هذا هو نص مقابلة ولد محمد فال مع موقع و صحيفة الأخبار (نص المقابلة)
نص المقابلة:
الأخبار إنفو: تمر اليوم الأربعاء الذكرى 11 لإطاحتكم بالرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع، ماذا تحقق من الأهداف التي وضعتموها في تلك الفترة؟
ولد محمد فال: بخصوص الحديث عن الأهداف، دعوني أقول لكم إن العديد من الأهداف التي وضعناها، وعملنا على تحقيقها، تمت بحيث لا يمكن التراجع عنها. باختصار هي أهداف استمرت لأنها لا يمكن التراجع عنها، وأخص بالذكر هنا ما يتعلق منها بالحريات العامة، وخصوصا حرية التعبير، وحرية الإعلام، إضافة للتعددية في مجال الآراء، وفي المجال السياسي. وهي من أهم الأمور التي عملنا عليها.
وإن كان ما وقع يوم أمس وخلال الأسابيع الأخيرة من اعتقالات وإدانات قاسية لشباب بسبب احتجاجهم السلمي يدفع للتخوف على هذه المكاسب التي كنا نظن ونأمل أن التراجع عنها أضحى مستحيلا، وأن الشعب الموريتاني لن يقبل التنازل عنها.
كما كانت هناك أهداف ومبادرات أخرى، قد تكون تمت قانونيا، وتقنيا، لكن التمرد الشخصي الذي عرفته البلاد 2008 قضى على العديد منها، وأفرغ أخرى من محتواها بحيث بقيت شكليا بعد إفراغها من مضمونها.
وأذكر هنا من الأمور التي عملنا على إقرارها، وتم إفراغها من محتواها، وبقيت شكلا دون مضمون، موضوع الشفافية في التسيير الاقتصادي، والشفافية في السياسة العامة للبلد، هذا المجال لا شك أنه طبق بشكل شكلي إلى أقصى درجة، وأفرغ من محتواه ومضمونه الإيجابي.
وفي مجال التعددية الإعلامية في البلاد، وترخيص الإذاعات والتلفزيونات الخاصة، حصلت خروقات أثرت على التطبيق، وخصوصا في ما يتعلق بالتلفزيونات، وهو ما جعل هذه التعددية تبدو شكلية فقط. فالتلفزيونات العمومية بقيت محتكرة من الحكومة، توجهها أينما أرادت، تنفتح على من أرادت لها الحكومة أن تنفتح عليه، وتحاصر من أمرتها بمحاصرته، بل وتسلطها على من أرادت لتهاجمه بصفة واضحة ومكشوفة، وتمنع الآخرين التعبير عن آرائهم من خلالها.
كما أن هناك – على الأقل – قناتين من القنوات التي تم ترخيصها منحت لجماعات – أو أشخاص – ينتمون للنظام، وتحت مظلته، بصفة واضحة، بل مفضوحة، ويوظفهم النظام بنفس الطريقة التي يوظف بها وسائل الإعلام العمومية، وهذا شكل انحرافا قويا عن أهدافنا التي رسمناها في مجال التعددية الإعلامية.
ولم تنج السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية “الهابا” من الانحراف عن مسارها الذي رسم لها أصلا، حيث كان يراد منها أن تكون حكما في المجال الإعلامي، وأن تدافع عن حقوق الجمهور في الإعلام، وحقوق وسائل الإعلام، أصبحت هي الأخرى آلة في يد السلطة تسيرها كما تشاء، ومواقفها تابعة للسلطة.
وهناك مؤسسة أخرى تم إنشاؤها آنذاك، وهي من أهم المؤسسات، وهي مؤسسة المعارضة، وتم وضع عدة شروط في الشخص الذي يتولاها، وهي:
أن يكون رئيس حزبه.
أن يكون حزبه حاصلا عن أكبر عدد من النواب المعارضين في الجمعية الوطنية.
ورصدت لها ميزانية كافية للقيام بأنشطة المعارضة، وتم إلزام الرئيس بلقاء رئيسها كل ثلاثة أشهر لنقاش الأوضاع في البلاد، بغض النظر عن موقفه من النظام، أو موقف النظام منه، كما تم إلزام الوزراء بتقديم أي توضيحات تطلبها المؤسسة حول الملفات التي يديرونها.
وكان الهدف من وراء إنشاء هذه المؤسسة هو أن يكون الشخص الأول من أحزاب المعارضة والثاني في الدولة بعد القوى الحاكمة مؤهلا لأن يكون بديلا للرئيس في أي لحظة، وأن يكون قد استعد لذلك، ومطلعا على الملفات والقضايا الوطنية الكبرى، وحتى الرأي العام لديه معرفة به واستعداد لتقبله لأنه يشكل الجزء الآخر من النظام، لأننا – فعلا – كنا نعمل على إيجاد تناوب جدي وسلمي على السلطة.
ورغم النصوص القانونية الصريحة في هذا المجال، فقد سلبت هذه المؤسسة من كل ما منح لها، كما تم تجميد إمكانياتها، وتم التعامل معها كمؤسسة معادية، ووضعت في خانة “المعارضة” – كما ينظر إليها محليا – ولم يتم التعامل معها كجزء من المنظومة الديمقراطية، وهذا خطأ من أكبر الأخطاء.
ومن المواضيع التي أود التوقف معه في حصيلة الأهداف التي عملنا عليها، هو موضوع إصلاح العدالة والحكم الرشيد، وقد وضعناهما معا في ورشة واحدة لتلازمهما، فالحكم الرشيد، وتسيير موارد البلاد الاقتصادية والبشرية من أبرز مواضيع إصلاح العدالة، بل هي العدالة بذاتها.
