من وصايا الجـــد الشيخ / سيد أحمد البكاي بودمعة الكنتي العقبي الفهري :

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏

من وصايا الجـــد الشيخ / سيد أحمد البكاي بودمعة الكنتي العقبي الفهري :

ولد الشيخ / سيد أحمد البكاي بودمعة – هذا المربي الصوفي الكبير ، الذي ملأت دعوته الآفاق ، وامتدت لقرون في القارة الإفريقية تحمل لواء الإسلام العظيـــم ، وتبدد ظلمات الجهل ، والوثنية الغارقة في التخلف – ولد على وجه التقريب في الثلث الأول من القرن الهجري التاسع ، في منطقة واد نون ببلاد المغرب .

وهناك تلقى الشيخ تعليمه الأولي على والدته تلك المرأة الجكنية الفاضلة المربية ذات العلم الجم والخلق الكريم ، ثم أكمل تعليمه العالي – كعادة ابناء البيوتات العلمية من أهل المنطقة في تلك الأزمنة – في زاوية والده الشيخ / سيد محمد الكنتي الكبير ذات الشهرة والصيت .

وقد عاش سيد أحمد البكاي أغلب حياته في الحيز الجغرافي الممتد بين منطقة الساقية الحمراء ، وتيرس زمور ، وفيه أكمل تعليمه ، وتزوج وأسس أسرة طيبة ، وأنجب بنيــه الثلاثة ، وواصل رسالة والده في التعليم ، والدعوة ، والإرشاد .

وعندما تقدمت به السن ورأى أنه انجز رسالته الدعوية والتعليمية في تلك المنطقة ، أراد أن يختم مسيرته تلك بالقيام برحلة الحج إلى البقاع الطاهرة ، وزيارة روضة الحبيب المصطفى – صلى الله عليه وسلم – فترك أهله وبنيه – الثلاثة الذين سيصبحون فيما بعد أجداد سائر العشائر الكنتية ( سيد محمد الكنتي الصغير .. وسيد بوبكر الحاج .. وسيد عمر الشيخ ) – هناك واتجه مع بعض تلامذته ومريديه صوب الديار المقدسة .

ومر الشيخ في طريقه إلى الحج بمدينة ولاته – وكان طريق الحج يمر بها – وهناك حدثت معه القصة الشهيرة مع أهل هذه المدينة ، والمتداولة هناك إلى يومنا هذا ، ويمكن لم شاء أن يرجع إليها مدونة بكل تفاصيلها في مصادر تاريخ تلك الحقبة .

وبقي الشيخ في المدينة ما شاء الله له أن يبقى ، وقد اجتمع عليه الناس وتعلق به عامة أهل البلد ، وأهل حله وعقده ، وعندما أراد استئناف رحلته التي كان بصددها ، حاجه سكان المدينة في ذلك أيما محاججة ، مبينين له أن مهمته عندهم لم تنتهي بعد بل ربما تكون الآن بدأت ، فهم جميعا بحاجة ماسة إلى استقراره بينهم ؛ لتثقيفهم في أمور دينهم ، والأخذ بأيديهم إلى جادة الحق ، ومساعدتهم في تربية أجيالهم تربية اسلامية صحيحة .

فلم يكن أمام الشيخ من مفر تحت هذا الإلحاح والضغط إلا الرضى والقبول بالبقاء بين هؤلاء الناس الطيبين الذين غمروه بكل هذا الحب ، والتقدير ، والمودة ، فنصب خيمته بين ظهرانيهم ، وكرس جل وقته في تعليمهم مباديء دينهم ، واصلاح أمورهم الدينية والدنيويه فقد أصبح بالفعل هو ، وزاويته ، وتلامذته ، ومريديه محور حياة أهل ولاته الحاضر منهم والبادي .

وتذكر المصادر أنه أثناء مفاوضاته معهم اشترط عليهم ليوافق على البقاء في بلدتهم ؛ ألا يخالفوه في شيئ يأمرهم به من شرع الله ، وسنة نبيه الكريم – صلى الله عليه وسلم – ، فوافقوا ، وأعطوه على ذلك العهود ، والمواثيق ، وأقسموا عليها بالأيمان المغلظة .

