعقابه:وقال:” إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أو شك أن يعمهم الله بعقاب منه” رواه أبو داود والترمذي والنسائي بأسانيد صحيحة”.
فالأحاديث تشير إلى أن ذلك هو السبب المباشر في انتشار آفات الجهل والفقر والبطالة والمرض، وتحصل  أنواع وصنوف الفتن السياسية خاصة والعلمية والاقتصادية والاجتماعية، والأخلاقية والصحية، التي بدورها تسبب هي الأخرى هلاك الحرث والنسل بل ولوجود الإنساني كله ،قال – صلى الله عليه وسلم:” يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ”، رواه ابن ماجة والحاكم.
يقول الإمام علي- رضي الله عنه-: إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع وأحكام تبتدع وقد يفشل الكثير في تلك الابتلاءات إذا ما حصلت الفتن… وإذ يبكي الباكيان هذا يبكي لدينه وهذا يبكي لدنياه؟!.
والمعروف في عالم السياسة والعمران أن من سنن الله الجارية في الاجتماع والعمران والحضارة والناس، أنه بالعدل والحق واليقين تنال الريادة في الحياة والقيادة في السياسة والدين والإبداع في عالم العلم والتنمية، وأن الدين من خاصيته و طبيعته أنه سرعان ما يكشف للناس عن تلك الحقائق وفواعلها وأسبابها وتأثيراتها.
وتاريخ الملك والسلطان يظهران أن من طبيعة المستبد أنه يضيق صدره دائما بحقائق الدين وحملة قيمه، ودعاة تحكيم شرعه، فيسارع إلى محاولة حجب حقائق الدين عن الناس وحجب الأصوات الصادقة المنادية به، وذلك بتفعيل دور الغوغاء وصخب الفتن وضجيج التزوير والنفاق والتضليل، وتجفيف منابع ومنابر الأصوات الواعدة، وتكميم الأفواه الصريحة الصادقة في مجتمعه، والحيلولة بين تلك الصيحات الصادقة الناصحة وجموع الأمة خوفاً في زعمه من انتشار الوعي بين الناس وتأليب الضحايا المغيبين، ومحاولة التأثير على المظلومين الضحايا المغيبين الاهين في آمالهم وأحلامهم المنشغلين بآلامهم والبحث عن أقواتهم، والعمل عبر وسائط شعوذة ودجل فقهاء السلطان ونخاسة الإعلام وكتاب التضليل والغواية والاستبداد وموظفي الاختلاس والرشوة والارتزاق، المتصدرين للمشاهد، والمسيرات، وفي الإدارات والأحزاب، وذلك بمحاولة تغير موجات تفكير الجموع وتضليل الحاضرين، وإثراء العقول بما لا يراد لها، وشغل جموع الجماهير بما ليس من قضياها ولا همومها ولا تساهم قطعا في حل مشاكلها التعديلات ألا دستورية التي لا هدف لها ولا غاية إلا أن تمسح بعرق ودموع المغفلين والمظلومين بصمات الجيل المؤسس وجهات معينة من تاريخ ومظاهر الدولة الموريتانية ؟!
ما من شك في أن القائم بالتفتيش في قاموس الأنظمة والعقلية العسكرية وفقهائها ومثقفيها وكتابها، سيجد لا محالة أنه ليس في ذلك القاموس ولا تاريخ الإدارة والتدبير معنا لحكمة التدبير ورشد التسيير ولا الاستماع لخبرة العقول ولا الاستفادة من ناضجات السياسة ومحكمات التدبير، وإن حاول دجاج لتهم في العلم والثقافة محاولة التضليل والتمويه بإقناعهم بإمساك العصا من الوسط، وفي بعض الظروف المعينة والأزمات الحادة محاولين بهم ممارسة سياسة، أنصاف الحلول، وإعطاء الرعية أقل القليل من الحرية الموجهة والتفكير المدجن ؟.
فالحاكم العسكري المنفرد بالرأي، المستقل بتدبير الشأن العام أنه لا يقبل من أنصاره ولا معارضيه على حد سواء أقل من الرضا بوجهة نظره وسياسته حلوها إن كان فيها حلو وهو قليل، ومرها وهو الغالب، وهذا ما ذاق طعمه رجال الأعمال المغضوب عليهم في موالاته وغاب عن مجلس الشيوخ في أحزابه وأنصاره، وفطن له بهلع وطمع وذكاء رغبة  في عز الحكم وذهب الحاكم قادة المعاوضة المحاورة الرؤساء الثلاثة الذين تخلفوا عن تحمل تبعات ومشاق ومتاعب المعارضة الشاقة والمكلفة الحرمان من وظائف الدولة وخدماتها، السادة مسعود ولد بلخير وبيجل ولد حميد ومحمد ولد أمين،
فالرئيس من طبعه العسكري وتطبعه السياسي أنه لا يقبل ولا يجالس ولا يتحاور إلا مع من كان مظهراً له التسليم الكامل والحب والولاء المطلق والمناصرة العمياء له، ومعلنا على رؤوس الأشهاد عن دعمه لبرامجه ومقررا ته، وزعم التفرد لها علميا وعمليا، وعزمه على الاستمرارية في قبولها وابتلاعها وعلى طول الطريق، وبذل كل الجهد الممكن وغير الممكن والمشروع وغير المشروع في دعمها ومساندتها، وهذا في نظر الرئيس هو واجبه على المواطن وحقه المستحق على الوطن، وذلك في شريعتنا هو ما تقتضيه نصوص طاعة ولي الأمر كما يقول فقهاء السلطان، والاعتراف والقبول بذلك وحده هو دليل صدق الموالي كما تقول صحافة النخاسة وكتاب الارتزاق، ودون ذلك لا وطنية ولا انتماء لهذا الوطن ؟!
