هيفاء زنكنه: خطر انقراض الناشط السياسي التقليدي

  • عشرات الايميلات تصلنا، يوميا، من أشخاص أو منظمات تدعونا للتوقيع على هذه الحملة أو تلك. تتراوح
  • أصناف الحملات ما بين الاجتماعية البيئية كالدعوة الى حماية الحيتان الى السياسية كادانة جرائم الاستيطان الاسرائيلي والمطالبة باعادة الاستفتاء حول انضمام المملكة المتحدة الى السوق الأوروبية المشتركة، في اعقاب التصويت الشعبي لصالح الانسحاب، وبفارق يزيد على المليون صوت. جمعت حملة المطالبة باعادة الاستفتاء، التي تم اطلاقها بعد يوم من اعلان النتائج، على ما يزيد على الاربعة ملايين صوت خلال اسبوع واحد، بينما تجمع في ساحة الطرف الأغر، وسط لندن، بعد توجيه النداء للخروج الى الشارع، ويوم العطلة الاسبوعية، آلاف المحتجين، اي اقل بكثير من الموقعين على العريضة الألكترونية. فهل يؤشر هذا الى قرب انقراض عصر الناشطين المجتمعيين/ السياسيين وأساليبهم التقليدية التي تعتمد على التظاهرات والاعتصامات وتوزيع المنشورات، في الطرق العامة، وكل ما له صلة بالفضاء العام، بالاضافة الى سيرورة الاعداد وما يرافقها من مناقشات تؤدي الى التضامن الاجتماعي والاحساس بالتقارب السياسي والفكري والانساني عبر البلدان؟ كما رأينا من اعتصام البريطانيين المناوئين لسياسة التمييز العنصري في جنوب افريقيا( 1986 – 1990) ، واعتصام براين هٌو، الذي نام في الشارع مقابل مبنى البرلمان البريطاني، كل يوم بلا انقطاع، على مدى عشرين عاما ( 2001 – 2011)، حتى وفاته، احتجاجا على سياسة بريطانيا العدوانية ضد العراق، وبعد ان رأى معاناة الاطفال العراقيين تحت الحصار. هل يؤشر هذا، أيضا، الى احتضار أو موت الاحزاب السياسية التاريخية وأذرعها من المنظمات المجتمع – مدنية ؟
    الصورة غير واضحة بعد، اذ تتداخل عوامل النجاح والاخفاق الى حد كبير. قد لا تنطبق نتائج الرصد على بلداننا، تماما، فنسبة مستخدمي الانترنت لاتزال قليلة نسبيا، قياسا بالغرب، اما لأسباب لوجستية كانقطاع التيار الكهربائي أو اقتصادية، أو الرقابة الأمنية وانعدام حرية النشاط السياسي مما يؤدي الى اعتقال وسجن الناشطين، ويجعل اطلاق الحملات السياسية على الانترنت محفوفة بالمخاطر، وأن بدرجة اقل من العمل السياسي المباشر، مهما كان سلميا. الا ان رصد تغير طبيعة النشاط السياسي في عصر الانترنت وما افرزه من اساليب جديدة، في الغرب، ضروري ومهم لأن تأثيره يمسنا بشكل مباشر وغير مباشر، بحكم تجاوزه حدود القرية والمدينة والبلد الى العالم المفتوح، ومهما كانت تحفظاتنا عليه. فمن ايجابيات النشاط السياسي عبر الانترنت، نجاحه في تجميع اكبر عدد ممكن من الناس، وبسرعة مذهلة، تماثل المعجزة مقارنة باساليب التواصل القديمة. وقد لاحظنا ذلك في المظاهرات المناوئة للحرب على العراق التي تم انطلاقها يوم 15 شباط / فبراير 2003، وقبل اسابيع من شن الحرب، لتصبح المظاهرة الكونية الأكبر، حيث جمعت ستة ملايين شخص عبر اكثر من 800 مدينة، في جميع ارجاء العالم، والاكبر في تاريخ بريطانيا كله بمليوني متظاهر