وكانت ولاته – حينذاك – رغم قدم الإسلام فيها إلا أن عادات أهل البلاد الأول فيها كانت غالبة على معظم الحياة الأجتماعية في المدينة ، ( وقد تحدث عن تلك العادات باستفاضة واستهجان كبار الرحالة العرب الذين زاروها أو كتبوا عنها قبل استقرار الشيخ فيها ) وخاصة عادة الإختلاط بين الجنسين ، وسفور النساء ، واستطاع الشيخ معالجة هذه الظاهرة برفق واجتثاثها من جذورها ، وبين مضارها على المجتمع ومدى مخالفتحها الصريحة لمباديء الدين الإسلامي القويم ، وأمر النساء بالحجاب الشرعي وأمتثلن لأمره ، وأمر ألا يدخل أحد بيت غيره إلا بالضوابط الشرعية المعروفة وأمتثل لأمره ، واستقام أكثر أهل المدينة على السنة المشرفة ومباديء الدين الحنيف .

وفي الأثناء تتلمذ على الشيخ أغلب أبناء ولاته ، وابناء القبائل القاطنة في المنطقة المحيطة بها ، وأخذوا عليه العلوم الشرعية وغيرها ، والتربية الصوفية الصحيحة ، فكانوا خير امتداد لمدرسته الدعوية في المنطقة ، بل وسائر مناطق إفريقيا الغربية لاحقا .

وتقول المصادر التاريخية أن هذا التأسيس العلمي الروحي التربيوي الذي وضع لبناته الشيخ / سيد أحمد البكاي ، هو الذي جعل من كنته – لاحقا – دعاة الإسلام الأبرز والمشرفين الروحيين على سائر قبائل الصحراء الكبرى وبلاد السودان الغربي .

وقد اختلفت المصادر التاريخية لتلك الحقبة في ضبط وتحديد تاريخ وفاة الشيخ / سيد أحمد البكاي ؛ فمنهم من يجعل الوفاة في حدود : 920 هـ ، ومنهم من يؤرخ لها بـ : 934 هـ ، ومنهم من يعطي تارواريخ أخرى غير ذلك .. 

وهنا اسمحوا لي أن أسرد نص بعض وصايا الشيخ / سيدي أحمد البكاي بودمعة لبنيــــه ومن يسير على دعوته المباركة كما وردت في كتاب الإرشاد لحفيده الشيخ / سيد المختار الكبير الكنتي ( منقول من كتاب : النفحات البهية في أفنان الشجرة الكنتية ، للأستاذ / عقباوي عزيزي بوبكر ) مع بعض التصرف لتوضيح منهج مدرسة الشيخ في الدعوة إلى الإسلام والتربية والتعليم :

* يا بني عليكم بتقوى الله ؛ فإنها سبب كل فتح ، والسُلم الذي يرتقى به إلى كل نجاح .

* وعليكم بالفرار بدينكم ؛ فإن هذا الزمان لا يسلم فيه لذي دين دينه ، إلا من فر بدينه من قرية إلى قرية … واقتدوا في ذلك بقول نبيكم صلى الله عليه وسلم : يوشك أن يكون خير مال المسلم غنيمة يتتبع بها شعب الجبال ، ومواقع القطر …يفر بدينه من الفتن ..

* واجتهدوا في طلب العلم ؛ فإن عبادة بلا علم تكون يوم القيامة هباء منثورا ..

* ولا تفارقوا جماعة العلم فتفارقوا دينكم وأنتم لا تشعرون ..

* واعلموا يا بني أن من قنع بما قسم الله له مات غنيا ، ومن مد عينيه إلى ما في أيدي الناس مات فقيرا .. قال تعالى : (( ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى )) ، فإن من لم يرض بما قسم الله له فقد اتهم الله – سبحانه وتعالى – في قضائه .

ومن استصغر زلة نفسه استعظم زلة غيره ، ،،

ومن كشف عورة غيره انكشفت عورات نفسه ،،،

من سل سيف البغي قتل به ،،،

ومن حفرلأخيــه بئرا وقع فيها ..

ومن خالط السفهاء احتقــر ..

ومن خــالط العلمــاء وقــر ..

