هكذا يكون الشعب….

قد يفقد المرء حياته إذا ما توقفت أنفاسه لفترة لا تتجاوز الدقيقتين أو الثلاث. إلا أنه في يوم و ليلة 16 يوليو توقفت أنفاس العالم الحر بأسره حينما تناقلت وسائل الإعلام حدث الانقلاب العسكري في تركيا. و لم تلتقط الشعوب الحرة أنفاسها إلا فجر 17 حين ظهر الرئيس رجب طيب أردوغان وسط حشود من أنصار الديمقراطية و الكرامة الإنسانية ليعلن إحباط عملية الانقلاب و القبض علي شرذمة المارقين علي خيار الشعب التركي.

خرج الشعب التركي العظيم إلي الشوارع، إلي المطارات ، إلي الساحات و الأزقة ليزف رفضه القاطع لعهود الانقلابات و ليثبت للعالم أن تركيا بلغت درجة من الوعي الديمقراطي و الرقي المدني و رسوخ الحرية و الكرامة ما لا يمكن لعجلة التاريخ أن تسيره  إلي الوراء فتنسف أسسا و قيما عجز الغرب و مدنيته عن بلوغها.شعب أثبت للعالم و للأمانة التاريخية أن إرادة الشعوب  لا تقهر و لا تتقهقر أمام جحافل القوة العسكرية. شعب علم العالم أن الحكم مصدره الشعب إذا ما أراد هذا الشعب الحياة السعيدة.

أجل، أبهر الشعب التركي بمختلف ألوانه ، العالم حين خرج عفويا ليدافع لا عن الحاكم بل عن كرامته ووجدانه. فكان حقا شعبا أقل ما يقال فيه أنه أعز شعب و أشهم شعب , أكثر شعوب المعمورة صونا لذاته البشرية و لكرامته الآدمية ( و لقد كرمنا بني آدم)الآية. أبهرنا الشعب التركي في بلد لم تكن موالاة حكومتة إنتهازية و لم تكن معارضته لتتشفى علي من غلبها في العراك السياسي و لم يكن برلمانه رعاة يميلون مع  القطعان أينما تيممت.

يقول ليو تولستوي: اكتشف نفسك فما أروع القول: لا يوجد إنسان ضعيف بل يوجد إنسان يجهل موطن قوته. و بالفعل اكتشف  الأتراك أنسفهم فباهوا بها العالم. و عرف الأتراك موطن قوتهم ليعلموا للشعوب المنبطحة تحت عبء الذل و الاضطهاد و الاستبداد أن  إرادة الشعوب أقوى من الدبابات و من الترسانات النووية و من خبث الكائدين و خيانة الخائنين. فهل تتعلم شعوبنا العربية الدرس، و هل تنفض عن جبينها غبار التسليم و السفولية. ليت مواطنو البلدان العربية  كانوا كلهم من أصول تركية أو علي الأقل درسوا و درّسوا المثال التركي في منظوماتهم التربوية.

 

اترك تعليقاً