بعد أن ديس عليه عدة مرات، وسط تصفيقات شعب جاهل ومجوع، فقد دستورنا كامل أهميته، وخاصة شرعيته. فقد أصبح، مع مرور الوقت، حكرا بأيدي ضباط غاصبين يعتبرونه مجرد مذكرة عمل يمكنهم تغييرها حسب مزاجهم ومصالحهم الأنانية.
في يوم 10 يوليو 1978 استولت اللجنة لعسكرية للإنقاذ الوطني على السلطة بالقوة وحلت دستورنا، منهية بذلك الجمهورية الأولى : جمهورية البناة المؤسسين. وبعد 13 عاما، أي في يوم 30 يوليو 1991؛ وتحت ضغط دولي شديد، منحتنا اللجنة العسكرية للخلاص الوطني دستورا جديدا، مشوبا بالغش؛ ومن الممكن القول إنه مشوب بالدماء، تم التصويت عليه في ظروف تتجاهل معاناة ما يزيد على ثلث شعبنا ممن فقدوا البوصلة جراء التهجير القسري، والإبادة، وحتى الإلغاء. هذا الدستور المنتهك تم تعليق العمل به من قبل المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية بعد أربعة عشر عاما، أي يوم 3 أغسطس 2005، قبل أن يتم تعديله سنة 2006 وفق نفس الإجراءات..
وفي 8 أغسطس 2008 استولى المجلس الأعلى للدولة على السلطة عن طريق القوة، فجمد الدستور وتبنى ميثاقا منح نفسه بموجبه السلطة التنفيذية وحدها مبقيا على البرلمان المتواطئ والمشارك في المؤامرة.
أعاد المجلس الأعلى للدولة/عهد جديد، العمل بهذا الدستور المخترق دائما، في يوليو 2009 قبل أن يتم تعديله هو الآخر سنة 2012 بتزكية من برلمان غير شرعي ما يزال شريكا دائما للنظام المغتصب للسلطة.
اليوم، يبدو أن جنرال الفيلق؛ رئيس المجلس الأعلى للدولة / عهد جديد، يخطط لمؤامرة جديدة ضد الدستور عبر مسعاه الهادف إلى إجراء تعديلات عليه من شأنها إبقاؤه في السلطة بشكل دائم، ضمن جمهورية ثالثة : جمهورية التزوير واستخدام المزور.
وفي مسعاهم الخارج على القانون، يجد العسكريون المغتصبون للسلطة التأطير والمساندة من قانونيين متآمرين، تم اختيارهم بعناية، وهم متخصصون في الجراحة الدستورية.. هؤلاء الانقلابين المدنيون يعكفون في الوقت الحالي على حقننا بمحاليل من أجل تبرير تعديلات بلا فائدة وغير مناسبة على هذا الدستور المخترق، وذلك لإرضاء رئيس الدولة فقط وجني منافع شخصية.
أمثلة على الخرق السافر وعدم احترام الدستور
رفض الطابع الإسلامي للدولة
تنص المادة الأولى من الدستور على أن “موريتانيا جمهورية إسلامية” والمادة الخامسة على أن “الإسلام دين الدولة والشعب”، بينما الزكاة التي هي الركن الثالث من أركان الإسلام (على سبيل المثال لا الحصر)، وعماد الاقتصاد الإسلامي لمحاربة الفقر؛ والتي هي من المسؤولية الكاملة لرئيس الدولة لم تطلبها الدولة قط وقليلون جدا هم من يؤدونها حق أدائها. كذلك، ما تزال جميع الأحكام القضائية الصادرة طبقا للشريعة الإسلامية، معلقة منذ اثنين وثلاثين عاما لإرضاء الغرب. كما أن قانون العفو 93-23 الصادر 14 يونيو سنة 1993 من طرف السلطة الغاصبة، هو بلا أساس شرعي و يمنع آلاف المواطنين من حقوقهم الأساسية.