ورغم سن قوانين في هذا المجال، فأنتم ترون الآن كيف يسير البلد، وكيف يتحكم فيه شخص واحد، ويتدخل في كل التفاصيل بما فيها تفاصيل المشتريات لدى المحاسبين، وتفاصيل التسيير، كما تشكل الصفقات مظهرا آخر من مظاهر انتهاك هذه القوانين، حيث تمنح للأقرب ثم الأقرب، وعلى أسس الزبونية والولاء السياسي.
من الأهداف التي وصلنا إليها وما زالت صامدة إلى اليوم، موضوع التعديلات الدستورية التي تم إقرارها، وخصوصا ما يتعلق بفترات المأمورية الرئاسية وتحديدها، وعدم قابليتها للتمديد، وإغلاقنا لهذا المجال – لا أقول بشكل نهائي – وإنما بأقوى ما يمكن تصوره، وبشكل يصبح فتحه شبه مستحيل.
لقد كان الثالث من أغسطس 2005 مشروعا متكاملا، وكان يهدف لإقامة دولة قانون ومؤسسات في البلاد، وإنشاء نظام ديمقراطي قوي قادر على حماية نفسه، غير أن التمرد الشخصي 2008 أثر عليه كله، وما بقي منه كان شكليا، وذلك باستثناء الملفات التي كان القضاء عليها مستحيلا. وهذا هو ما أوصل البلد إلى ما وصله إليه.
الأخبار: هل يمكن أن تقدموا للقارئ نسبة مائوية – ولو تقريبية – لما بقي من مشروعكم 2005؟
ولد محمد فال: لا بد هنا من التفريق بين مستويين:
الأول مستوى الفكرة: وهذه يمكن القول أنه بقي منها 70 إلى 80% لدى الشعب الموريتاني، فقد أدرك الشعب أن الديمقراطية ممكنة، وأن الانتخابات الشفافة موجودة وممكنة كذلك، لقد قمنا بذلك وعشناه عمليا، هذا بالإضافة إلى الترسانة القانونية التي خلفها، فهي حتى ولو كانت معطلة فإنها موجودة، ويمكن لمن يأتي غدا أن يفعلها، ويبني عليها.
المستوى الثاني مستوى التطبيق، ويمكن القول إن النظام الحالي نظام ردة الفعل، أو “أقلتني، فأطحت بك”، لم يطبق من أهدافنا ولا 5%.
الأخبار إنفو: متى بدأتم التفكير عمليا في الإطاحة بنظام ولد الطايع؟
ولد محمد فال: لقد أدركت في العام 2003، وبعيد المحاولة الانقلابية التي وقعت في شهر يونيو أنه إذا لم تقع مبادرات سلسلة فإن الأمور قد تخرج عن السيطرة، لقد بدى واضحا لي أن النظام الذي كان قائما انتهى.
إن من لم يعش لحظات تلك المحاولة الانقلابية لا يمكن يفهم الوضع فهما صحيحا. لقد عشنا 48 ساعة في حالة فراغ سلطوي وسياسي، كما أنها كانت أول مرة يتواجه فيها الجيش الموريتاني بشكل مباشر، ويوجه جزء منه نيرانه إلى الجزء الآخر.
لقد كان وضعا خطيرا، ولو لم تتم السيطرة على الأمر خلال 48 ساعة لكانت البلاد انزلقت إلى حرب أهلية، لقد كنا على حافتها.
لقد اتضح لنا الخطر 2003، وتأكدنا منه 2004، وكان علينا أن ننقذ البلد، وأن نضعه على السكة، لأن البلد برمته كان يمكن أن يتحول إلى ضحية لتلك الوضعية التي كان يعيشها.
الأخبار إنفو: ألم تفكروا في القيام بمبادرة للإصلاح من الداخل؟ أو لنقاش الموضوع مع ولد الطايع؟
ولد محمد فال: لا، أبدا، وذلك لسبب بسيط، وهو أنه لم يكن هناك وعي أو إدراك لخطورة ما جرى ويجري، وبالتالي لم يكن من الوارد ولا من المجدي نقاش الأمر معه.
باختصار: لقد كان الوضع صعبا، ومزريا، والأخطر أنه لم يكن هناك وعي بخطورته، أو استعداد لتصحيحه، أو علاجه.
الأخبار إنفو: كيف خططتم للموضوع؟ ومتى حددتم ساعة التنفيذ؟
ولد محمد فال: التخطيط في حقيقته جزئيات تتطور مع الزمن، وكما ذكرت لكم فقد بدأ في 2003، بعد التوصل إلى قناعة بأن الوضع لا يمكن أن يستمر، وظل يتقدم ويتطور حتى وصل مرحلة الحسم في 2005.
وكانت الاتصالات فيه تتم حسب العلاقة والثقة. وللعلم فقد عرفت تلك المرحلة تزايد الأحاديث حول استحالة استمرار الوضع على ما هو عليه.
وهكذا تبلورت الفكرة، واتضح المشاركون الأساسيون في المشروع، وتحددوا بشكل نهائي، ولم يبق إلا التوقيت وكان ينتظر الفرصة المناسبة له، وقد حانت يوم 03 – 08 – 2005 أثناء وجود ولد الطايع في السعودية.
