موريتانيا: ولد صلاحي يعود بعد أكثر من سبعة ملايين دقيقة في غوانتنامو الغضب ينصب على من سلمه للولايات المتحدة: ولد الطايع وحكومة الأردن

ا غطت عودة المهندس محمدو ولد صلاحي آخر سجين موريتاني في معتقل غوانتانامو سيئ الصيت أمس على كل شيء في موريتانيا، فقد انشغل الموريتانيون بها عن متابعة الحوار السياسي وعن الجدل المشتعل حول مدد الرئاسة.
وأدرج المبحرون على شبكات التواصل صور ولد صلاحي في صفحاتهم وتبادلوا التهاني بتحريره وعودته، وصب الجميع جامات الغضب على حكومة ولد الطائع وحكومة الأردن لكونهما الجهتين المسؤولتين عن تسليمه للأمريكان.
ودخل ولد صلاحي بعد مغرب ليلة الثلاثاء منزل أهله في حي بوحديده الشعبي الواقع بالناحية الشرقية من العاصمة نواكشوط ليعانقه إخوته وأخواته، لكنه لم يحظ بمعانقة أمه مريم منت الوديعة التي توفيت مستهل عام 2013.
وتواصلت لحد ظهر أمس ازدحامات المهنئين أمام منزل ولد صلاحي الذي وصل إلى نواكشوط مساء الإثنين على متن طائرة عسكرية أمريكية سلمه طاقمها لموظفين من الأمن الموريتاني.
ويعتبر محمدو ولد صلاحي آخر معتقل موريتاني بغوانتانامو، إذ سبق لواشنطن أن أفرجت عن معتقلين موريتانيين آخرين، هما محمد الأمين ولد سيدي محمد الملقب بسيد آمين الذي أفرج عنه عام 2007، وأحمد ولد عبد العزيز عام 2015.
وتنازعت صحافة الموالاة وصحافة المعارضة ومدونو الطرفين، الفضل في إطلاق سراح ولد صلاحي، حيث اعتبره الموالون إنجازاً من إنجازات الرئيس فيما اعتبره المعارضون إنجازاً حققه نشطاء حقوق الإنسان والمحامون وعموم الشعب الموريتاني.
ونقلت وكالة الأنباء الرسمية عن ولد صلاحي تصريحاً «شكر فيه الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز والحكومة والشعب الموريتاني بجميع فعالياته، على ما بذلوه من جهود مكنت أخيراً من إطلاق سراحه من سجن غوانتانامو».
وهنأ المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان في بيان له أمس «الشعب الموريتاني باستعادة ولد صلاحي لحريته، وتمكنه من العودة لبلاده، بعد أن عانى، لمدة خمس عشرة سنة تشكل ثلث عمر المعتقل الشاب، من شتى صنوف الإهانة والظلم والتعذيب».
وأضاف «لا شك أن موريتانيا فخورة بمهندسها الشاب الذي ثبت بشموخ أمام التهم الظالمة وصمد في وجه التعذيب متشبثاً بالبراءة الأصلية، وموقناً بأن التاريخ وقيم الرفض والإباء ستشكل أساساً لتحريره من ظلم فاضح ناله حتى من الأقربين من بني وطنه، بعد أن سلموه لعدو فتح عليه صنوفاً من التعذيب والتنكيل لا تصدق؛ سطر تفاصيلها في مذكراته التاريخية، التي تشكل حتى الآن أهم وثيقة عالمية خرجت من أروقة تلك القلعة الاستثنائية وتوثق جحيمها الرهيب».
«إنها مناسبة، يضيف المرصد، ستشكل ذكرى جميلة واحتفالاً تاريخياً بنيل المظلوم لحقوقه الكاملة ولو بعد حين، فاليوم نتذوق طعماً جديداً مكتملاً لحرية سيدامين قبل حوالي عشر سنوات، وأحمد ولد عبد العزيز قبل سنة تقريباً، وقد ذاق من هول هذه التجربة ما ذاقه».
وتابع «إن أهم درس تذكر به هذه العودة هو استرخاص الحاكم وتهاونه أو تلاعبه بحق المحكوم والتصرف فيه بما يناقض المسؤولية وينافي العدالة، لن ينسى التاريخ ما سجله محمدو في مذكراته من عفو عن كل من أساء إليه وإعلانه أنه لن يتابع أحدا ممن تسببوا له في الأذى، لكن العدالة الكاملة تتطلب من الإدعاء العام التقدم باسم محمدو وباسم كل الموريتانيين بدعوى لإنصاف الرجل، تحاسب الجناة وتحول دون تكرار هذه المأساة في حق أي شخص آخر».
وأكد المرصد «أن معاناة ولد صلاحي بدأت عندما نقله المفوض دداهي ولد عبد الله إلى مطار نواكشوط، في ملف يبدو أنه تولى هو وولد الطايع وعلي ولد محمد فال إدارته، ليسلمه سنة 2001 في شهر رمضان وفي يوم «عيد الاستقلال» إلى طائرة صغيرة تابعة للمخابرات الأردنية، بعد أن أفطر من صيام يومه الشاق بقليل، قبل أن يُكبل ويُدخل رأسه في كيس أسود، سواد قلوب من سلموه إلى العذاب المهين بكل تلك الوقاحة».