وذلك هو مقتضى ذلك العقد أو العهد أو الطاعة، وهو ألا يظهر أحد تذمره من حال السلطة والسياسة التي يعتمدها السيد الرئيس وتنتهجها الأغلبية المظفرة، حتى ولو لم يكافئه الرئيس على ما بذله مما فيه له مناصرة في الحملات الانتخابية، ومؤازرة في الأزمات السياسية بكل ما يستطيع وما لا يستطيع، علما بأن العمل في الدولة وامتهان السياسة لا نصيب في ذلك كله  لوجه الله ولا مكان فيه للدار الآخرة في ظل القيم المتبعة والمعمول بها في الحياة السياسية، والاعتراف من كل الفاعلين والسياسيين أن ذلك قليل في حق السيد الرئيس المؤسس للدولة والمنقذ للقيم والمفجر للحرية والديمقراطية والتنمية، كما يقول المعلقون والمحللون لخطاباته ومؤتمراته الصحفية؟!
وما من قاعدة إلا ولها استثناء، ولعل الاستثناء هنا في حالتنا هو بعض رجال الأعمال ومن على خطاهم من أعضاء مجلس الشيوخ، وبعض من يدعون السياسة والتفكير ممن يندبون حظهم في السلطة والغنائم، حيث جاءت مواقفهم بعد الإحساس بأن السيد الرئيس غير راغب في قربهم، ولا مستعد لمكافأتهم، لأن الدور الذي من أجله كانوا مقربين قد أدوه وانتهى دورهم، وما عاد هناك من خسارة للسيد الرئيس حين يرمهم في قمامة الإهمال وزوايا النسيان، ويستغني عنهم وعن خدماتهم، وهم من كانوا يترقبون اليوم الذي يُتوجون فيه وزراء أو مسئولين كبار أو تجار معفين من سيوف التأديب والانتقام الضرائب والحرمان من الاستثمار ؟
يحكي أحد الظرفاء العرب أن صديقا له قال له: أن النوم لا يجافي عيناه من كثرة النفاق الذي يعيشه في المجتمع و في عمله بالخصوص، فنصحه بزيارة الطبيب، فأعطاه هذا الأخير حبوباً مهدئة ولكنها لم تجدي نفعاً، يقول الظريف الطريف و بعد تشخيصي لحالته رغم أني لست طبيبا صارحته بأن  مشكلته هي ضميره الحي و علاجه  يكمن في(فانيد) شائع الاستخدام من نوع فريد جدا، ليس من نوع (دولامين) او (أسبروا)  بل فانيد يتناسب مع مرضه المستعصي الذي يجعله يسهر الليالي ولا يغمض له جفن..وهي حبوب مهدئة للضمير الحي في ومن انعدام الضمير؟
وما أكثر من أصدقانا نحن اليوم ممن تكمن مشكلته في ضميره، الذي يسبب له ذلك الكم الهائل من المشاكل ويغلق في وجهه كل الأبواب في الدولة ومواردها، في العمل ومتعلقاته، في التحزب ومقتضياته ، بل وفي كل دروب الحياة الاجتماعية، وفي العلاقات والصداقة ؟.
والسؤال الذي يفرض نفسه : هل في عالم السياسة اليوم ضمير حي ، وهل هناك فعلا علاج للضمير الحي في هذا الزمن الأغبر، نعم هناك علاج خاص جدا من إنتاج مصانع سياستنا وجمهوريتنا الثالثة وفي ظل هيمنة النظام العسكري القبلي عليها إنها حبوب النفاق.. نعم النفاق لمن لا يتقنون النفاق في هذه الدنيا التي أصبح من سماتها الأساسية انتشار هذا المرض العضال..
هكذا فإن المطلوب في ظل فلسفة النظام العسكري القبلي عندنا أن يعمر المرء سيرته الذاتية و النفسية والعملية بالنفاق، وحتى لو كان فاسدا مرتشيا، لكي يعيش وينعم برغد الحياة و أفضل الوظائف وسيحبك الناس عندئذ ويتبعونك، لأنهم أصبحوا يعشقون المنافق، وما على السياسي والموظف إلا أن يعطى ضمير وعقله وعلمه عطلة مفتوحة ؟.
فالثقافة المجتمعية في ظل النظام العسكري القبلي الفاسد تقول لك يا عبد الله: أسرق ما تحت يدك ونافق رئيسك في العمل، و زعيمك في الحزب، ووحد رئيسك، لتكون مقرباً من الجميع وتضمن ترقيتك في السلم الإداري و الحزبي، والثقافة والدين لك غطاء، فالنفاق الديني عندنا سلم لنيل سحت المال وهدايا الحاكم من المال الحرام والوظائف غير المستحقة، فهناك  في عالم فقهاء السلطان من  يدعي المرجعية الإسلامية، والاجتهاد في الفقه، والإسلام من الكثير من أفعاله وأعماله وأقواله بريء براءة الذئب من دك ابن يعقوب، و من مظاهر النفاق والانفصام في الشخصية الفاضح عندنا، أن تجد ذلك الكم من الحاملين للألقاب والشهادات العلمية يغرقون في ذلك المستنقع الآسن من الكذب والنفاق والتضليل والدجل في زوايا الحياة كلها ألقيمي والأخلاقي والمالي والسياسي ؟.

د.محمد المختار دية الشنقيطي

اترك تعليقاً