الأخبار إنفو: وهل واجهتم أي مشكلة أثناء تنفيذ الانقلاب؟
ولد محمد فال: في الحقيقة لم نواجه أي مشكلة، أو لنقل مشكلة حقيقية، كانت هناك مشكلة جزئية تتعلق برفض قائد أركان الدرك التعاون، بسبب أنه لم يكون جزءا من المشروع، أو لم يتم التشاور معه، أو لم يكن على علم بالموضوع، ولم تستغرق تسوية الموضوع سوى ساعات قليلة.
الأخبار إنفو: أين كنتم وقت تنفيذ الانقلاب؟
ولد محمد فال: كجزء من عملية التمويه، بقيت في المنزل حتى تمت الإجراءات الأولية الضرورية، والتي كان يجب أن تتم قبل أي مظهر عسكري في الشارع، وذلك كتوقيف بعض الشخصيات التي يتوقع أن تعارض المشروع، ثم غادرت المنزل لاحقا إلى قيادة أركان الجيش.
وفي الحقيقة، فما حدث كان أمرا نادرا، حيث حصل عليه إجماع عسكريا وشعبي وعفوي، ومنذ اللحظة الأولى، ويكفي أن الحكومة التي كانت قائمة استمرت في عملها عدة أيام حتى سلمت العمل للحكومة الجديدة، وهو ما يثبت أن الفكرة كانت ناضجة لدى كل الموريتانيين.
وعلى المستوى الدولي كانت هناك اعتراضات، لكنها كانت في أكثرها شكلية، لأن الجميع – تقريبا – كان يدرك أن النظام لم يعد قابلا للاستمرار، لقد كانت الوضع السياسي متأزما، وكان الوضع الاقتصادي في حالة مزرية، وكنا في قطيعة مع المؤسسات المالية الدولة، وكان لا بد من مبادرات لتدارك الوضع الاقتصادي والسياسي.
ورغم هذه الظروف التي استلمنا فيها البلاد، فقد جرت الأمور في النهاية بسلاسة ويسر، وتم التغلب على العقبات بسهولة.
الأخبار إنفو: هل تواصلتم مع شخصيات مدنية قبل تنفيذ الانقلاب؟ أو مع سفارات أو جهات أجنبية؟
ولد محمد فال: لا، أبدا، لم نتصل بأي مدني، ولا بأي سفارة أو دولة أجنبية.
الأخبار إنفو: أطلقتم على المجلس الذي تولى الحكم اسم “المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية”، من تولى اختيار هذا الاسم؟ وكيف تم إقراره؟
ولد محمد فال: أود أن أؤكد لكم أن العمل كان جماعيا، وتم خلاله طرح الاسم والاتفاق عليه، ولا أحبذ شخصنة الأمور طبعا، وقد تم التوافق عليه بعد تداول، وتم اختياره لسبب بسيط، هو أن العدالة والديمقراطية كانا القضية الأساسية التي يحتاجها البلد، للخروج من أزماته، وتحوله إلى دولة مؤسسات.
وقد علمنا خلال تلك الفترة في ظلال هذين العنوانين: العدالة والديمقراطية، وكانت كل الإجراءات والمشاريع التي أطلقت خلالها منطلقة منهما. لكن جاء التمرد الشخصي 2008 وألغى كل هذا.
ما قمنا به 2005 كان عملا جبارا، قام به كل الشعب الموريتاني، وقد حرصنا على أن لا يتم تمرير أي قرار قبل أن يتم الإجماع عليه، والقرارات التي كان يقع خلاف عليها كنا نعيدها للنقاش حتى يتم الإجماع عليها.
أنا حقيقة أعجب بل أتحير من موقف بعض الموريتانيين الذي يدعمون هذا النظام أو يدافعون عنها، كيف يمكن هذا! أن يأتي شخص ويلغي جهود شعب كامل، وبهذا الشكل الفج، ثم يجلس أمام الشعب ويقول: “لقد أقالني من منصبي فانقلبت عليه”، ثم بعد ذلك يتحدثون عن الفكر السياسي وعن التنظير لمشروع مجتمعي!
أتحير كثيرا عندما أسمع أحدهم يتحدث عن مشروع سياسي أو فكري أو مجتمعي لنظام التمرد الشخصي.
الأخبار إنفو: أعلنتم منع أعضاء المجلس العسكري والحكومة من الترشح في الانتخابات التي ستشرفون على تنظيمها، هل كان هذا الأمر محل إجماع داخل المجلس؟
ولد محمد فال: أؤكد لكم أن هذا المبدأ لم يعارضه أحد من أعضاء المجلس – على الأقل علنيا – كما لم يحدث – طيلة الفترة – أي اعتراض عليه.
لقد كان مبنى الفكرة هو؛ تنظيم فترة انتقالية تكون قطيعة نهائية مع ما كان يجري في البلد، من كل النواحي، وخصوصا الأسلوب والطريقة.
كانت فكرتنا الأساسية هي إقرار تناوب سلمي على السلطة، يثبت للشعب الموريتاني أن التناوب على السلطة ممكن، وأن يقع أمام الموريتانيين ويشاهدوه بالفعل، كان لا بد من التركيز على هذه القضية حتى يترسخ الأمر لدى الجميع، ويتأكد الكل أن الشعب الموريتاني لا يرفض التناوب، وأنه يريد الديمقراطية، وحتى تعود موريتانيا إلى الحكم المدني، وتتخلص من الحكم العسكري.
