المجاس المحلية بين تجربة البلديات وتعزيز اللامركزية / عالى بيدر

اللامركزية هي أسلوب من أساليب التنظيم الإداري يقوم على أساس  توزيع السلطات والاختصاصات بين السلطة المركزية و هيئات أخري مستقلة قانونيا ،على عكس المركزية التي تعني تجميع السلطات الإدارية في يد السلطة المركزية، مع عدم استقلال الوحدات الادارية في مجال اتخاذ القرارات دون الرجوع إلى السلطة المركزية.

و يمكن تقسيم اللامركزية الإدارية إلى ثلاثة أقسام:
– اللامركزية الوظيفية: وتتمثل في عملية التوزيع الهرمي للصلاحيات بين المصالح المختلفة المشكلة للهيئة الإدارية (الإدارة، المنظمة…) وقد ازدادت الحاجة إلى هذ  النوع من التقسيم الإداري مع اتساع دور الدولة وتشعب المصالح المتخصصة في الهيئات الإدارية، بالإضافة ضرورة  سرعة  الحسم التي  يقتضيها التعامل مع بعض القضايا دون الرجوع إلى الرئيس الاداري .
– اللامركزية السياسية : وتعني توزيع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بين الحكومة المركزية والحكومات الموجودة في الأقاليم أو الولايات المشكلة لنفس البلد( الاتحاد الفدرالي ) ويوجد هذ النمط من الحكم في الدول المركبة مثل الولايات المتحدة الأمريكية و السويسرا ويتكون الاتحاد الفدرالي من عدة حكومات مركبة تشكل اتحادا واحد .
– وما يهمنا في هذ العرض، هو النوع الثالث من أنواع اللامركزية ،وهو اللامركزية المحلية وتتمثل في عملية توزيع الصلاحيات بين السلطة المركزية وهيئات محلية منتخبة كليا أو جزئيا من طرف  مواطني الإقليم ،مع تمتع هذه الهيئات بالشخصية المعنوية والصلاحيات  التي تمكنها من تسيير بعض المرافق التي تمس حياة المواطنين المحليين.
وقد انتهجت البلاد هذا النوع من اللامركزية منذ سنة 1986 ،مع الانتخابات البلدية ،التي تعتبر تخليا من السلطة المركزية عن بعض صلاحياتها لهيئات محلية منتخبة ،وذلك من أجل إشراك المواطنين في تسيير شؤنهم، مما سيترتب عليه بالنتيجة تحسن في الخدمات المقدمة للمواطنين، باعتبار أن القائمين على هذه الهيئات أكثر قربا منهم وأكثر دراية بمشاكلهم الحقيقية ،وهو مالم يتم الوصول إليه إلا في حالات قليلة، حيث أصبح غالبية المواطنين ينظرون إلى البلديات باعتبارها عبئا عليهم بدل المساهمة في حل مشاكلهم وذلك بسبب فشلها في إدارة ملفات حساسة تمس حياة المواطنين (النظافة مثلا) مقابل تزايد الضرائب والرسوم الي يدفعونها    .
واليوم مع الحديث عن المجالس المحلية، تتبادر إلى أذهان المواطنين تجربة المجالس البلدية، فهل ستكون المجالس المحلية استنساخا لتجربة البلديات أم أنها ستكون تجربة مغايرة؟
بالنسبة لي ،تعتبر المجالس المحلية مرحلة  جديدة من مراحل اللامركزية، التي يمكن أن تكون  خطوة مهمة في سبيل إرساء اللامركزية البناءة التي  يؤدي إلى إشراك المواطنين بشكل فعلي  في تسيير أمورهم، مما يساهم في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية  متوازنة يلمسها المواطن البسيط ، و لكن يشترط لذلك اتخاذ جملة من الإجراءات  التي من شأنها إنجاح هذه التجربة الوليدة والتي من أهمها :
_  اعتماد الكفاءة  في اختيار أعضاء المجالس ولا أعني المواطنين الذين سينتخبون أعضاء هذه المجالس فحسب، بل اعني كذلك الأحزاب السياسية  والتجمعات المختلفة، التي ينبغي أن تعتمد الكفاءة والقدرة على الانجاز كعنصر أساسي في اختيار مرشحيها بعيدا عن الاختيارات الفئوية الضيقة.
_ وضوح التشريعات المتعلقة بتحديد صلاحيات أعضاء هذه المجالس، بحيث تحدد بدقة ووضوح واجبات وصلاحيات المجالس المحلية وكذلك علاقتها بجهات الوصاية.
_ توسيع قاعدة المشاركة وذلك عن طريق اعتماد النسبية كأساس لتوزيع المقاعد على المتنافسين.
_ تزويد المجالس بالإمكانيات المادية والبشرية والفنية، التي تمكنها من تأدية مهامها على أحسن وجه.
_ ايجاد علاقة تشاركية بين المجالس وهيئات الوصاية، تتميز بالتعاون البناء الذي يمكن هذه الهيئات من القيام بمهامها التي يحددها القانون من جهة، ومن جهة أخر يمكن جهات الوصاية من الاضطلاع بالمهام المنوطة بها.
_ اشرك المجالس بشكل حقيقي في عملية التخطيط التنموي في نطاق الحيز الجغرافي الذي  يمثلونه إضافة إلى إِشراكهم في الرقابة على تنفيذ المشاريع التي يتم انجازها على المستوى المحلي .
تأطير أعضاء المجالس  بشكل يمكنهم من امتلاك رؤية واضحة تجاه المهام المنوطة بهم في ظل الصلاحيات التي يكفلها لهم القانون.

 

عالى بيدر / مفتش خزينة رئيسي

إطار بالإدارة العامة للميزانية

اترك تعليقاً