الابداع النسائي في الشعر الحساني، التبراع نموذجا

نشرت الباحثة الصحراوية ذ.العالية ماء العينين على موقع الثقافة العربية “دروب” مقالة أدبية حول الابداع النسائي في الشعر الحساني،حيث جعلت القارئ العربي يحلق بشكل عذب بين نصوص ابداعية من مخيلة المرأة الصحراوية الشاعرة…

الإبداع النسائي في الشعر الحساني- التبراع نموذجا” : هذا هو عنوان البحث (الأطروحة)، الذي أنكب على دراسته منذ أكثر من أربع سنوات..والموضوع كما هو واضح من العنوان ..يتحدث عن نوع من الشعر الشعبي النسائي السائد/المنتشر على امتداد فضاء الثقافة الحسانية (جنوب المغرب وموريتانيا) وأقول الشعر النسائي، بعيدا عن النقاش الأزلي حول مصطلح الأدب النسائي ذلك أن الأمر يتعلق، فعليا ،بشعر نسائي، ولا يحق للرجال الخوض فيه…- و رغم أنني شخصيا لا أعاني أية عقدة اتجاه المصطلح ..و يطيب لي جدا أن توضع خربشاتي تحت مسمى الكتابة النسائية…فإني أعتذر مسبقا لمن لهن/م حساسية من المصطلح لأنه سيتكرر كثيرا…في شيء يشبه الاستفزاز..ولكنه ليس كذلك..-

وبالرجوع إلى الموضوع، أقول إن هذا البحث مكنني من الإطلاع على العديد من النماذج الشعرية الشعبية النسائية..محليا وعلى مستوى ثقافات أخرى أجنبية…وعلى سبيل المثال لا الحصر،…هناك ما يسمى بالعروبيات أو الرباعيات .وهو شعر المرأ ة الفاسية .وقد سبق للمرحوم أحمد الفاسي أن كتب بحثا قيما جمع فيه الكثير مما تفرق من هذه الأشعار..هناك أيضا بعض النماذج في الشعر الأمازيغي السوسي ..ولكنها ..تدخل في إطار المحاورة بين الرجال والنساء … وعلى مستوى خارجي يبرز شعر نساء البشتون كواحدة من أهم التجارب الإبداعية… النسائية الشعبية…

والحقيقة أن المتأمل لهذا الإبداع المتنوع سيقف مشدوها..أمام العديد من الملاحظات ,,من أهمها مسألة الكم الهائل (العصي على الحصر) وهي مسألة لها دلالتها خصوصا أن هذا النزيف يتركز بالأساس على الجانب الحميم عند النساء أي العلاقة مع الرجل، والذي يأتي.. في صورة المجتمع أحيانا

الملاحظة الثانية أن هدا الشعر النسائي يتميز بنوع من الوضوح والمباشرة في التعبير عن العاطفة…و المقصود هنا ,وضوح المعنى العام وليس الفقر الإبداعي…ذاك أن هذه النصوص على قصر بعضها ( بيت واحد)..تعتمد الاستعانة ببعض ..الأدوات البلاغية ..لإحداث الأثر والدهشة من خلال الصور التي تعتمدها الشاعرات…

تقول إحدى النساء العاشقات في “التبراع” أي الشعر النسائي الحساني :

أُ لا يَكْدَرْ يَنْعــــــــــافْ

لَخْظارْ فْعيمانْ الجفافْ

والبيت بالمعنى الفصيح يقول : لا يمكن أن نكره منظر الخضرة عموما ..فما بالك بأيام الجفاف …وإلى هنا تبدو التبريعة مجرد صورة طبيعية …ساذجة…ولكن إذا علمنا أن “لَخْظارْ” في اللهجة الحسانية هو السمرة أي اللون الأسمر فإن المعنى الخفي يصبح غزلا في حبيب أسمر وكيف السبيل إلى عدم حبه ..وهو الخصوبة في عز الجفاف…

ونقرأ في نموذج لإحدى العروبيات الفاسية …

يا ساداتي بغيتكم وبغيت الله

والتوبة غاليهْ..عْلِيَ و عْليكُمْ

َطْلَبْ رب لكْريمْ سجَّادهْ مْقابْله حومتكمْ

السَّجْدة لَكْريم والشُّوفة فيكُمْ

تحب الله وتحب أحبتها…وتطلب التوبة ..فهي لا تتمنى إلا السجود لله والنظر إلى وجه من تحب…

أما بالنسبة لنساء البشتون فإن في شعرهم المدهش بكل المقاييس ، و المعروف باللاندي …نماذج مذهلة ..وقد قام بنقل بعض أشعارهم إلى الفرنسية سيد بهاء الدين مجروح بمساعدة اندري فيلتير…

تقول إحدى البشتونيات :

إذا مات حبيبي لأكن كفنه

هكذا نتزوج الرماد معا…

وقول أخرى:

في يدي وردة تذبل

فأنا لا أعرف لمن أعطيها في هذه الأرض الغريبة..

