لعبــة الكبار : تصعيـــد أم فرض للحلـــول….

مقالات رأي

اجتمعت 5 دول كبرى في وزارة الخارجية الألمانية لصياغة “شروطها” من أجل ما أسمته بالتعاون مع روسيا في سوريا.

وعلى الرغم من التصريحات المرنة والمطاطة التي تحتمل أكثر من وجه، ويمكن تفسيرها بأكثر من معنى، اتضح أن الأمور أكثر تعقيدا، وأكثر “بلطجة”. إذ أن لغة فرض العقوبات لا تزال تسيطر على خطاب الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين. والأكثر إثارة للدهشة أن ألمانيا شرعت بالانضمام إلى هذا الخطاب الابتزازي، على الرغم من تصريحاتها بأن لا حل للأزمة السورية بدون جهود روسيا. وهي التصريحات التي يمكن قراءتها بأن برلين تحمِّل موسكو مسؤولية ما يجري في سوريا عموما، وفي حلب على وجه الخصوص.

قبيل ساعات من اللقاء “المشبوه”، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية مارتن شيفر أن ممثلي كل من وزارة الخارجية الأمريكية والألمانية والبريطانية والفرنسية والإيطالية سيناقشون في برلين شروط مواصلة أو استئناف التعاون مع روسيا في سوريا. وفي الحقيقة، فإن الهدف من اللقاء، وفقا لشيفر، كان “بحث الخيارات للخروج من الوضع الصعب في سوريا، وكيف سيستمر كل ذلك، وكيف يمكننا الاقتراب من الأهداف المشتركة، وهي توفير وصول المساعدات الإنسانية، وسبل استئناف العملية السياسية، وعلى أي شروط وكيف يمكننا مواصلة المفاوضات مع روسيا أو استئنافها”.

في نفس توقيت التصريحات الألمانية، أصدرت باريس تصريحات أخرى مشابهة. إذ أعلن الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية رومان نادال أن اجتماعا سيعقد في برلين في وقت لاحق يجمع المدير السياسي لوزارة الخارجية الفرنسية ونظرائه الألماني والأمريكي والبريطاني والإيطالي بحضور الجهاز الأوروبي للعمل الخارجي في برلين وذلك تلبيةً لدعوة كانت وجهتها ألمانيا. وأوضح نادال أن “المجتمعين سيتطرقون، كأولوية، لموضوع كيفية إعادة تفعيل الهدنة في حلب وإيصال المساعدات الإنسانية للمواطنين المحتاجين اليها. وسيناقشون المراحل المقبلة، خاصة تلك المتعلقة بِاجتماع مجلس الأمن الدولي حيث ستطرح فرنسا مشروع قرار يدعو لوقف القصف والسماح بدخول المساعدات فوراً للمناطق المحتاجة ومن دون أي استثناء بهدف إعادة استئناف المفاوضات السياسية من أجل التوصل لمرحلة انتقالية تتمتع بالمصداقية”.

من الواضح أن هناك اتفاقا على صيغة مثل هذه التصريحات التي تعطي انطباعا بأنها تبحث عن حلول وتسويات، ولكنها تخفي “توافقات تآمرية” من حيث الجوهر، وبالذات في ما يتعلق بالحديث حول وقف إطلاق النار في حلب، أو إدخال المساعدات الإنسانية إلى هناك، أو الحديث بلغة العقوبات ضد روسيا. فقد أكد مفوض الحكومة الألمانية لشؤون التعاون الألماني – الروسي، مندوب ألمانيا لدى منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، النائب البرلماني جيرنوت إيرلر أن هناك أفكارا أولية لفرض عقوبات على روسيا بسبب تدخلها في الأزمة السورية. ولكنه استدرك قائلا: “لكن يجب القول، بأن سياسة العقوبات التي فرضت بسبب الأزمة الأوكرانية، لا تشجع على معاودة استخدام هذه الطريقة”.

لكن الغريب والطريف في آن واحد أن مفوض الحكومة الألمانية أشار إلى أن “ممثلي المجتمع الدولي” الذين اجتمعوا في برلين، أكدوا على حل سياسي في سوريا، وليس السعي لفرض عقوبات، مشيرا إلى أن الحل العسكري ليس مناسباً لحل الأزمة السورية.

