رحيل “قرشي”! / زين العابدين الشيخ

علمت بحزن بالغ برحيل المرحوم محمد ولد الخليفة الملقب “جوم” بمكة الكرمة حيث كان يعيش بجوار البيت العتيق أعتقه الله من النار ومن كل ذنب وعار.
والفقيد من ذؤابة الأسرة الكنتية فهو حفيد أخيارهم ولد جيباب ولد أحمد ولد محم دفين “انكوسه” بالحوض الشرقي.
و خبر الرجل الصالح والزعيم الأغر أحمد ولد محم البوسيفي مشتهر في كتب التاريخ والسير ولا أقل للدلالة على مركزيته المتطاولة في العشيرة أن بيتين من بيوتات الزعامة التقليدية إلى اليوم في آفطوط والحوض ينميان إلى اثنين من أبنائه على التوالي : امحمد و سيدلمين رحمهما الله وأدام عز الوارثين لهما ولصنويهما الأبرين الآخرين جيباب وسيدالمختار (كبادي).
وجيباب هو صاحب العلاقة الخاصة الروحية و “المضمونية” مع أسرة أهل لمحيميد أمراء مشيخة مشظوف العظيمة في الحوض .
وتعرف أسرة أهل اخيارهم ولد جيبابه في الحوض لدى الكنتيين وسواهم بأنهم ” اخيار الناس” لكرمهم وفضلهم وهو لقب أتحفهم به وسار في الناس أبن عم غير حاسد ألا وهو أحد الأماجد الكرام من أهل اخيارهم ولد بولرياح الركابي في قصة مشهورة ليس المقام البسط فيها أكثر.
ومحمد ولد الخليفة المشهور ب “اجوم” تغمده الله بواسع رحمته
شبل تلك الأسود ونجل قادة الوفود حقق وراثتهم سجية وكرما وتخلقا بكل ما يجمل بالفتى في نفسه ومع الناس.
ولنا أن نورد فيه باستحقاق ما قال الذيب الحسني في مدح أحد أشياخه الذين أحبهم واجلهم حشره الله مع الصديقين والشهداء والصالحبن وحسن أولئك رفيقا:
فتى ما فتى طلق الجبين مهذب تخير من طلق الجبين مهذب.
هذا بالضبط هو الفتى البوسيفي “محمد جوم” الذي لم أعرفه أو أمارسه إلا في الحالات القليلة التي زرت فيها مكة حاجا أو معتمرا. ولقد كان كرمه الفياض في كل مرة كالمطر الهتان.
لكن ذكره الحسن المنثور وكرمه الحاتمي المبذول لدى أهل الحرمين من المتخلفين و المستضعفين من النساء و الولدان أبلغ وأزكى من صلة أو اطعام ضيوف الرحمن حتى ولو كانت ضيافة تدور مع الأعوام و غير مخصوصة أو غرضية .
و كما يقال ألسنة الخلق أقلام الحق فقد لهجت بندى كفه وأريحية خلقه وشجاعة مواقفه و بركة كسبه و مضاء همته.
يتعارف الناس في هذا الأرض على إضفاء صفة “متكنتي” على كل فعل يجمل بالمروءة لكن لفظا آخر يكاد يندثر وهو لفظ “القرشي” وهو عادة يطلق على الرجل الكنتي الذي حاز المجد من أكمامه أي أنه “المتكنتي الشامل ” في نفسه ظاهرا وباطنا وفي أفعاله وتصرفاته وفي نخوته وكسبه العلمي وخصوصيته الربانية فضلا عن الخصائص الأخرى للفروسية والفتوة المتعارفة ..
فالقرشي لفظ ضنين وعزيز مطلب لذا يكاد ينقرض من التداول لقلة أهله والموصوفين به عن جدارة .ولعل المرحوم كان أحدهم ولو بالمحصلة.
فوداعا إلى جنان الخلد أيها
“القرشي ” الراحل وهنيئا لك بمدفن “المعلى” و بمكة.

اترك تعليقاً