هناك حزمة من المشاكل تواجه مجتمعنا الموريتاني وهي التي تسبب له الكثير من الأضرار وتضع العقبات أمام الانطلاقة ونهوضه وتنميته وأظهر تلك المشكلات هي فساد الطبقة السياسية، وممارسة النفاق السياسي والاجتماعي ،الذي عطل كل محاولات النهوض والانطلاق والبناء والتنمية، وأفسد التعليم،
وخرب الاقتصاد، وضيع النسيج الاجتماعي وبذر في المجتمع بذور التفرقة العنصرية، ورفع معاول هدم الوحدة الوطنية ؟.
والفساد السياسي والنفاق الفكري في السياسة والمجتمع الذي تمارسه (الحركة الوطنية) بأذرعها: الكادحين الماويين واللينينين والقومين العرب والزنوج من خلف العسكر منذ 1978م وإلى يومنا هذا وخلافا لما قاله السيد رئيس الجمهورية في مؤتمره الصحفي الأخير عن ابتعاد حكمه عن هيمنة تلك الأيدلوجيات في حكمه مجاف للحقيقة تماما وإلا فمن هو وزيره الأول ووزرائه المقربين ومستشاريه ومدراء القصر والإدارات الحكومية وجيش الكتاب والإعلاميين المسوقين لنظامه والمدافعين عن حكمه وسياسته أليسوا هم (الكادحين الماويين واللنينين والبعثتين والناصريين وبقايا جراثيم ألبراليين ؟!).
إن الفساد في الفكر والتصور والنفاق السياسي والاجتماعي الممارس في الحياة اليومية عندنا من تلك الجراثيم الفكرية والمخلفات الحضارية لهو الخطر الحقيقي والإرهاب الفكري والسياسي الواقعي والتطرف الحقيقي المهدد للقيم والمجتمع والسياسة والاقتصاد والتعليم ومستقبل التنمية والوحدة الوطنية، وهو الصورة الحقيقية للفساد الذي تجب محاربته ابتداء لنظام يدعي الحرب على الفساد والانحياز إلى جانب الفقراء والمظلومين والانتصار لقيم الدين وإعلاء الهوية الوطنية والقيم الحضارية ؟
ما من شك أن تبوأ الفاسدين لقيادة الشأن العام وسيطرة النفاق السياسي على الحياة العامة والولاء الكاذب لخدمة المصالح الشخصية والحزبية والفئوية والقومية على حساب المصالح العامة للمجتمع لهو الخطر الحقيقي والفساد الذي لا غبار عليه، وهو السبب المباشر للخلل الحاصل عندنا في بناء نسيجنا الاجتماعي الأمر الذي أدى إلى تفكيك القيم المجتمعية وضعف ثقة الناس بعضهم ببعض وهو الأمر الذي تسبب في إعاقة الحركة التكاملية في بناء المجتمع وتجاوز مخلفات الماضي وإرثه الإنساني ومن ثم صيانة مكتسباتنا وحماية وطننا الذي تهدده الأخطار المختلفة والمتنوعة والتي لا تساهم قطعا التعديلات الدستورية في حلها؟ ؟.
ولقد ظل أولئك السياسيين يعملون كسوسة تأكل قلب المجتمع نسيجا وثقافة وقيما واقتصادا ومن خلف المؤسسة العسكرية الحاكمة ظاهرا والمحكومة حقيقة إيحاءا وتخطيطا من قبل أولئك السياسيين الأيدلوجيين، الذين يمارسون أبشع صور النفاق الأيدلوجي والفكري والسياسي، فيعملون في غفلة وجهل من الحاكم العسكري على إتعاب الساحة الاجتماعية وتفخيخ الفيافي السياسية بالكثير من التناقضات والصراعات مما أرهق حركة الوعي في المجتمع وأصاب أفراده بالإحباط، وهو الأمر الذي أفقد المجتمع ثقته بأغلب من يمارسون السياسية ويلوذون بالثقافة والتعليم، وذلك لان مجتمعنا بذكائه البدوي وحسه السياسي، يمتلك حدسا يفوق به كل السياسيين، فهو مجتمع بطبعه البعيد كل البعد عن السذاجة، بل إن مجتمعنا البدوي وبفعل طبيعة ثقافته المحظرية الفقهية المهيمنة أكسبته بصيرة يعرف بها حقيقة كل سياسي ومدى إخلاصه من عدم إخلاصه ويشعر ويقيس مدى مصداقية السياسي من خلال تعلقه بممارسة وحب السلطة و الزعامة، وإن كان يفتقر إلى الفعل الحاسم في الجزاء والعقاب للسياسيين والمسئولين ؟! .
