لماذا يمنعون ترجمة التوراة و يحذفون الآيـــات؟

…بيريز والسادات في حرب الجوارب والقفازات

لينا أبو بكر Oct 06, 2016

الحمد لله حمدا كثيرا أن السادات بَصَم بأصابع جواربه قبل قفازاته على معاهدة «كامب ديفيد»، التي نصبته فرعونا محنطا – لسياسة المعاهدات – على طريقة البرتغاليين، ونحمده تعالى لأننا في عصرنا هذا نحظى بنماذج الكترونية من جدنا «جحا»، الذي ينعم علينا بفقاعات تغرد ضمن السرب الساداتي دون استعداد ثقافي يقي الوعي العربي من الصدمة القومية الناجمة عن السقطات الأخلاقية والعشوائيات التويترية الفجة، التي تخلو من أي حس إنساني أو مخزون معرفي أو رؤية ثاقبة، فتروج للطامات الكبرى والبدع الفقاعية لتحرف الأمة عن الصواب وتفسد الذهنية الاستقصائية بذريعة الرحمة ببني اسرائيل، ضاربة بعرض الحائط الأمر الإلهي بخصخصة المعروف للأقربين من باب أولى!
إنه اضطهاد بالسلام واستبداد بالشفقة، واستهتار بالمقدسات وافتقار لإتقان اللعبة الألكترونية، وخبث في خوض غمار «التغريد» لتزيين الشرور وترويجها كفلسفة للخير، تماما كحال الدوقة الألمانية التي اعتادت أن تكرم ضيوفها فتسقبلهم وهي مستلقية في حوض استحمام !

مَكَبّات حفر الانهدام

ثقافة الاتفاقيات «السياسة أو التجارية» مع العدو لم تصنع نموذجا أسطوريا عبر التاريخ، فالذخيرة البطولية في الموروث الشعبي والسياقات الدرامية وحكايات «ألف ليلة وليلة» و«إلياذة هوميروس» و«نقش جلجامش» احتشدت بصور ملحمية غذت المخيال الشعبي وأثرت فولكلور الأمم التي أغواها المحاربون أكثر مما فعل الأنبياء، فهل تتوقع بعد هذا أن يمثل النموذج الساداتي مادة تربوية تتجسد فيها الروح القومية وشخصية الأمة وتُستخلص منها العبر والدروس المستفادة للنشء العربي؟
ألا يستحق السادات إذن أن نشكره لأنه اختار لنفسه مكانها ومكانتها التي تليق بها حين عرف قدر سياسته التي هي مرآة ذاته؟ لا يمكننا بعد هذا أن نتقبل التعازي بجحا الاسرائيلي، لأن جحا وحده من سيمشي في جنازتنا ويشيعنا إلى مثوانا الأخير حين نخطئ في التأويل أو نفقأ عين الكاميرا بالتكحيل !
أيها المشاهد، لا فرق بين الوشوم الأثرية والوشوم الألكترونية، لأن العار هو في علم البصمات !

الوثائقيات المحرمة

أجمل المقاطع التي بقيت من ذاكرة السلسلة الوثائقية «خمسون عاما من الحرب مع اسرائيل» المترجمة عن الإنكليزية والتي بثتها «أم بي سي» في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، هي حلقة النقاش التي أدارتها نيكول تنوري لتهشيم الذاكرة، حيث استبسل الضيوف في الدفاع عن زعمائهم العرب ونفي كل ما ورد في الفيلم الوثائقي، مما اضطر القناة لقص بعض المشاهد أو إرفاقها بمنشور جانبي صادر عن الجهات الرسمية كبيان دحض، وهو طبعا ما يخالف حقوق النسخة الأصلية مرتين، يا للهول !
السؤال هو: كيف يعترف الملك حسين مباشرة وأمام الكاميرا بأنه توجه بطائرته الخاصة إلى غولدا مائير في دولة الاحتلال ليحذرها من هجوم مصري – سوري مباغت، متحدثا بالإنكليزية، في الوقت ذاته، الذي يتلو فيه جورج قرداحي نص الترجمة الحرفية وبيان الديوان الملكي مرفق بجانب الشاشة لدحض الفضيحة؟
هل المشاهد دبلوم صنايع يا ترى؟ أم أن الملك كان وحده من يتقن الإنكليزية في ذلك الوقت؟ ربما لهذا تحملت «أم بي سي» وزر كل ما لحق بها من نقمة الحكومة الأردنية، ولكن !
هل تتوقف شجاعة الزعماء العرب أمام الإعلام الغربي على جبن المشاهد العربي؟ أم على براعة الترجمة كقناع وليس كأمانة !
الحقائق قبل ثورة التواصل الإجتماعي كانت من التابوهات المحرمة التي يمنع تداولها سوى بين طبقة النبلاء السياسيين وأصحاب الدم الأزرق، لكن مواقع التواصل أنزلتها من برجها العاجي وأخرجتها من استعلائيتها لتحولها إلى فضائح رخيصة، للتفريخ أو التفريغ لا يهم طالما أنه لا يكفي لإشعال عود ثقاب واحد ولا يخلف وراءه دخانا ولا رمادا يدل عليه !

