التعديلات الدستورية… بين “التزلف” و”التهويل”
أتابع الحملات “العصبية” الدائرة حول التعديلات الدستورية، ولم أجد في ما يُكتَب هذه “الجنة” التي يَعِد بها المدافعون، ولا الجحيم التي يُخوِّفُ بها الرافضون… قد يبدو لكم رأيي منطلقا من”برزخ” بين الجنة والنار، وبالمناسبة هو ليس كذلك، فلصاحبه موقف واضح يرفض حينما يكون الرفض مبررا، ويقبل حينما لا يكون هناك سبب موضوعي للرفض.. وقد يقبل جزءا ويرفض آخر.. والقاعدة الأساسية هنا هي إبعاد العامل الشخصي..
لم “تقنع” هذه الحملة المتسمة بالتهويل لدى البعض، والمبالغة والتزلف لدى البعض الآخر الجمهور.. أخذ بعضكم معه المؤيدين لأي “كارثة” تأتي من النظام مهما كان خطرها، وأخذ البعض الآخر معه الرافضين لأي إنجاز يحققه النظام مهما كانت أهميته للبلد..
أوافق الرافضين في القول إنه لا ينبغي إجراء تعديل دستوري إلا لضرورة، وأدعم أيضا إلباس الدستور قدسية تسد الباب أمام سهولة تغييره من طرف الحكام..وسأتفق مع هؤلاء أيضا في أنه لا أمر ملحا يستدعي تغيير ألوان العلم الوطني وهو أيضا من الثوابت التي ينبغي الحفاظ عليها، ولا أرى في الأفق تغييرات دراماتيكية تدعو إلى تغييره.. ومع ذلك لا أشاركهم أبدا هذا “التهويل”، واعتبار الأمر صاعقة تسقط على رؤوسنا.. ..
ليغيروه… هناك ما هو أعظم…
أما المؤيدون فأعترف في البداية أني سأظلمهم.. ولست أنا الظالم. إنه ميراث أكثر من 50 عاما من النفاق و”الدعم والمساندة” للأنظمة في كل ما تقوم به ولعنها مباشرة بعد “البيان الأول”.. لا علم لي في تاريخنا بمن بقي على دعمه لنظام بعد “البيان الأول” إلا ثلة من أنصار الرئيس الذي خلع سيدي ولد الشيخ عبد الله…
هناك صادقون وهناك مقتنعون، ولا أرضى لنفسي أن أعمم، لكن الغالبية التي دعمت كل الانظمة- من دون تحفظ- هي التي تؤله الآن الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وتطبل للتعديلات، والحزب الذي يحكم به هو حزب الرؤساء المختار وهيدالة ومعاوية وسيدي.. لا يتغير إلا الأسماء..
أتفهم أن يقول بعضهم إنه ينبغي أن يتم إنصاف “المقاومة”، ولست من الذين يستفزهم الحديث عنها، فأنا فخور بها ومدينتي حطمها الفرنسيون على رؤوس سكانها أنتقاما من مقاوتها.. وأشكر للرئيس عزيز الاهتمام بهذا الأمر، ولن أبحث في نياته لأحرمه من إيجابيات عمله.. لكن ألا يمكن إنصاف المقاومة بأمور أخرى؟.. ثم إن قول هؤلاء إن العلم الموريتاني “علم المستعمر” و “فرضه المستعمر” قول موغل في مجافاة الحقيقة..
ومثلما لم أقتنع بالكارثة التي ستحل بنا في حال غيرت الألوان، لا أجد خيرا كثيرا سنجنيه من إضافة خطين أحمرين إلى العلم..
لم أتحدث بعد عن النشيد الوطني.. أفقت بموسيقى النشيد منذ أن كنت طفلا أفهمها: “ولداداه كاس اندر”؛ وأخَذَتْ مع الزمن رمزيتها الوطنية في ذهني..لكن في صراحة كاملة لا أعتبر أن لموريتانيا كلمات نشيد ولم ترتبط في ذهني قطعة الكريم الكبير، سليل المجد بابا ولد الشيخ سيديا بموسيقى النشيد.. وأنا هنا لا أدعو إلى تغيير كلمات النشيد فقط، إنما أدعو أيضا إلى تغيير اللحن.. وربما يكون هذا من حظي في عدم الاتفاق مع الأنظمة فقد سمعت أنهم لن يغيروه بالكامل… لكن لا أعتبر أن كارثة ستحل إذا غير أو لم يغير..
بقي الموضوع الأساسي بالنسبة إلي ويبدو أنه الثانوي بالنسبة إلى الآخرين، وهو موضوع ” المجالس الاقليمية”.. لن أتحدث عن مجلس الشيوخ الراحل، ولن أبكي لرحيله.. ينبغي الحذر فعلا إزاء أي مواد جديدة يقتضي رحيله إضافتها….
كنت سأضم صوتي من دون تردد لرافضي هذه المجالس لأني أعتبر وقتها لم يحن بعد، وأشك في أن تعود بالخير على السكان الذين تثقل البلديات الآن كواهلهم بالضرائب،مع ما ستضيفه من تنازع في السلطات مع الإدارة.. والأهم من كل هذا أنها قد تفتح الباب أمام المجهول في بلد تنخر جسمه القبلية والجهوية، وهو متعدد الأعراق.. وقد بدأنا نرى مؤشرات مخيفة قبل أن تتحدد طبيعة هذه المجالس..
نحن كلنا نعرف أن الأمر حسم، وعلينا على الأقل أن نعمل معا على أن تكون هذه المجالس إضافة، لا هياكل شكلية تتصارع فيها القبائل والجماعات، وألا تفتح أبوابا لا أحد يستطيع التحكم فيها..
نتفق في أمور ونختلف في أخرى وهي مسألة طبيعية.. والخاتمة أنه لا أخطار أكبر من حجمها في إدخال هذه التعديلات، ولا منافع كبرى تجنى من ورائها..
الشيخ بكاي