القرار من الديار / ذ.محمد قاضل ولد الهادي

اليوم سنرفع شعارا يعزز مكانة المواطن، يحمي حقوقه و مصالحه، يقضي على تلك الآفات التي استشرت في بلادنا منذ بداية الاستقلال، لقد كان آخر اجتماع سياسي يعقد خارج العاصمة انواكشوط و يتمخض عنه قرار سياسي أو سيادي اجتماع آلاك سنة 1958. بعد ذلك استحوذت العاصمة على كل شيء، استحوذت على كل القرارات و احتضنت الوزارات و المؤسسات و المصالح و القطاعات و كل شيء،

لم يبقى للداخل سوى الانتظار و تطبيق القرار، أيا كان القرار، و تحمل تبعات ذلك القرار، و نتائجه سواء إيجابية أو سلبية، ليس لأهل الديار من الأمر شيء، ليس لهم سوى أن يقبلوا بالقرار و يطبقوه، أو بالأحرى ينتظروا تطبيقه لأنه في الغالب ترسل انواكشوط من يطبقه ممن تراهم أهلا لذلك حسب معايير تختارها هي لا أهل الديار، و في الغالب يكون ذلك الاختيار بعيدا كل البعد عن معايير الكفاءة و النزاهة و الحرص على المصالح العامة للسكان و البلد برمته.
لقد ساهمت مدن موريتانيا كلها في محاربة الاستعمار إلا انواكشوط، ساهمت كلها في توطيد دعائم الدولة و لكن العاصمة بقيت حاضنة لكل ما من شأنه أن يربط البلد بحقبة الاستعمار، شوارع تكتب اسماؤها باللغة الفرنسية، واجهة مؤسسات تتبجح بمختصرات لاسمائها بلغة المستعمر، شوارع من نوع شارل ديغول، تتغول على حضارة الامة، كما حاول ديغول أن يتغول على الفرنسيين.
ساهمت انواكشوط في طمس هوية الشعب الموريتاني و جعلته غير قادر على التعايش سلميا بفضل غباء اختيارها و سوء بنيانها، لعمري كل مدن موريتانيا جميلة الا انواكشوط، كل مدن موريتانيا حاضنة للتاريخ و معبرة عنه إلا انواكشوط، و الغريب في الأمر أن أكثر من يحاول أن يجعل لانواكشوط تاريخ هم الفرنسيون أبناء الجيل الأخير من المستعمر، يحاولون بكل قوة من خلال الوسائط الاجتماعية و من خلال القنوات التلفزيونية و الإذاعات ان يجعلوا لانواكشوط تاريخ و صورة راسخة في أذهان السكان الجدد، و يتجاهلون تاريخ كل المدن الموريتانية، حتى لم يعد للتاريخ ذكر في اذهان الموريتانيين، اصبح كل الموريتانيين يحلمون بالسكن في انواكشوط، و باتوا يكرهون مناطقهم لأن كل ما يشيد من عصرنة للمدن على مر تاريخ الدولة كان يشيد في انواكشوط، في شوارع النصارى، و امام منازل الفرانكفونيين “الاغبياء” الذين فضلوا أن يعيشوا حماة للمستعمر و لمدينته التي بناها على ارضنا دون ارادتنا و رغما عنا.
اليوم لم يعد الحال كذلك، لقد فهمنا اللعبة و سوف لن نترك للعاصمة انواكشوط الا ما تستحقه بحكم أنها عاصمة سياسية، رغم أنها لا تعصم من شيء، و لا ترسل للداخل سوى الكوارث الطبيعية و لا تقدم للمدن التي ربطت بها برا، بطرق معبدة، سوى استيراد اللصوص و قطاع الطرق، و تلك الأشياء المقيتة التي تفسد المجتمع و تخل باخلاقه، قولوا لي ما الذي قدمته انواكشوط لموريتانيا، لا نتذكر من ماضي هذه المدينة سوى القرارات السياسية الخاطئة منذ الاستقلال و حتى عهد قريب، لم تقدم انواكشوط لأي مدينة شيئا، لأنها لم تولد لتقدم و انما لتؤخر، عفى الله عمن رحلوا و كان لهم ضلع في انشاء هذه العاصمة، التي تعصمنا من التطور و تحرمنا من تاريخنا و حاضرنا و مستقبلنا و هويتنا و هاهي تريد ان تحرم مدننا من تسيير شؤونها بسواعد ابناءها.
بربكم ما الذي كان سيحدث لو كانت احدى المدن الأخرى عاصمة للبلاد، مثلا لعيون أو أطار أو تجكجة أو أبي تلميت أو حتى فصالة “نيرى”، ما الذي كان سيحدث هل صحيح أنه سيكون لأهل هذا الزمان نفس الموقف الذي عندهم اليوم من هذه العاصمة، التي تعصم من سكنها من اهل موريتانيا من وطنه الأصلي، و تجعله رهينة لهذه العاصمة المصطنعة. بربكم لو كنا أنفقنا ما أنفقناه في بناء العاصمة على احدى مدننا التي مضى على انشاءها اكثر من 500 سنة هل صحيح أنه سيقال لنا أنا بلا تاريخ، أنا بلا عاصمة، أن عاصمتنا ليست عصرية، بربكم تصوروا بعض العواصم العربية مثلا، تونس ق 7 م،  الرباط ق 12 م  ، الجزائر ق 10 م. تأملوا لو كانت العاصمة، أطار ق 8 م، تجكجه ق 16 م، بوتلميت ق 18 م.
لقد استغفلنا المستعمر و جعل عاصمتنا مدينة لا تمت بصلة لتاريخنا فقطع الاوصال بين ماضينا و حاضرنا (انشاء الدولة) و مستقبلنا (الذي نعيش فيه اليوم) هذه المؤامرة التي انطلت حيلتها على قادتنا في ذلك الوقت هي التي تجعلنا اليوم نراجع حساباتنا و نعود بكل قوة نطالب بإعادة النظر في هذه العاصمة. لو كانت احدى المدن التي ذكرت ءانفا عاصمة للبلاد لكان يقال اليوم العاصمة الموريتانية مدينة عريقة ضاربة في القدم و لكنا اليوم نفهم بعضنا البعض، لكن الفكرة كانت لجعلنا دائما على خلاف و دائما في البحث عن سبب يجعلنا نتفق، لكن من المحال أن يلتقي، كخطان متوازيان، و بالتالي مستحيل أن تتمكن العاصمة انواكشوط من فهم كل واحد منا، لأنه كان يجدر بنا عدم بنائها من الأساس.
اليوم نعود لنقول لأنفسنا أن تلك الوصاية باتت غير مقبولة و بات لزاما على العاصمة أن تقتصر دورها على الرقابة و احتضان قطاعات السطلة المركزية، و تترك الفرصة للمدن الأخرى أن تحتل مكانها و تظهر مكانتها و تعتني بتاريخها و حاضرها و مستقبلها حتى يتسنى للتنمية المحلية أن تتطور و تعود بالنفع علينا.
لقد بات من واجبنا اليوم و قبل أي وقت مضى، أن نعيد النظر في كل شيء قادم من انواكشوط، و نعمل جاهدين على فرض رأينا بأن لا يصدر قرار إلا من داخل الديار، و أن لا تقبل وصاية لأي كان إلا إذا كان له دور في خدمة و تنمية الولاية.
اليوم ليس لنا ان نقول سوى “القرار من الديار”، “القرار من الديار”، “القرار من الديار”،
و ليحمل هذا الشعار شباب كل مدينة على حدى، #القرار_من_الديار

اترك تعليقاً