بطون الجياع أولى / عبد الله محمد الحسن أمانة الله

جميل أن تعمل الحكومة على تحسين الوجه الحضاري للدولة، وأن تسعى إلى لفت الانتباه من خلال استضافة كبار المسؤولين الدوليين، فضلا عن الاجتماعات الوازنة والقمم الدولية الكبيرة، ومما يذكر فيشكر أن تقوم الدولة بمساعي كبرى لفض نزاعات دولية..، والتدخل في القضايا العالمية الكبرى..، وأن تحضر الدولة المحافل الدولية ترسيخا لمكانتها وتعزيزا لدورها المحوري على مختلف الأصعدة..
كما يذكر ويشكر السعي لتحسين الوجه الحضاري للمدن والعمل على عصرنتها وجعلها بمستوا لائق يسمح بمزيد من الاحترام والتقدير من طرف المقيمين فضلا عن الوافدين الجديد..، وإن كانت معايير الجودة والإتقان أولى. مع مراعاة التكاليف لنوع المشاريع.. وأن يكون الكيف أولى من الكم…
لكن من هي الدولة وما هي طريقة تفكيرها وكيف تكون أولوياتها وتوجهاتها وسياساتها إذا كانت بطون الجياع تزمهر وتملأ الأرجاء بالهزيز معلنة عن فقر مدقع وجهل عم الحاضرة والبادية ومرض لم تسلم منه حتى المواشي.. وثقافات وافدة تخترق مجتمع غير محصن.. وأمن يحتاج إلى الاستتباب..
ومرضى يئنون على الأسرة بلا عناية لأن الطبيب انصرف للبحث عن لقمة العيش..، ومرافق المريض انصرف لبحث لم يحدد بعد أولوياته هل يبحث عن ناموسية أم عن الطعام والشراب أم عن الدواء أم عن مساعدة للطبيب أو البواب أو تعويضات للمستشفى..
أما حال ساكنة الأحياء الشعبية فبطون الجياع تزمهر مؤذنة بخطر عظيم..، وهي أولى بالاهتمام ولفت الانتباه من المواشي.. ومن الطرق.. والمؤتمرات..، وغير ذلك من المتاهات التي تستغل ليمضي الوقت، وتسجل كأرقام من الانجازات وهي في الحقيقة لا تعني شيئا لمواطن تعطل عن العمل “إن وجد” بسبب السكن أمام مكاتب الحالة المدنية لإعداد أوراق أطفال لا يعرف أخوف ما يخاف عليهم الجوع أم الجهل.. وقد يتيه وهو يفكر في الأسعار التي تعانق السماء فيتوضأ ويصلي لكي لا يصاب بالجنون..
ألم يذكر المتحاورون خلال الأيام الماضية في قصر المؤتمرات بانواكشوط غلاء أسعار المواد الغذائية الضرورية ومشاكل التعليم والصحة وموت طفل في الترحيل حدثتني أمه أن سبب وفاته محض الجوع..!
ألم يذكروا حالة محمد الذي يعاني من مشاكل صحية يستعصى عليه علاجها وهو يقيم في بيت متواضع للغاية مؤجر يعجز عن تسديد إيجاره كما يعجز عن لقمة العيش ليومه ويكاد يهلك..!
ألا يعرفون زينب العجوز التي تقطن في الفلوجة “انواكشوط” لوحدها وتبيت الليالي ولم تفكر حتى في أن توقد في كوخها المتهالك نار..؟
ألم يزوروا المراكز الصحية بما فيها مركز الاستطباب الوطني “المستشفى الرئيس في البلد” ألم يقوموا بزيارة للمدارس من الابتدائية وحتى الثانوية على عموم التراب الوطني ومالجامعة ونقل الطلاب إلا أحد الشهود..؟!
ألم يلتقوا ببعض الشباب وحملة الشهادات العاطلين أو المفصولين دون حقوق..؟! أم يلتقوا الفقراء والمعوقين والمرضى العاجزين..؟!
أعرف أنني لن أستطيع الإحاطة بالموضوع لتشعبه وكثرته ولن أستطيع أن أخفي الحرقة التي تنتابني لما أرى من دموع أمهات الأيتام.. وأوضاع المرضى.. وحال الفقراء…  لكنني اعرف أن بطون الجياع أولى، وأن عجز الناس عن قوت يومهم نذير خطر عظيم..
ولنكون عمليين نقترح إعفاء المواد الغذائية ومواد البناء من الضرائب ودعمها ولو كان ذلك على حساب المبيعات والمستوردات الأخرى.. كالسجائر وغيرها من المبيعات غير الضرورية أو المتعلقة بحياة الناس اليومية.. فقد بلغ السيل الزبى وعجز الناس عن لقمة العيش..

اترك تعليقاً