خارج المدار

منشغلون نحن بحرب القفازات والجوارب، والبصمات والوشوم الألكترونية، بكامل عزلويتنا الطائفية، رغم انفتاحنا الفقاعي على الإنترنت، فحتى المظاهرة التي نظمها المحتجون الأردنيون ضد حذف الآيات القرآنية من المناهج وخرجت عن السياق الافتراضي إلى الشارع لم تأت أكلها سوى في التفريخ الالكتروني، الذي يتسلى بالغضب كمادة ترفيهية وليست تفاعلية بالمعنى الديناميكي للكلمة، وهو تحديدا ما يخرجنا من النطاق التفاعلي للكون، فلا نحن قبائل فضائية ولا مخلوقات آلية، ولم نعد حتى أبطالا من ورق ولا يمكنك أن تضمنا إلى فصيلة «الآفاتاريين» العرب في أكثر حالاتنا إبهارا !
حين تنشغل المنار بفتح ملف الثارات الطائفية وراء مقتل الحسين، لتثبت للعالم أن الفتنة الداعشية جذورها سنية، وحين يصفق الممانعون للاحتلال الروسي، بحجة التصدي لأحادية السيطرة، وتعديل موازين القوى ولا ترق قلوبهم لدم الملائكة في حلب، وحين تُنهك الجيوش العربية في اليمن والعراق وسوريا وليبيا، فلا يبقى منها جيش واحد يتصدى لفرق وكتائب إيرانية تعيث فسادا في كل جنوب، وحين تفغر أمريكا فاها لالتهام ثروات حلفائها ومضغ عروقهم بأنيابها الشرهة، وحين لا نشاهد ندوات الدكتور فاضل الربيعي على فضاءاتنا المتشظية كفتيلة عنقودية شائطة، فهذا يعني أن اسرائيل «سْغُرتية» وأن كل الجرائم في هذا العصر ناقصة إلا الجريمة الماغوطية الكاملة: أن يولد الإنسان عربيا!

بين الحذف والحظر

يكشف الدكتور فاضل الربيعي في ندواته على «اليوتيوب» عن حقائق تاريخية مصدرها الكتاب المقدس، «التوراة» التي تخلو من أي مواصفات مطابقة للقدس على اعتبارها أورشليم «القديمة»، لأنها أقرب إلى جبل بيت مقدش في اليمن مع مراعاة حداثة القدس كمدينة إسلامية، ظلمتها الترجمة الخاطئة للغة التوراة العبرية «السبئية والصنعانية» مما ساهم في تحريف التاريخ، بالإضافة إلى ثلاث موجات، أولها صراع بيزنطة مع الفرس واعتناقها دين القبائل العربية لتمارس دور الوصاية الدينية عليها، مكرسة للخرافات الدينية التي تحارب بها الفكر الوثني في بلاد فارس، ثم تكريس الأمويين لهذا الإرث التاريخي، الذي تلته الفترة الصهيونية وهجرة اليهود والمستوطنين الأوروبيين إلى فلسطين وعلماء الآثار والمستشرقين، وكله ساهم في هذا التعسف والتلفيق الجغرافي، كما سماه الربيعي، مستعينا بوثائق الهمداني التاريخية ومطابقا المواصفات الجغرافية واللغوية، فإن عدت لمواقع الاكتشافات التاريخية وعلم الآثار وكليات التاريخ في بعض الجامعات الأوروبية لأدركت ما يمارس على البحوث العلمية والتطبيقية من حصار صهيوني يعززه حظر اسرائيلي للمسح الفضائي لليمن لتدرك الفرق بين أن تكون يهوديا وأن تكون اسرائيليا، ترافق كل هذا تسريبات خطيرة لنشطاء يمنيين عن إلهاء العرب بالاحتراب الطائفي في اليمن لنشر العقيدة البهائية، التي ظهرت في القرن التاسع عشر في إيران ويتخذ أتباعها من اسرائيل قبلة لهم، فهل تبقّى للسؤال ما يستدعي استنكار الغفلة أكثر من الاستفهام عنها؟ أم أنه لا داعي لأي داع لأنها هزلت !

كاتبة فلسطينية تقيم في لندن

اترك تعليقاً