الأخبار إنفو: ألم يكن ما حدث انقلابا عسكريا صريحا، تماما كما وقع 2008؟
ولد محمد فال: لا، أبدا، ما جرى 2008 ليس مسبوقا في تاريخ البلد، صحيح أن البلد عرف عدة انقلابات، لكنها لم تكن أحادية، لم تكن تمردا شخصيا أقيل صاحبه فقام بردة فعل.
الانقلابات كانت تقع بسبب أزمة سياسية أو انسداد سياسي، فتقوم مجموعة من الجيش بإزالة النظام، وإقامة نظام جديد. في 2008 لم يكن شيء من هذا موجودا، كان هناك رئيس منتخب، أقال رئيس الحرس الرئاسي، فرد عليه قائد الحرس: “إما أن تعيدني إلى منصبي أو أنقلب عليك”، ومكث أسبوعا يتحاور معه من أجل التراجع عن القرار.
هذه قضية جنونية. هل يتصور أن يقبل أحدهم التعاطي معه هذه القضية أو التعايش معها، لا يمكن تصور ذلك.
في 2005، كان الجيش مجمعا على الموضوع، أما في 2008 فالجيش لم يكن معنيا بها، ولا مسؤولا عنها، وما وقع لم تكن بالتشاور معه أحرى أن يكون بإجماعه. لقد كانت وضعية شخصية لا أقل ولا أكثر.
الجيش الموريتاني بريء منها، وهو غير مسؤول عنها، ولا عن التسيير الذي وقع بعد ذلك، ولا عن التسيير الجاري اليوم، لقد قام الجيش بما قام به في 2005، وفي 2008 سلبت منه القضية، كما سلبت من الشعب الموريتاني من طرف التمرد الشخصي.
الأخبار إنفو: لنبدأ أسئلتنا في الموضوع الحالي، عن موضوع الساعة، حيث يعود الحديث عن الحوار السياسي للواجهة كل فترة، كيف ترون موضوع الحوار السياسي في البلاد؟
ولد محمد فال: في بداية العام 2015 أصدرت بيانا أكدت فيه أنه لا فائدة من الحوار مع النظام الحالي، بل لا يمكن أن يكون هناك حوار جاد في ظل النظام الحالي. كانت تلك هي القناعة النهائية بالنسبة لي. وأود هنا أن أسأل: ما هو موضوع الحوار الذي يجري الحديث عنه؟
لقد قال رأس النظام الحالي إنه رئيس منتخب، وقال إنه سيحترم الدستور، والدستور واضح، فعلى ما يتحاور المتحاورون.
لقد قام الرجل بتمرد شخصي، واستمر فيه إلى الآن، وعليه أن يرحل 2019، فلماذا نتحاور معه حول قضية يفرضها الدستور والقوانين، وهو قال إنه سيحترمها.
ثم إن هذه مسألة قانونية وحق للشعب الموريتاني لا يمكن التنازل عنه، وإذا وقع الحوار حولها فهي مرحلة تنازل مجانية عن موضوع يشكل حقا للشعب الموريتاني، ومسألة محسومة دستوريا.
وإذا كان مجرد احترام الدستور والقوانين يحتاج إلى حوار، فلا شيء يرجى في هذا البلد، ولا قواعد ولا قوانين تحكم اللعبة السياسية فيه.
لماذا نتحاور حول نقطة تشكل مسلمة، ومكسبا للشعب الموريتاني وللطيف السياسي، وحتى رأس النظام قال إنه سيحترمها. قبولنا للحوار حولها يعني دخولنا في متاهة، وتوقيعنا لهذا الشخص ولنظامه أن من حقه أن يفعل ما يريد، وحين نقبل ذلك لا معنى لأن نتحاور معه.
ودعني أؤكد لكم أن مبدأ الحوار على هذه النقطة غير مقبول ولا وارد.
ثم إن النظام الحالي لا يمتلك أي عامل يجعل الحوار معه مجديا، فهو جاء بتمرد، واستمر بتمرد، ويريد لكل الأمور أن تسير بتمرد، لقد تمرد 2008، وتمرد 2009، وتمرد 2014، ومن يضمن أن لا يتمرد 2019! إذا الحوار مع هذا النوع من الأنظمة وفي هذه الظروف غير مجد ولا مفيد.. ولا يمكن أن تكون له نتيجة.
وإذا كان لا بد من حوار فليكن من أجل إنهاء التمرد، وإعادة الشرعية قبل انتهاء المأمورية الحالية.
الأخبار إنفو: في مواضيع الساعة، هناك موضوع آخر، وهو موضوع القمة العربية، التي استضافتها موريتانيا خلال الأيام الماضية، ويتم تقديمها باعتبار نجاحا للدبلوماسية الموريتانية، كيف ترون هذا الموضوع؟
ولد محمد فال: هل يمكنهم حقا أن يتحدثوا عن النجاح الدبلوماسي؟ كيف يجرؤون على ذلك وقد عرضوا البلاد لأن تكون مادة للسخرية في الإعلام العربي والإفريقي بل والعالمي، واستضافتها في الأصل البلاد عن طريق الترتيب الأبجدي، وبعد اعتذار المغرب عن استضافتها.
لاستضافة القمم عادة فوائد دبلوماسية وسياسية، ولها تأثيرها الإيجابي في علاقات الدول، ولا يوجد أي بلد يرفض استضافة قمة إلا إذا كانت قمة مشاكل.
كان علينا ما دامت القمة قد وصلتنا – حسب الترتيب الأبجدي – أن نشغل عقولنا، وأن نؤكد قبولنا لها، لكن نطلب تأجيلها حتى العام القادم لنحضر لها بشكل جيد، وهو أجل يمنحه لنا القانون. لكننا لم نستفد من ذلك، واخترنا التحضير لها خلال شهرين أو ثلاثة، لقد قفزنا، وقلنا سننظمها في موعدها، وهذا تصرف لا يقوم به إلا غبي إلى أقصى درجة.