غياب المساواة أمام القانون
تنص الفقرة 2 من المادة الأولى على ما يلي: “تضمن الجمهورية لكافة المواطنين، دون تمييز في الأصل أو العرق أو الجنس أو الحالة الاجتماعية، المساواة أمام القانون”. فيما نجل جنرال الفيلق ، الذي أطلق النار عمدا وبشكل مباشر على فتاة صغيرة، مسببا لها الشلل مدى الحياة، تمت معاملته بكل التقدير اللائق بأبناء الطبقات العليا. فقد تم حجزه نظريا داخل غرفة مكيفة مع جهاز تلفزيون، يستقبل الزوار والشخصيات السامية جدا. وقد تنقل وكيل الجمهورية لكي يستجوبه بكثير من المحاباة، في مكتب المفوض قبل أن يتم إخلاء سبيله إثر صلح إجباري مع والد الضحية، و هي شخصيه ناضجة و يبد و أنها مازالت تطالب بالعدالة.
هذا في الوقت الذي يتم فيه تعذيب وإهانة الكثير من المواطنين بشكل منتظم من طرف الشرطة والقضاء، ويقبعون في السجون دون محاكمة لأنهم بكل ببساطة ينتمون لطبقة المستضعفين، وفي الوقت الذي يدان فيه ناشط شاب بالسجن النافذ 3 سنوات بتهمة رمي وزير بحذائه دون أن يصيبه في احتجاج رمزي، وفي الوقت الذي يدان فيه نشطاء من حركة “إيرا” بالسجن النافذ لمدة 15 سنة؛ في إجراء يتعلق بتهمة التلبس بالجرم علما بأنهم لم يطئوا قط مواقع المخالفة.
وفي الوقت الذي ما يزال فيه قتلة العقيد قائد أركان الجيش، الذي قتل في مكتبه صبيحة يوم 9 يونيو 2003 في حدود الساعة العاشرة، طلقاء رغم أنه تم تحديد هوياتهم تماما من طرف جنرال الفيلق شخصيا، الذي كان على علم بكل مجريات التحقيق وسبق له أن قال في تصريح تلفزيوني إن قذيفة دبابة بقطر 1000 مم أصابت مكتب المعني وأن قتلته معروفون تماما، ومع ذلك يصر على منع العدالة من أن تأخذ مجراها الطبيعي رغم الاعترافات الأخيرة من بعض الانقلابيين، وضرورة إحقاق العدالة كما يطالب بذلك ذوو الدم من اليوم الأول.
وفي الوقت الذي ما يزال فيه النقيب خازن الحرس الوطن ينتظر منذ 19 شهرا أن تطال العدالة الفاعل الرئيسي في اختلاس عدة مليارات، والذي ما يزال يتعمد جنرال الفيلق منع العدالة من أخذ مجراها الطبيعي.
تنص الفقرة 3 من المادة الأولى على أن “أي دعاية خاصة ذات طابع عرقي أو إثني تعاقب من طرف القانون” بينما تم الترخيص علنا لميثاق الحراطين الذيي يكرس تقسيم مجموعة “البيظان”، العرب ـ الآفرو ـ بربر، ويتم منع ذلك لميثاق حركة “افلام”، و الذي هو تقريبا نسخة طبق الأصل، عبر شيطنة القائمين عليه ورميهم في السجون كمرضى بالطاعون.
عدم الانصياع للقانون
تنص المادة 4 على أن “القانون هو التعبير الأسمى لإرادة الشعب والجميع ملزمون بالخضوع له”، بينما يتم التلاعب بالمادة 2 من القانون 054/2007 بتاريخ 18/09/2007، المتعلق بالشفافية المالية في الحياة السياسية، من قبل رئيس الدولة نفسه. وتنص هذه المادة على أن يقوم رئيس الجمهورية، بعد تنصيبه وعند نهاية مأموريته، بالتصريح بممتلكاته وممتلكات أطفاله غير البالغين، ويتم الإعلان عن كلا التصريحين رسميا”.
يرفض فخامة جنرال الفيلق ، لأسباب شخصية، أداء واجبه القانوني. وقد ادعى في خرجة تلفزيونية أن رئيس المحكمة العليا، الذي كان قد عينه في ظروف مريبة، أوضح له أن التصريح بالممتلكات غير إجباري. ولم تصدر أية ردة فعل لا من رئيس المحكمة العليا الذي يفترض أن يكون مستقلا ولا من رئيس المجلس الدستوري، لسان سيده، والذي يجب أن يسهر على قانونية انتخاب الرئيس.