إن أغلب الساحات السياسية والفكرية والحزبية الأيدلوجية عندنا ومنذ سيطرة النظام العسكري على البلاد مصابة بذلك الداء العضال، وذلك لقوة تحكم تلك الأنانيات الفكرية و الأهواء الأيدلوجية والرغبات الذاتية والشهوات الشخصية في النفوس الطبقة السياسية مما يؤدي إلى قوة تأثيراتها السلبية على المواقف اليومية للممارسات السياسية؟.
ويستحيل هنا أن تزكي جهة عسكرية أو مدنية دون أخرى بل إن الكل مصاب بذلك الداء العضال، والمخلص من المواطنين تراه مهمشا بل ومبعدا من قبل الفئتين، وإلا لو كانت تلك الطاقات النظيفة الوطنية المهمشة تعمل في الساحة الإدارية والاجتماعية والسياسية لأنتجت للوطن خدمات جليلة ولقدمت للمجتمع الكثير!.
والسمة الظاهرة والغالبة أن تلك الطغم المتحالفة في الحكم العسكري، ظلت قادرة على إبعاد كل متعلم مثقف ينتمي للوطن ولا ينتسب لتلك الأيدلوجيات، ليفرضوا عليه الغربة داخل وطنه أو الهجرة خارج بلده، وهو في كلت الحالتين يعيش التهميش الأمر الذي أدى ويؤدي إلى أن يصاب هو وأمثاله بالإحباط والانسحاب من تحمل هموم الوطن، فتضيع الكفاءات وتتعطل طاقات التي كان البلد بحاجة إليها، وتضيع حقوق لأهلها أحوج ما يكونون إليها، فتتسلق في مقابل ذلك فئات فاشلة جاهلة مسؤوليات لا تستحققها الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى ضياع الحقوق وضعف البناء وانعدام مخرجات التنمية بشتى أشكالها فيتعرض الإنسان المخلص المواطن العادي إلى شتى أنواع الابتلاءات فهو بين خمسة شدائد بين حاكم يضيع حقه ويقصيه ومنافق مستشار للحاكم يبغضه ونفس تنازعه وسياسي شيطان يضله ومثقف يحسده، وصفة الحسد خسيسة تمنع المخلص الكفء وتحرم المجتمع من وصول الكثير من الطاقات الجبارة من أداء دورها في هذه الحياة خدمة له ؟.
لقد كان النفاق الاجتماعي هو الأكثر انتشارا في واقعنا وتاريخينا الاجتماعي مما أدى ويؤدي إلى الخلل في البناء الاجتماعي وصياغة مشروع الوحدة الوطنية، والملاحظ أن الكثير من مظاهر النفاق الاجتماعي موجودة تمارس في الكثير من الفعاليات الاجتماعية على مستوى الأفراد والجماعات وبشتى طبقاتهم والخداع والكذب هما أحد المظاهر البارزة والخطيرة في المجتمع والتي أوجدت الكثير من فقدان الثقة بين مكونات المجتمع، ومظاهر النفاق الاجتماعي كثيرة هي صوره وكثيرا ما يحصل لدى العامة وحتى الخاصة، خلط بين النفاق العقائدي والاجتماعي فالبعض قد يفهم بعض الأحاديث النبوية والروايات الفقهية فهما خاطئا كما هو حاصل في فهم حديث المنافق الذي يقول” إذا وعد اخلف وإذا حدث كذب وإذا أتؤمن خان” إذ المقصود الحقيقي من هذا الحديث هو بيان خطر وأثر النفاق الاجتماعي وليس النفاق العقائدي لان المسلم قد يخلف الوعد بدرجات مختلفة وقد يكذب بدرجات مختلفة وقد يخون الأمانة ومع هذا قد لا ينطبق عليه النفاق العقائدي بل النفاق الاجتماعي هو الذي يقع فيه لا محالة؟! .