ومن دخل مداخل السوء اتهــم ..

* ولا تزدروا الرجال فتزدريكم الرجال

* وإياكم والدخول فيما لا يعنيكم فتذلوا بذلك ..

* واتبعوا الحـــق لكم أو عليكـــم ..

* وكونوا لكتاب الله تالين ..

وللسلام فاشين ..

وبالمعروف آمريــن ..

وعن المنكر ناهيـــن …

ولمن قطعكم واصلين …

ولمن هجركم مبتدئيين …

ولمن سألكـــم معطيـــن …

* وإياكم والنميمة ؛ فإنها تورث الشحناء بين الرجال …

* وإياكم والتعرض لعيوب الناس …

* يا بني إن طلبتم الجود فعليكم بمعادنه ؛

فإن للجود معادنا ،

وللمعادن أصولا ،

وللأصول فروعا ،

وللفروع ثمارا ،

ولا يطيب الثمر إلا بفرع ،

ولا الفرع إلا بأصل ،

ولا أصل إلا بمعدن طيب ..

* وإذا زرتم فزوروا الأخيار ، ولا تزوروا الفجار؛ فإن زيارتهم لا خـــير فيها ..

* وعليكم بالحرث في المعادن الطيبة ؛

فإن البلد الطيب يخرج نباته طيبا بإذن ربه ،

والذي خبث لا يخرج إلا نكدا ،،،

فإن نبيكم صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه – رضوان الله عليهم – :

(( إياكم وخضراء الدمن ، ،،

قالوا : يا رسول الله وما خضراء الدمن ؟

قال : المرأة الحسناء في المنبت السوء )) ..

* واعلموا يا بني أن سلفكم كانوا لا ينكحون إلا صالح كل قوم وخير كل قبيلة ، فإن الشاعر يقول :

فأول خبث الماء خبث ترابه *** وأول خبث القوم خبث المناكح ….

* واعلموا يا بني إن العرق نزاع وأن المرأة تلد :

أباها ..

وأخاها ..

وعمها ..

وخالها ..

وأن آباءكم كانوا يحافظون على انسابهم ، ويحافظون على دينهم ، وأحسابهم ..

وقال النبي : – صلى الله عليه وسلم – للذي استفتاه في النكاح بعد أن عدد له الأسباب التي تنكح المرأة لأجلها .. (( .. فاظفر بذات الدين تربت يداك ))

* وأوصاهم كذلك بحفظ العهد ، وشدد عليه فقال لهم :

صحبة يوم: صحبـــــــة ..

وصحبة شهر : عهـــــــــــد .. 

وصحبة سنة : رحــــــــــم ؛

قطع الله من قطعها ..

ووصل من وصلها ..

ومن الوصايا التي تنسب للشيخ / سيد أحمد البكاي بودمعة كذلك ..:

* يا بني اتقوا ثلاثة أمور :

1 – الجمــــل في صولته ؛ فإنه إذا صال حطم ما تعرض له ..

2 – والسيــــل في هيجته ؛ فإنه إذا هاج أغرق ما تعرض لهيجته ..

3 – والعامــــة في غوغائها ؛ فإن من تعرض لها في فسادها وغوغائها فتنته ، وأهلكته ..

وختـــم الشيخ وصاياه بقوله :

واحفظوا وصيتي فإنكم إن حفظتموها عشتم سعداء .. ومتم شهـــــداء …

وفي الختام رحمة الله على الشيخ الوالد … وهل منا من مازال يسترشد بهذه الوصايا ، ويضعها في برنامج حياته ، ومعاملاته مع الآخرين …؟!! مجرد تسائل !!!!

واترك تعميق ، وتحليل هذا المنهج الدعوي النير والوصايا الأبيوية الصادقة والمفعمة بالحرص الشديد على نشر السلم الإجتماعي بين شرائح المجتمع كافة ، اتركه للنقاش على هامش المقال وآمل من الجميع الإدلاء بدلائهم لتعميم الفائدة والإسترشاد بكل الآراء ، والرؤى … 
السيد بن عابدين الفردي.

نقلا عن هذه الصفحة

الشيـخ ســيدي أحمــد البــكاي الكنتـي

اترك تعليقاً