يرفض جنرال الفيلق أيضا الخضوع لقانون الحالة المدنية الذي أنشأه بنفسه لأسباب لا يعلمها أحد. فوالده يحمل في بطاقة هويته اسم عبد العزيز أحمد اعليه، بينما يحمل هو في بطاقته إسم: محمد عبد العزيز ولد عبد العزيز.. في محل محمد عبد العزيز اعليه .بلغة القانون هذا يسمى التزوير واستخدام المزور. وهي جنحة منصوص عليها ومعاقبة في المادة 150 من الأمر القانوني رقم 162 -83 بتاريخ 9 يوليو 1983 المتضمن للمدونة الجنائية. وحين يخرق رئيس الدولة شخصيا القانون فلا أحد سيحترمه.
تنص المادة 7 على أن “عاصمة الدولة هي نواكشوط” بينما تم تقطيع أوصال هذه المدينة إلى نواكشوط الشمالية ونواكشوط الغربية ونواكشوط الجنوبية، فأي من مدن نواكشوط الثلاث هذه هي عاصمتنا؟ بالنسبة جنرال الفيلق عاصمتنا هي نواكشوط الغربية حيث يقيم؛ إذ سمح لواليها وحده باستقبال قادة الدولة في مطار نواكشوط القديم التابع إداريا وترابيا لولاية نواكشوط الشمالية. كما ألحق مطار المختار ولد داداه المستقبلي بولاية نواكشوط الغربية مع أنه أقرب بكثير لولاية نواكشوط الشمالية.
لقد تم تقطيع أوصال عاصمتنا بناء على اقتراح من المهندس الوزير الأول لجعلها، فيما يبدو، أنظف والذي قسمها بالمرسوم رقم 182/2014 بتاريخ 2 ديسمبر 2014 بدلا من زيادة عدد المقاطعات دون أن يجرؤ على المساس بالمجموعة الحضرية، فأنشأ ثلاث ولايات في تناقض صارخ مع المادة 57 من الدستور التي تنص على أن “النظام الانتخابي والتقطيع الترابي في البلد من اختصاص القانون”.
تنص المادة 13 على أنه “لا يمكن متابعة أحد أو توقيفه أو استجوابه أو معاقبته إلا في الحالات التي يحددها القانون وحسب الأشكال التي ينص عليها”.
وتنص المادة 19 على أنه “لا يمكن اعتقال أحد بشكل تعسفي”، وتضمن السلطة القضائية التي تحمي الحرية الفردية احترام هذا المبدإ ضمن الشروط الواردة في القانون”؛ بينما يعتقل المدير الجهوي لشركة سونمكس بروصو لدى مباني الشرطة منذ أربعة أشهر، خارج أي إجراء إداري أو قضائي، قانوني أو تشريعي، وطبقا لإرادة جنرال الفيلق فقط، بينما يتمتع بنو عمومته المسؤولين بشكل مباشر عن ذلك الاختلاس الضخم حسب تقارير المفتشين بالحرية التامة.
تنص الفقرة 5 من المادة 15 على أنه “لا تنزع الملكية إلا عند ما يتطلب الصالح العام ذلك وبعد التعويض العادل والمسبق”. ومع ذلك تم انتزاع أراضي من مواطنين يملكون رخص حيازة وتنازلات ريفية وأحيانا سندات عقارية مكتملة الشروط القانونية، في منطقة الضفة وفي نواكشوط وغيرهما دون تعويض، وأحيانا بدافع المصلحة الخاصة لجنرال الفيلق. تنص المادة 2 على أنه “لا يمكن إبعاد أي أحد إلا بموجب قوانين ومعاهدات الإبعاد”. ومع ذلك كان مواطننا محمدو ولد صلاحي، الذي تم الإفراج عنه مؤخرا لله الحمد من سجن غوانتنامو؛ وهو الوحيد على المستوى العالمي الذي أبعده بلده، حتى لا نقول باعه.. وقد أبعد يوم 28 نوفمبر 2001 في يوم الجمعة من العشر الأواخر من شهر رمضان المعظم في خرق سافر لجميع قيمنا الروحية والوطنية.
