رأي صوت الشرق: رد خيمـــة الضيوف علي ضيوف الخيمـــة

كنا قد تحدثنا بإسهاب في مقال سابق عن مكانة الخيمـــة في قلوب الموريتانيين، هذه المكانة التي جعلتنا نؤثر الخيمة علي ناطحات السحاب،و علي الفنادق خمسة نجوم، و علي الفنادق العائمـــة، ذلك أن هذا المبني البسيط بنيته، النفيس شأنه، الرفيع ذكره، الرحب بلاطه  ينم عن أصالتنا العربية، و نقاء ثقافتنا الضاربة جذورها في الانتماء العربي. فلا نبغي عنه بديلا و لا يصدنا عنه أفيلا عنجهيا.

و الخيمة بالنسبة لنا مرتع كرم الضيافة وأهمية الضيف، و هي فضلا عن ذلك السقف الذي منحنا الحياة و الحرية و طلاقة الوجه و بياض السريرة و لين العريكة.

و من الغريب أن يعاب علي شعب هذا مدى ارتباطه بثقافته العربية،بوجدانيه العربي الراسخ رسوخ الجودي و خاصة إذا اللائم من يفاخر بعروبته و يصدع بها جهارا…وإن ما تكن الصدور تعلوه أدران القطيعة الكبرى مع كل ما هو عربي أو يمت صلة بالثقافة و الحضارة العربية. و إلا منذ متى كانت روح البداوة كما زعم الشاتمون مأخذا يغل عنق العربي؟ منذ متى كانت الخيمة عند العرب والأنجاد الرحبة، و الرمال، و الصيد، والسيف و الرمح، و الجواد،و الحل و الترحال، و الشدو،و الشعر و الغناء،و الخطابة، و الليل و الإبل، و الغزلان، و الصقور، والآكام، والمغازي، و السرح و الرواح، و الغلو في الكرم، و….، منذ متى تبرأ العرب من هذه الصفـــات و تنكروا لحالهم و اتبعوا آثارا هم  عليها غرباء و من روحها برآء؟

عابوا علينا أننا غالينا في ضيافتهم حين اخترنا لهم من أنفس ما يقدم للضيف و قديما قيل:” إذا استزرت فلا تبقي و لا تذر”، فما استوعبوا أن خيمتنا هي أنفس ما عندنا.

عابوا علينا أنا هواءنا طلق، و أن حريتنا نستمدها من هيامنا في الطبيعة.

عابوا علينا أنا نسقي ضيفنا لبنا خالصا و عسلا صائغا وماء زلالا نستخرجه من بواطن كثباننا الرملية النقية المذهّبة.

عابوا علينا أنا لا نعرف الخمر، نكرهها، نحرمها، نبغض شرابها وناولها و لا نأوي علي أرضنا بائعها.

عابوا علينا أنا ما رأينا قطّ حشيشا ولا كوكايين و لا مارغوانا.

عابوا علينا أنا إذا ما صمنا نهارنا أفطرنا علي تمر نخيلنا و ألبان أنعامنا.

عابوا علينا أن فنادقنا أسست علي تقوى من الله فكان كل ما فيها من روح شرعنا المحمدي المحمود حمده.

قالوا….و تقولوا… و بادلوا…و تبادلوا…و تناجوا…وتغامزوا…ولووا أعناقهم الزجاجية… و أسروا الحديث… و نفروا كالحمر و نفّروا… و نقروا….أنا مرابع للصراصير و القمل و الضفادع، و البعوض.

إلا أنهم ما استطاعوا القول بأنا نألف الخنازير.

إلا أنهم ما اسطاعوا القول بأنا نربي كــلابا تكشر عن أنيابها كلما رأت طيفا مقبلا أو مدبرا، أما الضيف ما نظنه بشرا سويا إذا ما يريد الاقتراب من أوكار المتنكرين لعروبتهم.

ما استطاعوا القول بأنا لنــا عاهرات مشمرات عن أردافهن يتحرين من يسومهم الخبائث.

لن يستطيعوا مهما جمّعوا و ألبوا أن يرموننا بأن قسماتنا كاذبة،و أن صدرونا ضيقة، و أن أعناقنا قزمة، و أن أخدودنا مصعّرة ، و أنا نمشي علي الأرض مرحا في حين قلوبنا حاسرة واجلة علي غدنا الملعون بالتبعية و الانبطاح.

قالوا و لن يقولوا أنا مكب للنفايات

زعموا و لن يشهدوا بأنا نأكل مما تأكل الأنعام و نلبس أكفان الموتى و نبيت في الأزقة مع القطط الضائعة و البراغيث الضارية و علي الأرضيات المبللة بمياه الصرف الصحي.

تقولوا علينا و لو أصدقوا القول لقالوا أنهم لو يعلمون ثمن ما قالوا لقالوا أنا أكرم شعب و أنبل أمة و أصدق أمة و أبرع أمة و أتقى أمة، و أشجع أمة، وأثرى أمة ثقافة و علما و عملا، و أكبرها رفعة و همــة،و أعلاها عمادا و أنعدها نجادا و أكثرها رمادا و أحلاها حديثا و أطيبها ريعا، و أقلها بخلا و شحـــا.

لقالوا أنا شعب لا نبادر بالطعن من اخلف  و إذا ما طعنا فإن أقلامنا صارمة و بحور إتقاننا للغة العربية لا تكدرها الدلاء.

التحرير

اترك تعليقاً