لقد كانت قمة غير محضر لها سياسيا، ولا اقتصاديا، ولا لوجستيا، كما لم تكن البلاد مستعدة لها على أي مستوى من المستويات، وخصوصا البنية التحتية.
أنا أتساءل أين دور دبلوماسياتنا في استضافتنا للقمة، وهي جاءتنا بعض رفض المغرب لها، وكان وصولها لنا بسبب ترتيب الأحرف الأبجدية. إنما لم تقدم بأي جهد في ذلك. لقد جاءتنا بشكل غير طبيعي، ونظمنها بشكل ارتجالي، وعرضتنا لمواقف غير مناسبة، وجعلت بلادنا مصدرا للسخرية والتنكيت حول العالم.
لقد النتيجة حضور 5 إلى 6 رؤساء من 22 دولة، أين المكسب السياسي في هذا؟ لا يمكن أن يصف هذا بأنه مكسب سياسي إلا من يتملق لنظام مثل النظام الموجود عندنا!.
هذا عن مستوى الحضور والمشاركة، وعلى مستوى القرارات، لم يصدر عن القمة أي قرار سياسي، سواء كان لصالح العرب أو لصالح موريتانيا.
للأسف لم تربح موريتانيا من تنظيم القمة أي شيء. بل خسرت الكثير، دعونا نتأكد من ذلك، وذلك على عدة مستويات:
المستوى الأول: التصنيف الذي نالته موريتانية في الإعلام العربي: فقد وصفت من طرف الإعلام اللبناني بأنها “قمة بلا قيمة، وبلا قرارات ولا رؤوس”، أما الإعلام المصري فقد صنف البلاد بأنه بلا أمن، حيث برر غياب رئيسهم بأن الأمن في البلد لا يمكن أن يؤمنه. وللأسف تم توصيف موريتانيا بأنها أرض القمامات والأوساخ.
وعلى المنوال ذاته سار الإعلام الإفريقي والعالمي، حيث وصفها بأنها قمة فاشلة من حيث الحضور، ومن حيث القرارات.
المستوى الثاني: استفاضة الضيوف في منازل خصوصية: وهي سابقة في تاريخ القمم، وعودة لعصر البداوة، وهي صورة مسيئة قدمت عن موريتانيا للعالم عن عجز الدولة عن توفير أماكن لاستضافه المشاركين في القمة.
المستوى الثالث ابرتوكولي: وهي أنه كان يفترض أن تتسلم موريتانيا رئاسة القمة من رئاسة الدولة التي كانت ترأس الدورة السابقة، وفي حال غياب رئيسها فيجب أن يتسلم المسؤول الموازي رئاستها من المسؤول القادم لتسليمها.
وقد حدثت هذه القضية في تونس 2004 بعد غياب البحرين، وفي سوريا بعد ذلك، وهو ما كان محل قرار من الأمين العام للجامعة العربية، حيث قرر أن لا يستلم أي رئيس الرئاسة الدورية للقمة من مسؤول أدنى منه مستوى. لكن موريتانيا استلمت الرئاسة من الوزير الأول المصري، وهو ما يعكس دناءة تمثيل البلد، وعدم منحه الاحترام اللازم.
ولا يمكن هنا تجاهل منع أبرز وسيلتين إعلامتين مستقلتين في البلد من تغطية القمة، ومضايقة مراسليهما، وهو ما يعتبر انتكاسة في مجال الحريات الإعلامية.
وهناك موضوع آخر زايدوا فيه كثيرا، وهو قولهم إن القمة كانت محل إجماع وطني في موريتانيا، هذه مغالطة كبيرة وتزوير، صحيح أن المعارضة لم ترد أن تشوش على القمة، وهو موقف مسؤول، لكن ذلك لا يعني ذلك رضاها عنها، أحرى إجماعها عليها.
وأعود الآن إلى السبب الحقيقي الذي دفع النظام لقبول استضافة القمة العربية، السبب هو أن النظام كان في وضعية سياسية صعبة، ووضعية اقتصادية أصعب، وكان يظن أن استضافة القمة العربية يمكنه أن يفيده في هذا المجال، وأن يعيد له الألق الجماهيري الذي يفتقده أصلا.
وقد قبل استضافتها، ثم ذهب يتسول، ويأخذ المبالغ المالية لتسوية مشاكله الداخلية، وحتى الآن لم يعرف سقف المبالغ التي تحصل عليها، ولا الطريقة التي تم إنفاق هذه الأموال بها. لقد تم منحها عبر صفقات شخصية مشبوهة، وعن طريق التراضي، ومن دون أي شفافية.
ولعلكم لاحظتم أن أكثر من طلبت منهم خدمات خلال القمة لم تقدم لهم المبالغ المالية اللازمة ولا تعويضاتهم إلى اليوم، وفيهم موريتانيون وأجانب، وقد اضطر بعضهم للاحتجاج للفت الانتباه إلى وضعه، والمماطلة التي كان ضحية لها.
دعونا نتساءل: ماذا ربحت موريتانيا من تنظيمها للقمة العربية؟ الجواب: طبعا، لاشيء.
صحيح، أنه قد يكون استفاد بعض الأشخاص من العائدات المالية للقمة لكن ذلك على حساب سمعة البلاد، وصورته في الخارج، هذه هي الحقيقة المرة. للأسف.