يتم انتخاب النواب لمدة 5 سنوات والشيوخ لمدة 6 سنوات، ويتم تحديد ثلثهم كل سنتين طبقا للمادة 47 من الدستور.. وقد تجاوزت الجمعية الوطنية قبل الأخيرة وكذا البلديات السابقة مأموريتيهما بفترة سنتين دون التعرض لأي إزعاج. كما صوت البرلمانيون وهم أنفسهم خارج القانون على قانون دستوري مناف للدستور بكل المقاييس وأعاد البرلمان و البلديات بشكل تلقائي.
يوجد ثلث مجلس الشيوخ منذ سنة 2011 في وضعية غير قانونية، ومنذ سنة 2013 يوجد ثلثاه في وضعية غير قانونية. وبات المجلس كله خارج القانون منذ سنة 2015..
وكان المجلس الدستوري قد أبلغ في مطلع هذه السنة عن عدم دستورية مجلس الشيوخ دون أي أثر. ذلك أن الجنرال يغلب تطبيق المادة 15؛ الفقرة 2 من القانون اللادستوري 2012 – 015 بتاريخ 20 مارس 2012 المتضمن مراجعة دستور 20 يوليو 1991 الأخرق، التي تنص على أن “الغرفتين تمتدان إل غاية إعلان نتائج الانتخابات التشريعية الموالية” (إنشاء الله)، بدلا من المادة 47 آنفة الذكر.
كان ينبغي أن تكون جميع القوانين المصادق عليها من طرف هذا البرلمان الخارج على القانون باطلة وبلا أثر. ويجب على جميع البرلمانيين والعمد إلزاما أن يعيدوا للخزينة العامة الميزانيات والامتيازات العينية الأخرى التي نالوها عقب ذلك الانقلاب وطيلة فترة الخروج على القانون، إذ أن الأمر يتعلق باختلاس جماعي للمال العام.
وليس مستبعد أن يقوم جنرال الفيلق باستخدام هذه المطاطية في المأموريات البرلمانية والبلدية، التي باتت اليوم مقبولة من الجميع، لتأويل قانوني من أجل السعي إلى تمديد مأموريته الثانية بذريعة تهديدات إرهابية أو خطر حروب أهلية أو أي خطر آخر من شأنه زعزعة استقرار البلد ليعلن حالة الطوارئ أو حالة الاستنفار العام التي قد تستغرق عدة عقود كما حدث في مصر.
تنص الفقرة 3 من المادة 26 على أنه “ينتخب رئيسا للجمهورية أي مواطن ولد موريتانيا…” بينما جنرال الفيلق ، الذي انتخب مرتين، ولد مغربيا، يوم الخميس 20 ديسمبر 1956 في دارو موسي بمقاطعة اللوغة في السنغال. وقد تم تجنيسه موريتانيا في منتصف السبعينيات ويقال إنه قد اختار فيما يبدو، 2013 – 2014 ، ازدواجية الجنسية المغربية والموريتانية، ويتوفر جميع أفراد عائلته على جوازات سفر مغربية منذ بعض الوقت. ولاشك أن هذا هو السبب الذي دفعه في فبراير 2010، أي ستة أشهر فقط بعد استئنافه السلطة عن طريق الغش، الى تعديل بعض ترتيبات القانون 112/61 بتاريخ 12 يونيو 1961 المتضمن قانون الجنسية الموريتانية من اجل شرعنة ، ازدواجية الجنسية التي يمنحها بشكل حصري بمرسوم وحسب هواه.
تنص الفقرة 1 من المادة 89 على أن “السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية” وقد تم اقتلاع رئيس المحكمة العليا قبل الأخير بشكل تعسفي قسري، رغم أنه غير قابل للإقالة من طرف جنرال الفيلق رئيس الجهاز التنفيذي الذي استبدله بمجهول أكثر انصياعا وطاعة..
مثال ملموس على عدم احترام الحريات الفردية والخضوع القضاء.
أكتفي هنا بذكر حالتي الشخصية. فقد تم توقيفي يوم 28 نوفمبر 2015 من طرف عناصر من إدارة أمن الدولة ترافقهم سيارتان محملتان برجال الشرطة عند خروجي من مقر حزب التحالف من أجل العدالة والديمقراطية/ حركة التجديد، حيث كنت أنعش محاضرة حول موضوع مذبحة إنال، وحبست نظريا داخل مباني تابعة لفرقة مكافحة الإرهاب تقع في دار النعيم لمدة أسبوع.
