ماذا حدث..! أهي ثورة أم تأمر عن غير إمرة؟ / محمد الأمين سيدي بوبكر‎

كان كل شيئ يبدو عاديا قبل 22 يونيو  وكأننا نعيش في دولة ديمقراطية تعيش عرسا انتخابيا في أجواء طبيعية – حملات دعائية.. مرشحون يتنافسون.. برامج انتخابية مختلفة.. إلخ – وكان الصراع على أشده في انتخابات رئاسية حامية الوطيس، في ساحة سياسية – متقلبة – مليئة بالتناقضات.. إلى أن حدث ما حدث وقيل إنه ثورة شعبية كما قيل إنه فوضى أو مؤامرة خارجية، قبل أن تبين لا حقا أنما حدث لم يكن سوى فوضى عسكرية ومؤامرة داخلية وتأمر عن غير إمرة، ولاتنافر بين الإثنين – التأمر عن غير إمرة والثورة – إذ يدفع الأول إلى الأخيرة وتنبعث الأخيرة من الأول، أما الفوضى والمؤامرة فهي نفسها التأمر عن غير إمرة.وقد بدى ذلك جليا في عسكرة العملية الانتخابية بدء بإستغلال نفوذ المؤسسة العسكرية، والزج بها وقادتها في الصراعات السياسية، والتنقل في طائراتها، وليس انتهاء بالقفز على إرادة الناخبين وإعلان النتائج من طرف واحد، وقطع الإنترنت، والعمل على تأزيم الوضع، واختلاق أزمات تارة عرقية وتارة أجنبية، وتعطيل العمل بالدستور وفرض حالة طوارئ غير معلنة – ولكم أن تحكموا على ماعايشتم من أحداث في الأيام الأخيرة أهو ثورة أم تأمر عن غير إمرة..! – وشتان مابين الإثنين وإن كان أحدهما يؤدي للآخر.فالثورة وشعة بيضاء تظهر في نهاية الأفق كفلق الصبح حين يدلهم ليل الظلم والاستبداد، وتغيب الرؤية المتبصرة، وتنعدم الحكامة الرشيدة، ويتعذر الإصلاح السياسي، وهو ما حدث بالضبط؛ لكن لايوجد ما يدعوا لتشجيعها بذاتها كما قال عنها الدكتور سلمان العودة في كتابه “أسئلة الثورة” لأنها محفوفة بالمخاطر، ولكنها تأتي مثل قدر لايرد حينما يتعذر الإصلاح الجذري الجاد، فليس هناك دعاة للثورة أصلا لأن القمع والظلم والفساد والتخلف والفقر وحدهم يدعون لها – لكن الثورة مرتبة متقدمة من الوعي لم نصل إليها بعد..! ونحن في مجتمع تعكس نسبة الوعي فيه النتيجة التي حصل عليها الدكتور محمد ولد مولود – في فرصة التغيير الموؤودة 2019 – وهي ضئيلة جدا إذ لا تتجاوز 2.44% فقط.والثورة لايرتب لها أحد ولايخطط لها الناس، لكنها تنفجر على غرة، حين تسد طرق الإصلاح، وتوقف عمليات العدالة.. ويمارس القمع، والإصلاح الجاد يستحق التضحية وليس الخسارة.. لأنه أفضل طريق تكافح به الثورة، وهي قفزة وليست تدرجا، لأنها محصلة تراكمات طويلة من النقمة.. ولا تأتي عادة إلا بعد تعطل مبدأ التأمر في الأمير وشيوع ضرورة التأمر عن غير إمرة – كما هو الحال بالنسبة لنا منذ 41 عاما، إذ وضعتنا الطغمة التي تحكمنا وتتحكم في مصيرنا عن غير تحكيم منا، تحت طائلة الإختيار بين خيارين أحلاهما مر، إما الانحلال أو الاحتلال.. فاخترنا ولم نحسن الاختيار – وفي ذات السياق يقول الدكتور محمد المختار الشنقيطي في كتابه “الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية”التأمر في الأمير ظل إمكانا غير متحقق منذ نهاية الخلافة الراشدة إلى اليوم، بينما التأمر عن غير إمرة – الذي يلخص القيم السياسية الإسلامية في حالة الاضطرار – ساد في جل مراحل التاريخ الإسلامي لأسباب سياسية وثقافية واجتماعية شتى.وفي قراءتنا للجهد التنظيري الذي ورثه المسلمون من علمائهم الأقدمين لاحظنا كيف تحول الخوف من الفتنة هاجسا مرضيا، وكابحا نفسيا، يستبطنه العقل الفقهي الإسلامي، أملا في الحفاظ على وحدة موهومة تتأسس على القهر، وتلك صفقة خاسرة على المدى البعيد، رغم كل ماتحققه من حلول تلفيقية ظرفية.ولو أن فقهائنا السياسيين تعاملوا مع سلطة الأمر الواقع بمنطق عملي محض، فوضعوا القبول بالاستبداد ضمن فقه الضرورات العملية المؤقتة وميزوا بين الطاعة بالواجب والطاعة بالضرورة – كما فعل جان جاك – لما كان عليهم من حرج، فللضرورة أحكامها ولاريب.لكن بعض أولائك الفقهاء أوغلوا في طريق الكبح والزجر والتخويف من الفتن، وصاغوا الرخصة المصلحية الظرفية بلغة العزيمة الشرعية الدائمة، فتورطوا في الخلط بين مبدأ التأمر في الأمير ورخصة التأمر عن غير إمرة، وتورطوا – بحسن نية – في تشريع الاستبداد والقهر.وحقيقة الأمر أنما جرى بعيد 22 يونيو ودبر قبله، كان انقلابا عسكريا مكتمل الأركان، وتأمرا عن غير إمرة، ومهما يكن فليس ما حدث بدعا مما يحدث منذ سقوط الخلافة الراشدة، إذ ترزح الأمة الإسلامية منذ ذلك الحين تحت أزمتها الدستورية، وللسبب ذاته استمرأت الشعوب العربية التفريط في الشرعية السياسية استسلاما للخوف من الانجراف للحروب الأهلية.حفظ الله موريتانيا..

اترك تعليقاً