وبالرجوع إلى هذه النماذج وغيرها…سنلاحظ أن المرأة تتحرر من مراقبة المجتمع وسلطته لأن القائلة مجهولة..لذلك فهي بعيدة عن المحاسبة وعصية على القيود… ولهذا فإن بعض هذه الأشعار يتميز بالجرأة أحيانا واقتحام مناطق محرمة قد تعرض صاحبتها للسخط الاجتماعي والإقصاء..لولا أنها غير معروفة…

تقول إحدى بنات حسان في التبراع :

مَنْ عَـــــــــزَّتْ كَــــــمْيَ

بَكْمَ طَرْشَ عَدْتْ آُ عَمْيَ

والمعنى الفصيح ..هو : من فرط رغبتي في شد سيجارة (كمية) أصبت بالصمم والعمى والبكم….المعنى هنا جريء بالنسبة لهن في فضاء تقليدي..مسيج بالحياء ..والضوابط الدينية والأعراف..ولكن الأجرأ هو عندما نعرف أن” الكمية “..أيضا تقال كناية عن اللثم…

وفي نفس الإطار ..نورد نماذج لتوظيف رموز وطقوس دينية لخدمة غرض الغزل :

مثل قول إحداهن :

حُبَّكْ ذا الطَّاري…

ثابَتْ…رواه البخاري..

(حبك الذي دق بابي …ثابت في صحيح البخاري)

وتقول أخرى:

وَمْنَينْ نْصَلِّي…

يَحْجَلِّي وَ نْعَلْ مَّلِّ…

( في عز صلاتي أتذكرك …فأعيد الصلاة من جديد)

وتقول إحدى البشتونيات :

أخِّرْ صياحاتك قليلا يا ديك..

للتو آويت إلى حضن حبيبي..

والحقيقة أن هناك نماذج تصل إلى درجة عالية من الإباحية، خصوصا في شعر نساء البشتون… و أظن أن الأمر يتعلق برد فعل يشتد باشتداد الضغط والقيود على هذه المرأة…والتي عانت الفقر والذل والحروب بالإضافة إلى الكبت العاطفي ….

إن الإطلاع المتزايد على جوانب ..مغيبة من الإبداع أو المعبر عنه بشكل عام …لدى المرأة..يجعلنا نطرح سؤالا..عن التاريخ أو المسار الفعلي، الاجتماعي والفكري والأدبي…للنساء في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، بعيدا عن العناوين الجامعة الشاملة والتي رغم اهتمامها ببعض الألوان والأشكال إلا أنها في العمق..نادرا ما تخرج عن الإطار الواحد….

وبالرجوع إلى التاريخ..سنجد أن هذا الأمر ليس إلا استكمالا لتغييب نماذج كثيرة من النساء تركن أثرا..ولكنهن اعتبرن خارج الإطار الرسمي..باعتبار ارتباطهن,,بطقوس اللهو والمجون الذي غرقت فيه الخلافة الإسلامية..في أوج قوتها…والحديث هنا عن الجواري وقد برز فيهن شاعرات وعالمات وحافظات وناسخات للكتب…ولا ننسى هنا أنهن من جنسيات مختلفة وبالتالي ثقافات وحضارات متنوعة… ولولا اهتمام بعض المتقدمين كصاحب كتاب الأغاني..لما وصلنا شيء عن تلك الفئة من النساء…واللاتي لم ينجح تغيبهن ..في طمس مظاهر الفساد والتبذير التي طبعت تاريخ الخلافة الإسلامية.. خصوصا..إبان العهدين الأموي والعباسي…

والحقيقة أن الإطلاع على هذا التراث…سيجعلنا نتبين أن ما يدهشنا..من الإبداع الشفوي ..أو يصدمنا أحيانا…ليس بالشيء الغريب ولا الكثير…

بل إن بعض المصادر تحدثنا عن نساء يعتبرن من الصفوة الاجتماعية والفكرية…خلفن أشعارا حملنها عواطفهن….وتجاربهن..بدون حجاب..ولا أدل على ذلك مما ورد عن سيدة نساء بني العباس وأشهرهن علية بنت المهدي والتي تقدم في المصادر بالمغنية والشاعرة…ابنة المهدي وأخت الخليفة العباسي هارون الرشيد..والتي توصف بالأديبة الحافظة والقارئة للقرآن الكريم…وهي أيضا الشاعرة التي لا تتوانى عن التغني بعشقها لأحد غلمان قصر أخيها الخليفة.,, وما هي بالجارية ولا المجهولة…تقول:

يا رب إني قد عرضتُ بجهْلها فإليك أشكو ذاك يا ربــــاه

مولاة سوء تستهين بعبدها نعم الغلام وبئست المولاة

طلُّ ولكني حرمت نعيمه ووصاله إن لم يــغثني الله

يا رب إن كانت حياتي هكذا ضرّاً علي فما أريد حيــــاه

ومما يحكى عنها ( الأغاني – زهر الآداب…) أن الخليفة تنامى إلى علمه حكايتها مع طلِّ هذا فقال لها ” والله لئن ذكرته لأقتلنك ” فدخل عليها يوما على غفلة تقرأ في آخر سورة البقرة قوله سبحانه وتعالى ” فإن لم يصبها وابل فطلٌّ”…فقالت “فالذي نهانا عنه أمير المؤمنين”وحسب صاحب الأغاني فإن الخليفة قبل رأسها وقال وهبت لك طلا (هكذا) ولا أمنعك بعد هذا شيئا تريدينه…

يبدو أن أكثر الباحثين والمؤرخين…يركزون على سيرة امرأة خاصة ، لا تنتمي للعامة ..ولا خاصة الخاصة..و لا الجواري ..ولا….

والواقع أن كل هذه الشرائح تشكل المرأة…شئنا أم أبينا ..اتفقنا أم اختلفنا.

يقال إن في النساء عجبان ..وقد لا يعدو الأمر أن..لهن سيرتان……

المصدر
ذ.العالية ماء العينين
موقع دروب الثقافي
www.doroob.com

اترك تعليقاً