التعديلات الدستورية : أسئلة ينبغي الإجابة عليها

تثير التعديلات الدستورية المعروضة هذه الأيام على البرلمان الموريتاني جدلا قانونيا وسياسيا كبيرا ، وأعتقد شخصيا أن سبب هذا الجدل هو جهلنا بالدستور نفسه وعدم وضوح الرؤية حول مسألة تعديله سواء بالنسبة للقانونيين أو الساسة . ولهذا سأحاول في الأسطر التالية الإجابة على بعض التساؤلات العالقة في أذهان

البعض.
السؤال الأول : هل تعديل الدستور قضية شرعية أم لا؟
من حيث المبدأ مسألة تعديل الدستور قضية شرعية لا غبار عليها ، حيث تم إقرارها في الباب الحادي عشر من دستور 91 وتعديلاته اللاحقة (باب : مراجعة الدستور، المواد من 99 إلى 101 ).
السؤال الثاني : من يحق له اقتراح تعديل الدستور وما هي القيود على ذلك ؟
حددت المادة 99 من الدستور الموريتاني في فقرتها الأولى جهتين يحق لهما التقدم بمشروع مراجعة الدستور ، وهاتان الجهتان هما : رئيس الجمهورية والبرلمان ، بالنسبة للبرلمان لا يجوز له طرح مشروع مراجعة الدستور إلا بموافقة ثلث أعضائه على ذلك . وبالنسبة للرئيس لا يوجد شرط يقيد قراراه القاضي باقتراح تعديل الدستور سوى مضمون تلك التعديلات .
في الوقت الراهن تتحجج المعارضة الموريتانية بغياب الإجماع الوطني على التعديلات الدستورية المطروحة حاليا على البرلمان ، ولكن هل هذا الاحتجاج مبرر دستوريا ؟  أكدت المادة 99 من الدستور في فقرتها الثالثة أن موانع تعديل الدستور تنحصر في مضمون التعديلات فقط وهي أنه (لا يجوز الشروع في أي إجراء يرمى إلى مراجعة الدستور، إذا كان يطعن في كيان الدولة أو ينال من حوزة أراضيها أو من الصبغة الجمهورية للمؤسسات أو من الطابع التعددي للديمقراطية الموريتانية أو من مبدأ التناوب الديمقراطي على السلطة والمبدأ الملازم له الذي يحدد مدة ولاية رئيس الجمهورية بخمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة).
وإذا نظرنا الى نص التعديلات المعروضة على البرلمان حاليا لا نجد اي منها يمكن ادراجه تحت اي من البنود الواردة في النص السابق . وهذا يعني أن احتجاج المعارضة بغياب اجماع النخبة السياسية على التعديلات لا مبرر له ، لأن حصول إجماع النخبة السياسية أو توافقها على تعديل الدستور ليس ضمن القيود الواردة في النص أعلاه  .
السؤال الرابع : من يحق له المصادقة على الدستور، أو بالأحرى ما هي الجهة التي يجب أن تعرض عليها التعديلات الدستورية للمصادقة عليه ؟
يمكن اعتبار الدستور من القضايا التي تختص بها الشعوب في الأساس ، فالأصل ان يقدم الدستور وتعديلاته الى الشعب للاستفتاء عليه ، وهذا أيضا ما استقر عليه الدستور الموريتاني منذ صدروه عام 1991 ، فمن حق الرئيس ومن حق البرلمان ايضا ان يطرحا التعديلات على الشعب مباشرة لأنه مصدر التشريعات والدستور هو ابو التشريعات . ولكن الدستور الموريتاني أعطى للرئيس الحق في عرض التعديلات على غرفتي البرلمان للمصادقة عليها ، وفي هذه الحالة يلزم حصولها على موافقة ثلاث اخماس الاصوات المعبر عنها في الجلسة المشتركة للغرفتين. كما تنص المادة 101 . ولكن هذه المادة نفسها وضعت قيدا على رئيس الجمهورية وهو / انه في حالة ما إذا تقدم بمشروع تعديل الدستور إلى البرلمان فليس من حقه أن يعرضه بعد ذلك على الاستفتاء الشعبي إذا رفض البرلمان التعديلات.
أما ما يتعلق بمشروع التعديل المقدم من البرلمان فإن المصادقة عليه تحتاج إلى موافقة ثلثي مجلس الشيوخ وثلثي مجلس النواب حتى يتسنى عرضه للاستفتاء كما تنص الفقرة الثانية من المادة 99 .
ونتيجة لعدم وجود نص صريح يؤكد أحقية الرئيس في عرض مشروع التعديل على الاستفتاء الشعبي ، بدأت الأغلبية الرئاسية تتحجج بالمادة 38 التي تنص على أن (لرئيس الجمهورية أن يستشير الشعب عن طريق الاستفتاء في كل قضية ذات أهمية وطنية). في الحقيقة هذه المادة غير معنية بمراجعة الدستور لأنها لا تقع تحت الباب الحادي عشر . ولكن الأغلبية ليست بحاجة لتبرير ذلك لأن المادة 101 تؤكد على أولوية عرض التعديلات على الاستفتاء الشعبي من طرف الرئيس قبل عرضها على البرلمان. والأهم هو من ذلك هو ارتباط شرعية الدستور بإرادة الشعب المنبثقة عن الاستفتاء.
ما هو الخلل في إجراءات تعديل الدستور الجارية حاليا في موريتانيا ؟
من الواضح أن هناك خللا واحدا في هذه الإجراءات وهو أن الحكومة الموريتانية هي الجهة التي قامت بتقديم مشروع تعديل الدستور الى البرلمان، في صيغة قانون (القانون رقم 117/17)  بناء على نتائج الحوار الوطني . وهذا خطأ فادح لأنه كما اوضحنا سابقا لا يجوز اقتراح مشروع مراجعة الدستور الا من طرف رئيس الجمهورية او البرلمان ، فإذا كان من طرف رئيس الجمهورية فهو يتطلب اصدار مرسوم رئاسي واضح ترفق به التعديلات المقترحة ويوجهه الرئيس إما للاستفتاء الشعبي او البرلمان  ، وهو ما لم يحدث .
واستنادا لنص الدستور واحتراما له ينبغي إيقاف جلسة البرلمان الثلاثاء القادم 7 مارس 2017 م . حتى تعاد الإجراءات بطريقة دستورية صحيحة . إما بإصدار مرسوم رئاسي ينص على مشروع التعديل وإحالته للاستفتاء أو إحالته البرلمان . وإما أن تنعقد جلسة برلمانية طارئة للنظر في إمكانية مراجعة الدستور يصدر عنها قرار  بذلك شريطة موافقة ثلث الأعضاء ، ثم يعقد البرلمان جلسة جديدة للمصادقة على التعديلات مع إلزامية حصولها على موافقة ثلثي مجلس النواب وثلثي مجلس الشيوخ ، كل على حدة حتى يتسنى تقديمها للاستفتاء الشعبي.

الحسن حرمة

اترك تعليقاً