والبيئة النظيفة التي تصلح لإنبات مشاريع الوحدة الوطنية هي البيئة التي تخلو من مظاهر النفاق السياسي والاجتماعي والإسلام حينما حارب مظاهر النفاق كان يحارب في المقام الأول النفاق السياسي والاجتماعي وذلك من أجل إيجاد بيئة سليمة تعيش حيوية الحياة ويتحقق فيها العدل والأمن والأمان وذلك لأن النفاق السياسي والاجتماعي هو الذي يخلق عدم الأمن والأمان في المجتمع ويطرد عوامل النمو وأسباب التنمية بشتى أشكالها ويحرم المجتمع من روح المساواة وتحقيق العدل والعدالة والإسلام حين يحارب النفاق السياسي والاجتماعي إنما يحاربه لأجل تحقيق العدل ففي فلسفة الإسلام بالعدل تحيى البشرية بالأمن والأمان وتقوم دعائم المدنية، وفي قيم الإسلام لا قيمة لأي إنسان في هذه الحياة ما لم يطهر ذاته من كل الآفات السياسية والاجتماعية، لأنها عاهات وآفات تجعل الإنسان يتعب الآخرين ويعيق حركة الانطلاق والبناء، وأغلب الممارسات السلبية والخاطئة في حياة الأمم والشعوب تعتبر ثمرة من ثمرات النفاق السياسي والاجتماعي الذي لا تحرر من ارث الماضي ومعوقات التنمية إلا بعد القضاء عليه ثقافة وممارسة وجراثيم بشرية حاملة له ؟
فلو كانت القيادة والساسة جادين في الحرب على الفساد والظلم الاجتماعي والانحراف السياسي لأعلنوا الحرب على النفاق السياسي والاجتماعي وعلى الجراثيم البشرية الحاملة له، وهم الأذرع والأبواق السياسية بل الأرجل والأيدي والعيون لكل الحكام والسياسيين إن لم يكونوا هم من ذات الطينة الفاسدة النكدة التي ضيعت القيم وخربت الموارد وأفسدت السلم المجتمعي، وهي التي تتبوأ اليوم المراكز القيادية في الكثير من المؤسسات والأحزاب ومنظمات المجامع المدني والتجمعات القبلية والحضرية ومؤسسات التربية والتعليم ؟!
إن النفاق السياسي والاجتماعي والاستبداد هم أعلى مراتب النفي الذات للشعوب وأبرز حالة الشعور بالقمع المتجسد في الذات من قبل الآخر أهم عائق التقدم، وهي المتسبب الرئيسي لضمور الإنتاج المعرفي والاقتصادي لشعوب التي يمارس فيها النفاق السياسي والاجتماعي الممنهج كحالتنا.
وبالتالي، فإن حالة الاستبداد التي ينتجها ذلك الواقع هي التي تساوي الجمود والتخلف بجميع صوره الفكرية والإبداعية والإنتاجية، ويصادر حرية الأفراد تحت ذرائع ومسميات أمنية واجتماعية واقتصادية وتبريرية عديدة.
وما من شك في حالتنا السياسية المعسكرة أن العلاقة بين الحاكم والمحكوم، هي علاقة مضطربة تقوم في أغلبها على فرض أن الطاعة تلبية لخدمة الحاكم، وإخضاع المحكومين لإرادته ومتطلباته دون الأخذ بعين الاعتبار مصالحهم، ولا طبيعة التعاقد الإنساني ما بين الطرفين.
ولقد ظل نظامنا العسكري يمارس القمع والاستبداد كحق له، فيستنفر قواه، دائما، حفاظا على وجوده لا على أمن شعبه ووطنه؛ لأنه تعلم أنه فاقد للشرعية. فهو يمارس الاستبداد باسم الأمن العام، والمصلحة العليا للوطن. وهذا لم يأت من فراغ؟!.