هذه التصريحات مثيرة للشك والغضب أيضا. لأن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا تعتبر نفسها “ممثلة للمجتمع الدولي”، وليس لديها أي تفويض لا من المجتمع الدولي ولا حتى من الأمم المتحدة. أما لعبة التصريحات المطاطة، فهي حاضرة هنا بقوة. وبالذات في ما يتعلق مرة أخرى بأن “ممثلي المجتمع الدولي الخمسة” يتحدثون عن عقوبات، ولكنهم في الوقت نفسه يرون أن “التسوية السياسية” أفضل من “الحل العسكري”. إذاً، فلماذا لا يتم إشراك الدول الكبرى الأخرى، ولماذا لا يجري الحديث مباشرة مع أطراف الأزمة الداخلية في سوريا، ولماذا لا يقوم “ممثلو المجتمع الدولي الخمسة” بإقناع أصدقائهم وحلفائهم بالالتزام بما يتم الاتفاق عليه؟

“ممثلو المجتمع الدولي الخمسة” لديهم تصريحات واضحة ومباشرة من حيث الحدة والعدوانية. فالإدارة الأمريكية اعترفت بأنها تبحث كل الوسائل، بما فيها العسكرية، لحل الأزمة السورية. واعترفت أيضا بأنها لا تستبعد فرض عقوبات على روسيا وسوريا، ولكن بالتنسيق مع الشركاء. فهل عثرت واشنطن على “شركاء” من أجل فرض عقوبات على روسيا، وعزلها كما قال جوش إرنست الناطق باسم البيت الأبيض؟ والغريب أن هؤلاء الدول الخمس تسمي نفسها “ممثلي المجتمع الدولي”، منتزعة بذلك أحد الحقوق الرئيسية للأمم المتحدة، ومتعدية على حقوق بقية الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن!

هناك جانب آخر من “تآمرات” الولايات المتحدة وشركائها “من ممثلي المجتمع الدولي”. فالناطق باسم الخارجية الفرنسي أشار إلى أن “هذا الاجتماع يعقد في الوقت الذي تعثّرت فيه المحادثات بين روسيا والولايات المتحدة حول سوريا، وفي الوقت الذي بدأت فيه الولايات المتحدة وأوروبا بتصعيد اللهجة ضد التدخل العسكري الروسي في سوريا”. بينما أكد المتحدث باسم الخارجية الألمانية أنه “لا يوجد أمل في الحد من العنف في سوريا دون تفاهمات واتفاقات روسية – أمريكية.. وهذا يعود إلى حقيقة أن هاتين الدولتين جنبا إلى جنب مع شركائهما في التحالف، ونظرا لتأثيرهما على شركائهما في التحالف، لا شك أنه لا غنى عنهما لحل المشكلة”.

هذه التصريحات الفرنسية – الألمانية المتزامنة تقريبا تشير إلى أن هناك ضغوطا أمريكية على الدول الأوروبية، ومحاولة إعطاء انطباع للمجتمع الدولي بأن هناك اتفاق بين واشنطن وشركائها، وأن هذه الدول الخمس تحديدا هي التي تمثل المجتمع الدولي. ولكن من جهة أخرى، تمثل تصريحات باريس وبرلين شكلا من أشكال “العنف الدبلوماسي” أو “العدوان الاقتصادي”، وكلها تؤدي إلى طريق التصعيد، وخاصة عندما يدور الحديث حول العقوبات، وحول “الشروط”.

فرنسا دعت على لسان مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة فرانسوا ديلاتر إلى معاقبة من قاموا بقصف مستشفيين في حلب مؤخرا، وشددت على أن جريمة القصف “تمت بشكل متعمد، وتمثل جريمة حرب”. وقال ديلاتر إن هذا الاستهداف “ليس الأول من نوعه ضد المستشفيات، إنها سلسلة طويلة من التفجيرات”. هذه التصريحات جاءت بعد ساعات قليلة من تأكيد وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت أمام اعضاء البرلمان الفرنسي أن “باريس تعتزم اقتراح إصدار قرار من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار في مدينة حلب التي تشهد هجمات مكثفة من قبل القوات السورية على مواقع المعارضة.. وأن الدول التي ستعارض استصدار القرار ستكون مشاركة في جرائم حرب”.

إن العبارة الأخيرة في حديث وزير الخارجية الفرنسي تمثل أعلى مراحل “الابتزاز” وتجلياته. إذ أنه وبشكل مسبق تماما، أنت محكوم عليك “بجرائم حرب” في حال إذا أبديت أي اعتراض أو انتقاد، أو رفض لما تطرحه باريس!

نقــلا عن :arabicrt.news  أشرف الصباغ

 

اترك تعليقاً