بين الحزب و الخيمة أي ديمقراطية في موريتانيا

الشيخ الحسن البمباري

منذ نكسة حوار داكار و ما أعقبها من ارتدادات عنيفة على المشهد السياسي الموريتاني دخلت المعارضة و الموالاة في موريتانيا مواجهة حادة و صلت بعض الأحيان حد القطيعة و إن تخللتها فترات حوار عدى عن موراثونيته لم تحدد له أي أهداف واضحة ليطلب منه الخروج بنتائج ملموسة ، و مع ذلك استمرت حرب الشعارات و المواجهة التي نزلت للميدان بعد توجه الرئيس إلى تعديلات في دستور البلاد ، و صفتها المعارضة ” بالمساس بالمقدسات ” و استطاعت إفشالها على مستوى الغرفة العليا للبرلمان ، و حشد عام لا باس به على مستوى الشارع ، دون أن يمنع ذلك مرور التعديلات التي طالت النشيد و العلم و بنسبة مريحة عل مستوى النتيجة و المشاركة ، و إن شاب هذه الفرحة حديث المعارضة عن عمليات تزوير و تصويت أموات و أطفال ، ولكن التاريخ يقول إن المعارضة العالم ثالثية و خاصة إفريقيا لم تترف يوما بفشلها و لا بأي نتائج على الإطلاق إلا إذا كانت في مصلحتها ، – دون أن يكون ذلك طعنا في مصداقية ما تقول- .

من المؤكد أن ثنائية الشفافية و النزاهة في إفريقيا قد بات بينهما شرخ كبير ، فان كانت الشفافية قد تحققت سواء من خلال شكل الصندوق و اللوائح الآلية و بعثات المراقبة و سهولة المطابقة ، فان النزاهة بقيت متعذرة في الفضاء الموريتاني كما هو حال جل دول القارة ، و ذلك في حالة تعبير مباشرة عن مستوى الفقر و الأمية،  إذ يصبح الفقراء وقودا للمعارك السياسية و يتم استغلال بشكل كبير بسبب حاجتهم المادية الملحة ، و مع أزمة الشفافية و النزاهة في ديمقراطية  يمكن الاصطلاح عليها “بالديمقراطية ذات الصندوقين” صدوق أولي هو جيوب المواطنين الفقراء الذين تبيع غالبيتهم  ذممها ، و صودق الانتخابات و الذي لا يعبر فيه عن الإرادة الحرة بقدر ما يدفع الفقراء الدين المستحق عليهم و مهما كان المشروع السياسي المنتخب ، فان أزمات في بنية الحزب السياسي الموريتاني هي عائق كبير أمام أي تقدم في الشكل الديمقراطي “الأشبه بحالة العربة التي يراد منها جر الحصان ” فهذا الحزب لم يستطع يوما الخروج من جبة المخيلة القبلية و استنساخ نظرية الشيخ و المريد في مؤسسة يتوخى منها أن تكون تعاقدية عملية و بعيدة عن القبلية و الروابط الأولية (على لغة اميل دوركايم) ، ولكن الحقيقة تقول إن الأحزاب المطالبة بالديمقراطية هي نفسها غير ديمقراطية حيث لم تشهد أي عملية انتقال على مستوى الرئاسة في الظروف الطبيعية ، فساسة محنكون من حجم (مسعود ولد بلخير و احمد ولد داداه و و بيجل ولد هميد … كلهم يحتفظون بمناصبهم منذ تأسيس أحزابهم إلى اليوم ) و هو ما رسخ الهوية الفردية و الانفرادية للحزب بل حتى اقتصاره على الشخص الواحد “لذلك في موريتانيا دارج القول حزب فلان نسبة إلى شخص رئيسه ، أو حزب أهل فلان نسبة إلى قبيلته ” فيما يتصدر ما يصطلح عليه محليا في موريتانيا بالحزب الحاكم أو الحزب الداعم للرئيس المشهد  بتصرفه كأنه وزارة في الحكومة و ليس مؤسسة حزبية خاضعة لقوانين و ضوابط العمل الحزبي ، و حتى إن تخط الأمر الحزب الحاكم (الموالي) أو الحزب المعارض فان منطق الحزب السياسي في موريتانيا ظل دائما لصيقا بفكرة الخيمة التي تضرب حيث اعشوشبت الأرض و ما إن يبدي الجفاف وجهه حتى تقوض الخيمة استعدادا  للارتحال إلى مكان آخر أكثر كلأ و أحسن مرعى (وهو ما دفع البلاد إلى سن قانون ما عرف بالترحال السياسي و الذي لم يتم احترامه و لا التقيد به).

إن كانت التجارب الديمقراطية تقاس بالكثرة الحزبية فان موريتانيا هي الأكثر ديمقراطية على الإطلاق و بدون بمنازع ، و إن كانت تقاس بالحريات و حرية التعبير فستحصل على مكان متقدم أيضا في هذا المضمار ، و لكن ما إن يوضع كل ذلك أمام مجهر الحكامة و منطق دولة المواطنة و المساواة ، حتى تعود موريتانيا سيرتها الأولى ، في تجل واضح لحالة تصور الدولة في نسختها العالم ثالثية تحولات سياسية سريعة و  عنيفة ، يلعن أخرها كل ما جاء به  سابقها ، بل ويحمله وزر أخطائه حتى إن جلس في الحكم ما شاء له الله لا شعبه، في استنساخ حقيقي لتصور فهم الدولة في المخيال اللغوي العربي و المردود  إلى (دال أو دالت) بمعنى الانتقال و التحول إلى آخرين ، عكس التسلسل اللغوي الانجليزي أو اللاتيني بشكل عام والذي يحيل (إلى أستيت – استاتيكو ) أي الثبات .

في جميع الأحوال قد يقال إن التجربة الموريتانية قصيرة جدا على التقييم ، ولكن هذا لا ينفي ضرورة التقويم المطلوب في أي مشروع ، خاصة إن مشروع الدولة الموريتانية وصل عامه الستين و بالتالي بات مطلوبا منه أن يخرج بنتائج على ارض الواقع أكثر مما هو موجود الآن و أن يكون أكثر مرونة لاستيعاب التنوع السياسي و الاجتماعي و الثقافي ، و منطلق كل ذلك ضرورة بناء أحزاب سياسية وطنية و ليس جعل القبيلة أكثر مرونة و دمجها في شكل أحزاب ، أو تلميع وجه المشيخيات التقليدية و إدخالها من الباب السياسي كواجهة للبلد ، فمثل هذه الأساليب لن تساهم قطعا في بناء دولة الحق و المواطنة و لا ديمقراطية تضمن بناء دولة مباركة و يجد فيها الجميع نفسه .

 

 

باحث بالمركز الموريتاني للبحوث و الدراسات الإنسانية (مبدأ)

اترك تعليقاً