وقد جاء اعتقالي بإيعاز من جنرال الفيلق الموجود حينها في نواذيبو، ضمن احتفالات الذكرى الـ55 لعيد الاستقلال.. وبعد أن أبلغه المدير العام للأمن الوطني بمضمون محاضرتي، أمر رئيس الدولة باعتقالي على الفور، وقد أرسل المدير العام للأمن الوطني عناصر من إدارة أمن الدولة للقيام بتلك المهمة، دون الرجوع لرؤسائه الأعلى في سلم القيادة و خارج قواعد القانون.
لم يكن لدى مفوضي إدارة أمن الدولة الذين استجوبوني لمدة ثلاثة أيام، أي صلاحيات ترابية في مجال الشرطة القضائية، حتى يثبت العكس، ولا يخضعون لغير المدير العام للأمن الوطني، بينما تنص الفقرة 1 من المادة 21 من مدونة الإجراءات الجنائية على أن “لضباط الشرطة القضائية صلاحيات في الحدود الترابية التي يمارسون فيها وظائفهم الاعتيادية”.. إنها إذن خلية خارج القانون يقوم بتشغيلها النظام العسكري الغاصب للسلطة على مستوى الإدارة العامة للأمن الوطني لخدمة نزوات الدكتاتور وترهيب الأشخاص المنبوذين.
لقد ولجت هذه الخلية الخارجة على القانون إلى بريدي الالكتروني ووثائقي دون إشعاري بذلك، وصادرت أشيائي الشخصية، خارج إطار الإجراءات القانونية..
وفي اليوم الرابع من اعتقالي جاءني، في ساعة متأخرة من الليل، مفوض السبخة (نواكشوط الغربية) ذو الصلاحيات الترابية بالنسبة لمكان المخالفة من أجل إضفاء صبغة شكلية قانونية، لكنه استجوبني في مكان تابع لدائرة نواكشوط الشمالية ولمحكمة أخرى دون علم السلطات المختصة ترابيا.
في يوم 3 ديسمبر 2015، تم إحضاري سريعا أمام وكيل الجمهورية الذي أبلغني بأني متهم بالتحريض على التطرف والعنصرية، وكذا بأنشطة أخرى من شأنها المساس بالأمن الداخلي والخارجي للبلاد. وبعد الاستماع لي، بحضور محامي الخاص، أحالنا أمام النيابة الخاصة بمحاربة الإرهاب والمكونة من 3 قضاة استجوبوني لمدة 5 دقائق قبل وضعي رهن المراقبة القضائية لمدة شهرين، مع مصادرة جواز سفري، وجهاز الكمبيوتر الخاص بي، وهواتفي، وكذا وثائقي الشخصية. وقد نفيت – جملة وتفصيلا- أمام هذه الهيئة القضائية جميع تهم النيابة.
تفرض علي المراقبة القضائية تسجيل حضوري كل أسبوعين لدى إدارة أمن الدولة وتمنعني من الخروج من نواكشوط دون إبلاغ قاضي التحقيق.
وفي يوم 4 فبراير 2016 لفت انتباه إدارة أمن الدولة إلى انقضاء فترة المراقبة القضائية، ثم في ابريل، ثم في يونيو، ثم في أغسطس.. دون الحصول على أي رد.
وعند نهاية شهر أغسطس أبلغت مفوض إدارة أمن الدولة بأني لم أعد مستعدا للمجيء وتسجيل الحضور دون تجديد القرار القضائي. وقد أبلغ المفوض رؤساءه الذين لم يتجاوبوا مع الموضوع؛ فتوقفت عن الحضور لدى إدارة الأمن.. و في تلك الأثناء التمس محامي الخاص – دون جدوى- من قاضي التحقيق الحصول على قرار بالإفراج عن أشيائي المصادرة.
يتبين مما سبق أن القضاء خاضع تماما لسلطة جنرال الفيلق ، إذ لا يمكن اتخاذ أي قرار دون موافقته؛ فهوـ وحده ـ من يقرر بشأن الاعتقال والإفراج عمن يشاء.. أما وزارة العدل التي يفترض أنها تسهر على حسن تطبيق القوانين والتي يقودها منذ بعض الوقت محام طيع جدا، هو أول من دعا أمام الجمعية الوطنية إلى انتهاك الدستور حين طالب بمأمورية ثالثة، ورابعة وخامسة لسيده فهي أشبه بوزارة للظلم.