بلندن، تحت شعار « ليس باسمنا». ساعدت زيادة اللجوء الى الإنترنت على توسيع الحركات الاجتماعية، والوصول الى اكبر عدد من الناس، وزيادة الوعي بما يدور كونيا، مؤدية الى ارتفاع نسبة الشفافية في العمل السياسي، اذ ما ان يتم بث معلومة على الانترنت، حتى يكاد يكون من المستحيل اخفاء الامر أو منع انتشاره، وان تمكن السياسيون، في الانظمة الفاسدة والمستبدة، من استنباط طرق جديدة لاخفاء الحقيقة عن شعوبهم. فاذا كانت الويكيليس بنشرها الملفات والايميلات المتبادلة بين الساسة والدبلوماسيين، على الانترنت، قد فضحت خفايا واسرار انظمة وساسة، الا ان هذه الجهات سرعان ما باتت تتوخى الحذر في استخدام الإنترنت كأداة للاتصال، وشرعنت القوانين لحماية مصالحها.
    السؤال الملح هو مدى فاعلية عرائض العالم الافتراضي، غير المتجسد في الشوارع وتحت انظار المسؤولين، وان تم توقيعها من قبل مئات الآلاف أو الملايين؟ تشير البحوث الى ان فاعليتها، في المجال السياسي، محدودة وأن لوحظ تحقيق بعض النجاح في الحملات التي تدور حول قيم ومتطلبات الحياة الشخصية والموضوعات «الناعمة». بل ان الحكومة البريطانية تعهدت رسميا بالنظر في مطالب الحملات اذا ما وقعها مئة الف شخص، خاصة اذا كانت الحملة تستهدف بلدانا بعيدة، ولا تؤثر جوهريا على الحسابات السياسية الآنية. كما ان استلام الحكومة للعريضة لا يضمن تنفيذ المطالب. واذا كانت مساندة منع صيد الفيلة، في افريقيا، مقبولة بل وقد تدعم من قبل الحكومة البريطانية، مثلا، الا ان وقف الحرب المخطط لها منذ عقود على العراق مستحيل، وان تظاهر ملايين الناس ضده، كما هي حملة مناهضة بناء المستوطنات في فلسطين المحتلة، وان وقع عليها الملايين.
    تؤثر على فاعلية الحملات عوامل عدة، من بينها: مدى وعي الناس بالقضايا السياسية والعامة والقدرة على التمييز ما بين النشاط الدعائي التحريضي والنشاط المرتبط بحياة الناس وطموحاتهم في تحقيق العدالة الاجتماعية. يساعد الوعي على فهم طبيعة عمل منظمات باتت متخصصة في مجال اطلاق الحملات السياسية، على غرار « آفاز» اي الصوت و«تشينج» أي التغيير. وهي منظمات تستقطب الملايين، من جميع انحاء العالم، وتدعي، على مواقعها الالكترونية، تحقيق بعض النجاحات. وهي تشجع اعضاءها على اقتراح الحملة التي يرغبون بشنها، مما يجعلها، عرضة للانتقاد لكونها تتصرف مثل سوبرماركت تديره مجموعة، همها الاول جذب الزبائن لتسويق بضائعها. وعلى الرغم من اعتراف الجميع بايجابية تطور العمل السياسي بوجود الانترنت الا ان هناك اصواتا تدعو الى التوازن بين التواصل عبر الانترنت مع التواصل البشري مما يعني، في الواقع، تمديد حياة الناشط السياسي، على الارض، الى حين. ومن الواضح ان النضال من اجل الحقوق الوطنية والحياتية، وهي جوهر مفاهيم العدالة والكرامة الإنسانية، سينتج مع الزمن استخدامات تنمي قدرات الناس، وتفرض على الدول، وعلى السياسيين ومن يدعمهم، الإلتزام الأكبر بما يدعونه وما يسطرونه في برامجهم أو قوانينهم.

٭ كاتبة من العراق تقيم في لندن

 

اترك تعليقاً