وخير دليل على ذلك أنهم يرضون الآن من الإنجاز بأن يقولوا إن موريتانيا استطاعت استضافة القمة دون ادعاء أي نجاح أو إنجاز من وراء هذه الاستضافة.
وقبل هذا كانت رئاسة الاتحاد الإفريقي، وقد وصلتنا بطريقة مشابهة لهذه حيث لم يكن للدبلوماسية الموريتانية أي دور فيها، وستنتهي هذه الرئاسة كما انتهت سابقتها، ويكفي دليلا على فشلها أن موريتانيا أثناء رئاستها فشلت حتى في الحصول على مقعد ابروتوكولي مناسب في مؤتمر الفرانكفونية في داكار. وهو ما جعلها تنسحب في ردة فعل غاضبة، وغير مناسبة.
ولعل من المناسب أن تنسحب موريتانيا من الرئاسة الحالية، وتعتذر عن رئاسة الجامعة قبل أن يكون سببا في خطئ آخر يحرج البلد، والإساءة إلى صورته الخارجية.
الأخبار إنفو: في موضوع ذي علاقة، كيف ترون علاقات موريتانيا الخارجية، وخصوصا بدول الجوار؟
ولد محمد فال: ما يجري في موريتانيا منذ 2008 لا تحكمه أي قاعدة، ولا ينتظمه أي منطق، إن قفز متواصل دون أي قاعدة أو منطق، وتتحكم فيه ردات الفعل أكثر من أي شيء آخر، وإذا وقع أي حادث أو قضية ينهمك فيها ويندفع دون تفكير ولا تخطيط، وقاعدته في العلاقات مع الجوار، “فاتنتني، وفاتنتتك”، اختلفت معي واختلفت معك.
راجعوا السياسة الخارجية الموريتانية خلال السنوات القليلة الماضية، ستجدون أنها لا يحكمها أي منطق، ولا تفكير، ولا تخطيط.
افتعال الأزمات المتكرر مع دول الجوار له دور سلبي على البلد، وعلى مواطنيه، ولا يخدم أي مصلحة، كان من الواجب أن تكون أولوياتنا في العلاقة المتوازنة مع دول الجوار قبل أي شيء آخر. وهي المقياس الحقيقي للنجاح الدبلوماسي، وتوتر العلاقات مع دول الجوار دليل صارخ على حجم الفشل الدبلوماسي.
الأخبار إنفو: وكيف ترون الوضع الاقتصادي في البلاد؟
ولد محمد فال: بكلمتين: البلد مفلس. كل الشركات الوطنية مفلسة، والعلاقة بالمؤسسات المالية الدولية وصلت إلى طريق مسدود، وحتى الشركات العمومية تعاني هي الأخرى من الإفلاس، شركة اسنيم، شركة صيانة الطرق، شركة النقل، شركة الطيران، كلها تواجه أوضاعا اقتصادية صعبة.
والأسعار تواصل ارتفاعها، وغلاء المعيشة يطحن المواطنين، حيث سجلت البلاد أعلى معدل في غلاء المعيشة في المنطقة، والمداخيل تتراجع، والضرائب ترتفع، وكل من تلقاه يشكو له الحال، ويكشف لك حالة عموم المواطنين.
بصراحة: لم يبق للحكومة الحالية من مداخيل إلا الضرائب، القطاع الخاص توقف بشكل شبه نهائي.
دعك، من الوضعية السياسية، واستهداف الخصوص السياسيين، والإضرار بالمستثمرين المحليين.
الأخبار إنفو: وكيف ترون أزمة الحكومة واتحاد أرباب العمل؟
ولد محمد فال: هذه قضية بسيطة، تتعلق بمؤسسة وطنية لها قانون هو الذي أمورها، وكان من اللازم أن تترك تسير أمورها بشكل قانوني، وإذا كان سيتم التدخل في قضاياها فليكن ذلك بشكل قانوني.
أما حين يستدعي الوزير الأول أعضاء مكتب اتحاد أرباب العمل ويأمرهم، ويهددهم فحينها لا يمكن الحديث عن القانون.
لقد انتقلت القضية من قضية مؤسسة إلى قضية شخصية، رفض للشخص، وامتناع عن التعامل معه، وذلك بسبب أن هذا الشخص لم يرض أن يقوم بشيء قد يكون في مصلحة النظام لكنه لا يخدم البلد وليس في مصلحته، ولما رفض أصبح معزولا، وتم الضغط عليه، ومضايقته بكل أنواع المضايقة.
الأخبار أنفو: وكيف ترون الاستثمارات الأجنبية في البلاد، وكذا أزمة الحكومة وتازيازت؟
ولد محمد فال: بخصوص أزمة الحكومة وتازيازت، فقد قدمت الحكومة مبررا لهذا الأزمة تمثل في مرتنة الوظائف، وهنا يكون من الوارد السؤال: تازيازت تعمل في البلاد منذ 9 سنوات، والحكومة تتعاطى معها بشكل طبيعي، فما الذي استجد خلال الفترة الأخيرة لتطرح الحكومة قضية المرتنة؟ وأين كانت المرتنة كل هذه السنوات الماضية؟
كما سرحت الشركة خلال السنوات الماضية المئات من العمال الموريتانيين فأين كانت الحكومة حينها؟
فجأة تدخل الحكومة مقار الشركة وتقول لها هؤلاء عليهم أن يغادروا، وهؤلاء لن نسمح لهم بالدخول! من الواضح أن هذه ليست هي القضية، لو كانت المرتنة هي القضية لظهرت قبل سنوات، هناك قضية أخرى، وأسباب أخر.