لقد تم تنفيذ اعتقالي وتفتيش بيتي دون أي أمر قضائي. إن صلاحيات النيابة في مثل هذه الظروف هي في الواقع لدى المدير العام للأمن الوطني ومفوضي الظل بموجب التعليمات الصادرة من جنرال الفيلق باسم منطق إرادة الأقوى.
هكذا أنا اليوم خاضع لرقابة قضائية أو إقامة جبرية في غياب أي إجراء قضائي أو إداري مناسب، فقط بإرادة الدكتاتور جنرال الفيلق محمد ولد عبد العزيز ولد اعلي. ولم يتصرف القضاء الذي لجأ إليه محامي الشخص عدة مرات، باعتباره ضامن الحرية الفردية. فوداعا لدولة القانون.
حتى الأطفال لم يسلموا من هذه السلطة الشريرة.. ففي يوليو وسبتمبر الماضيين تم توقيف حفيدي الذي يحمل نفس اسمي: عمر الشيخ ابيبكر وهو رضيع يبلغ 20 شهرا من العمر كان برفقة أمه في استشارة طيبة بالمغرب فتم توقيفه عند الذهاب والعودة من قبل شرطة مطار نواكشوط، وتمت مصادرة جواز سفره في انتظار الضوء الأخضر من إدارة أمن الدولة؛ بحجة خطإ في الشخص . فأي سخافة بعد هذه؟
أما فيما يخصني فلن يمنعني أي شيء من التنديد علنا بالمجزرة.. سأكون دائما متضامنا مع أهلي الضحايا، المحرومين من جميع حقوقهم بما فيها حقهم في البكاء على أقاربهم الذين ماتوا في ذلك اليوم المشهود؛ في ظروف مأساوية وغامضة تريد السلطة العسكرية التعتيم عليها بشكل مطلق.
لن يمنعني أي كان من فضح تلك الأعمال الظالمة وتلك الحقائق التي لا تحتمل، والتي لم أكن استطيع قولها بسبب واجب التحفظ.
إن يوم 28 نوفمبر بالنسبة لي سيكون دائما يوم حداد وصلوات حتى يتم إحقاق الحق وإنصاف ذوي الحقوق.
منذ يوم 28 نوفمبر 1991، وأنا أرى دائما في مخيلتي، أثناء حفل رفع العلم شعارنا الوطني وقد شابته الدماء، ليست دماء المقاومين الوهميين الذين يراد تخليدهم اليوم, بل دماء 28 من رفقاء السلاح تم شنقهم في إنال ليلة 28 نوفمبر 1990، لتخليد الذكرى الثلاثين وضحايا الإبادة الآخرين.. يوم 28 نوفمبر هو بالنسبة لي أيضا يوم للدعاء والترحم على أرواح شهدائنا الـ2000 الذين قضوا في سبيل الوطن حاملين سلاحهم خلال حرب الصحراء تحت هذا العلم الذي يتنكر له اليوم جنرال الفيلق الغاصب المنكر.
لا يمكننا أن نأمل مستقبلا أفضل ونحن خاضعون منذ ثمان سنوات لقيادة مجنس استولى على السلطة بالقوة أو عن طريق الغش, وليست له أي جذور في موريتانيا. مهندس آلات طبا عة) ميكانوغرأ ف( بالمهنة استخدم أوراقا مزورة كي يتم اكتتابه في جيشنا. ضابط مكا نكي حصل على جميع رتبه من ملازم اول, إلى جنرال الفيلق عن طريق المحاباة في القصر الرئاسي كأمير.
لا يمكننا أن نطمح إلى مصير أفضل، بينما يقودنا رئيس دولة يفاخر علنا بكونه انتهك دستورنا مرتين، وسط تصفيق النخبة المحاورة ويطلب منا أن نصوت على تعديلاته.
ما فائدة دستور يتم التلاعب به دوما من طرف ضباط غاصبين، متعطشين للسلطة؟
ما فائدة دستور في ظل دكتاتورية عسكرية قبلية حقيقية، استبدادية عنصرية واستعبادية، تريد تزوير تاريخنا؟
ما فائدة دستور لا يحترمه أحد؟
ليس لدينا غير القادة الذين نستحقهم.