«ومع أن دداهي ولد عبد الله، يضيف المرصد، أقنع ولد صلاحي بأن التحقيق معه في الأردن سيكون لمدة يومين وأنه سيكون في بيته يوم السبت الموالي (حيث قام بتسليمه مساء الثلاثاء)، فقد استمرت فترة السجن والتحقيق في الأردن ثمانية أشهر، لينقل بعدها إلى قاعدة باغرام في أفغانستان، ثم ليصل في مطلع آب/أغسطس 2002 إلى جحيم غوانتانامو، في رحلة من العذاب والقهر والظلم «لا تصدق»، كما وصفها محرر كتاب «يوميات غوانتانامو» ليري سيمس».
وخلص المرصد إلى تأكيد «أن نظام ولد الطايع يبقى المسؤول الأول عما تعرض له المواطن ولد صلاحي وأسرته، وتشاركه الأنظمة اللاحقة أخلاقيا في جزء من ذلك، فبدل التحقيق في هذا الملف بجدية تمت ترقية بعض المسؤولين عن الجريمة والتستر عليهم».
‎وقدم المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان الشكر لجهات وشخصيات وطنية ودولية متعددة، آمنت ببراءة محمدو ولد صلّاحي، رغم كل الدعاية المضادة والتحديات، ومن هذه الجهات السفارة الموريتانية في لندن ممثلة في القائم بالأعمال محمد يحي ولد سيدي هيبه، والعقيد السابق في الجيش الأمريكي موريس دافيس رئيس الادعـــــاء الســـابق في غونتانامو الذي طالب فيها بإطلاق سراح ولد صلاحي، ونائب رئيس مجلس النواب الموريتاني محمد غلام ولد الحاج الشيخ، ورئيس فريق الإصلاح والتغيير في مجلس الشيوخ عمر الفتح سيد عبد القادر، ومنتدى العلماء والأئمة الموريتانيين.
وكان ولد صلاحي قد سطر معاناته في كتابه «يوميات غوانتانامو»، واصفاً فيه حياته قبل مغادرته بيته، في 28 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2001، واختفائه في سجن أمريكي، ومن ثم «رحلته اللانهائية حول العالم» سجناً وتحقيقاً، وأخيراً حياته اليومية كسجين في غوانتانامو.
ولأن ولد صلاحي لم يكن شاهداً صامتاً على معاناته بل كان شاهداً يكتب ويستعيد قصته، فقد سجل ما جرى له في مخطوطة جاءت في 466 صفحة قبل عقد من الزمان، ولم تر النور إلا بعد كفاح طويل خاضه محاموه لينشروا المخطوطة كاملة بدون حذف، ونتيجة هذه الرحلة مزيج من الغضب الذي يعتري القارئ ولكنها رغم قتامة التجربة وسوريالية السجن الأمريكي تحتوي على قدر من الفرح والأمل.
وكتب صلاحي «يوميات غوانتانامو» باللغة الإنكليزية وهي لغته الرابعة والتي أتقنها من خلال استماعه للحرس في سجنه. ومعرفة اللغة شيء، لكن الكتابة والموهبة شيء آخر، فهو كاتب موهوب وبالفطرة، ويتميز كتابه بالدفء والسخرية وبحس من المرح.
وتميزت يومياته بتقديمها وصفاً لبرنامج التعذيب الذي تعرض له ولد صلاحي، فقد عاش حالة من الخوف الدائم، الحرمان من النوم، الانتهاك الجنسي، الضرب والتهديدات باغتصاب والدته، ومع ذلك فسردية الكاتب للعنف الذي تعرض له ظلت هادئة ومنضبطة فهو يقول «لا شيء يثير الخوف أكثر من جعل شخص يتوقع ضربة مع كل نبضة ينبض بها قلبه».
وولد صلاحي في مدينة موريتانية صغيرة عام 1970، حصل على منحة دراسية في جامعة ألمانية، تخرّج وعمل هناك مهندساً سنوات عدة. عاد إلى بلده موريتانيا عام 2000.
وفي العام التالي من عودته اعتقلته السلطات الموريتانية بطلب من الولايات المتحدة وسلّمته إلى الأردن سجيناً، ومن هناك تم تسليمه إلى القاعدة الجوية الأمريكية في باغرام في أفغانستان.
وفي 5 آب/أغسطس 2005 نُقل إلى سجن الولايات المتحدة في خليج غوانتانامو بكوبا، حيث تعرّض إلى تعذيب شديد.
وفي عام 2010 أصدر قاضٍ من المحكمة الفدرالية قراراً يقضي بإطلاق سراحه فوراً، ولكن الحكومة الأمريكية استأنفت ذاك القرار، بدون أن توجِه إليه أي تهمة ليتواصل سجنه حتى يوم أمس الأول الاثنين حيث وصل إلى نواكشوط ليعود إلى أهله وذويه بعد سجن مرير دام أكثر من سبعة آلاف وسبعمئة ألف دقيقة.

نقلا عن القدس العربي: من عبد الله مولود:

اترك تعليقاً