وهذه الأسباب ذكرناها بالتفصيل في الرسالة التي وقعتها مع زعماء المعارضة وأرسلناها للمدير العام لشركة “تازيازت” وهي أنه كان هناك تعامل، وتفاهم بين الشركة وبعض المسؤولين والرسميين على أسس مصالح شخصية وليست وطنية.
وأخشى أن تكون هذا التعامل المشبوه، ووصول الأمر لسقف جعل الشركة ترفضه هو الدافع وراء عملية الابتزاز التي كانت المرتنة مجرد عنوان لها هذه المرة.
الأخبار إنفو: يعود الحديث عن الحوار للواجهة مجددا، كيف ترون موضوع الحوار السياسي في البلاد؟
ولد محمد فال: في بداية العام 2015 أصدرت بيانا أكدت فيه أنه لا فائدة من الحوار مع النظام الحالي، بل لا يمكن أن يكون هناك حوار جاد في ظل النظام الحالي. كانت تلك هي القناعة النهائية بالنسبة لي.
وأود هنا أن أسأل: ما هو موضوع الحوار الذي يجري الحديث عنه؟
لقد قال رأس النظام الحالي إنه رئيس منتخب، وقال إنه سيحترم الدستور، والدستور واضح، فعلى ما يتحاور المتحاورون.
لقد قام الرجل بتمرد شخصي، واستمر فيه إلى الآن، وعليه أن يرحل 2019، فلماذا نتحاور معه حول قضية يفرضها الدستور والقوانين، وهو قال إنه سيحترمها.
ثم إن هذه مسألة قانونية وحق للشعب الموريتاني لا يمكن التنازل عنه، وإذا وقع الحوار حولها فهي مرحلة تنازل مجانية عن موضوع يشكل حقا للشعب الموريتاني، ومسألة محسومة دستوريا.
وإذا كان مجرد احترام الدستور والقوانين يحتاج إلى حوار، فلا شيء يرجى في هذا البلد، ولا قواعد ولا قوانين تحكم اللعبة السياسية فيه.
لماذا نتحاور حول نقطة تشكل مسلمة، ومكسبا للشعب الموريتاني وللطيف السياسي، وحتى رأس النظام قال إنه سيحترمها. قبولنا للحوار حولها يعني دخولنا في متاهة، وتوقيعنا لهذا الشخص ولنظامه أن من حقه أن يفعل ما يريد، وحين نقبل ذلك لا معنى لأن نتحاور معه.
ودعني أؤكد لكم أن مبدأ الحوار على هذه النقطة غير مقبول ولا وارد.
ثم إن النظام الحالي لا يمتلك أي عامل يجعل الحوار معه مجديا، فهو جاء بتمرد، واستمر بتمرد، ويريد لكل الأمور أن تسير بتمرد، لقد تمرد 2008، وتمرد 2009، وتمرد 2014، ومن يضمن أن لا يتمرد 2019! إذا الحوار مع هذا النوع من الأنظمة وفي هذه الظروف غير مجد ولا مفيد.. ولا يمكن أن تكون له نتيجة.
وإذا كان لا بد من حوار فليكن من أجل إنهاء التمرد، وإعادة الشرعية قبل انتهاء المأمورية الحالية.
الأخبار إنفو: ترتبطون بعلاقات جيدة مع مكونات المعارضة، وخصوصا منتدى المعارضة، هل ناقشتم معهم هذا الموقف من الحوار؟
ولد محمد فال: أنا أتكلم هنا للشعب الموريتاني ككل، صحيح أن تموقعي المعارض يجعل لي علاقة طيبة بكل الطيف المعارض من أجل الوصول إلى الأهداف المشتركة، لكن كلامي موجه لكل الموريتانيين.
وحين أتحدث أتحدث لكل من تهمه مصلحة موريتانيا، وللموريتانيين ككل، سواء من هم في المعارضة، أو من يصفون أنفسهم بأنهم الأغلبية أو الأكثرية – وإن كنت لا أعتبرهم أكثرية – لأن أغلبية الشعب الموريتاني هي الأغلبية الصامتة، وليست معهم.
الأخبار إنفو: عرفت المنطقة عدة حوادث أمنية خلال الأسابيع الأخيرة، كيف ترون هذه الأوضاع في موريتانيا وفي جوارها؟
ولد محمد فال: صحيح، أن هناك أحداث أمنية تجري على الحدود، وواضح أنها يجري غير بعيد من الحدود الموريتانية وهو ما يجعلها معنية بها، لأن القائمين عليه يقيمون على الحدود، ولهم علاقاتهم اليومية العابرة للحدود.
لكن لماذا نذهب إلى خارج البلاد لرصد النقاط الأمنية الخطيرة، وهناك قضايا في الداخل أخطر، لا شك أنكم تابعتم موضوع حوادث نبش القبور التي وقعت هنا، لقد وقعت حوادث من هذا النوع، حيث تم تحطيم قبور تشكل مزارات يعظمها عدد كبير من الموريتانيين.
من بينها الحالة التي حصلت لقبر ومزار أحمد بزيد، وقبر ومزار المرابط محمذن ولد متالي، ومقربة ترتلاس. هذه توقيع واضح يحمل بصمات بوجود تنظيم ينتمي لأحد التنظيمات الأصولية كداعش أو القاعدة، ولم يحصل نوعه إلا في المناطق التي تسيطر عليها هذه الجماعات كما حصل لتماثيل بوذا في أفغانستان، وللمقابر في شمال مالي.
لقد تم التعليق على هذا الأحداث من رابطة العلماء الموريتانيين، لكنه كان تعليقا باهتا، يكشف الاعتراف الرسمي بالحوادث دون التعاطي معها بما يلزم.
هناك أيضا عملية استهداف البنك قرب سوق المغرب، والتي أعلن منفذوها أنها جاءت تقربا إلى الله، ولمحاربة الربا، وقبل ذلك تهريب السجين السالك ولد الشيخ من السجن المركزي بنواكشوط رغم أنه محكوم بالإعدام ومع ذلك تم تهريبه خارج البلاد.
وهناك اعتقال قيادي في جماعة “بوكو حرام”، والذي اعتقلته موريتانيا وسلمته إلى السنغال، وكان يسعى لإقامة معسكر تدريب لهذه الجماعة في موريتانيا، وهناك آخر من القاعدة قبض عليه في الرياض وسلم إلى مالي.
وهذا قليل مما يقع ويتم التعتيم عليه. المنظمات الإرهابية تغلغلت في هذا البلد.
كما أن الرأي العام الوطني والمواطنين العاديين أصبحوا يلمسون هذا الوجود ويتحدثون عنه بشكل واضح.
الأخبار إنفو: هل لهذه المعطيات علاقة بما تحدثت عنه إحدى الوثيقة التي عثرت عليها الولايات المتحدة الأمريكية في مخبئ بن لادن وتتحدث عن اتفاق بين القاعدة وموريتانيا؟
ولد محمد فال: “لا يمكن أن أكون ملكيا أكثر من الملك”، هذه الوثائق صادرة عن الولايات المتحدة الأمريكية، وقد أكدت صحتها، وعندما سئل عنه أبو حفص الموريتاني وهو الرجل الثاني في القاعدة وكان يدرس أبناء بن لادن أكد أن الشق المتعلق به منها صحيح.
كما تحدث عن ذلك القيادي في القاعدة يونس الموريتاني، والمعتقل الآن في موريتانيا، وتم نشر الموضوع في الإعلام، حيث أكد أن قيادة القاعدة وصلتها رسالة من فرعها في المغرب الإسلامي حول موضوع الاتفاق مع موريتانيا، وذلك بسنتين قبل تسريب وثائق بن لادن.
الأخبار إنفو: تحدثتم كثيرا عن تراكم الأزمات في البلد، وتوتر الأوضاع فيه، أين الحل؟
ولد محمد فال: الوضع الحالي في البلاد، كانت نتيجة تراكم أزمات منذ 2008، فهناك أزمة منذ ذلك الوقت وهي مستمرة إلى الآن.
ورغم أن البلد كان حينها في وضعية اقتصادية مريحة، لكن تصرفات النظام الأحادية وغياب التخطيط والارتجالية في التسيير أدت للانتقال من تلك الوضعية إلى أسوأ وضعية سيئة.
كما نقل البلاد من مرحلة مديونية شبه معدومة إلى بلد مدين بأكثر من 4 مليارات دولار، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ البلد، حيث لم يصل الدين الموريتاني – حتى في فترات كانت مواردها محدودة – إلى هذا المستوى.
وقد انضافت لهذه الأزمات القائمة، أزمات أخرى ناتجة عن تصرفات النظام، وعن انتقامه من خصومه السياسيين، وشركائه الاقتصاديين، وهذا ما جعل الجميع يحذر من الوضع الذي وصلته البلاد، وأدى لتوقف العديد من المجالات الاقتصادية.
كما انضاف إلى الأزمة السياسية الداخلية أزمة نزع الثقة داخليا من النظام، الملفات التي كان يزايد بها على الشعب تآكلت، وفقدت سمعتها وبريقها لدى الشعب، وأصبح أضعف من أي يقدم أي خدمة للشعب، وأضحى الأمر أكثر خطورة في ظل انعدام الثقة الدولية.
والحل الوحيد الآن هو إزالة النظام الحالي بشكل سلس إن كان ذلك ممكنا، وإن قبل أن يفهم أن تماديه سيعرض البلاد للخطر، وإذا لم يقبل فعلى الموريتانيين أن يقوموا بذلك، وكل ما نرجوه أن يكون بشكل سلس، وأن لا يعرض البلاد للانتكاسة ولا للخطر.
الأخبار إنفو: أخيرا، عرفت البلاد تزايد الدعوات العرقية والفئوية في السنوات الأخيرة، كيف ترون هذا الموضوع؟
ولد محمد فال: هذه نتيجة طبيعية لغياب الدولة، وغياب الرؤية الوطنية، غياب رؤية تجمع الكل، على أساس مواطنة حقيقة وعادلة، يحكمها القانون ويحترمها الجميع.
كما زاد منها عجز النظام الحالي عن تقديم آليات تطمئن المواطنين، ودفعهم ذلك للبحث عن انتماءات أخرى قد توفر لهم الآمان، وهذا كثيرا ما يحدث في وضعيات مشابهة، حيث يعود الناس لانتماءاتهم الإثنية، والقبلية، والجهوية، وذلك بحثا عن الأمن.
وينتج عن ذلك حصول تناقضات بين الفئات، ويصبح الكل يتسابق لوضعية لا يدري ما هي. وعلى كل فالنظام الحالي هو من أوصل البلاد لهذه الوضعية، وعلاجها في إعادة الاعتبار للدولة، ولعدالتها وقانونها.
المصدر : الظارئ