من المهم بمكان أن يتوجه المريض السقيم إلي مرفق صحي ليتلقى العلاجات اللازمة أو علي الأقل علي العناية التي تخفف عنه آلامه و تبعث في روحه أمل الحياه و زوال السقم. غير أن المريض الزائر لمستشفى النعمة يصاب بالخجل الشديد لمّا يتراءى له عند أول وهلة أنه إنما يدخل إلي نقطة صحية شاردة في أعماق موريتانيا، أو عيادة بيطرية خاصة بالقطط و العنزات السائبــة.
فمثلا تخيلوا مستشفى جهويا تعوز فيه الوسائل أيقظ و أقدر طبيب لكي يقدم العلاجات المستعجلة لمرضاه
بل تخيلوا مستشفى جهويا يحتوي علي جهاز تصوير بالأشعة لا يمكن استخدامه إلا بتدخل من أكثر من ذراعين لمسكه و رفعه و تثبيته حتي يتمكن فني التصوير بالأشعة من التصوير.
تصوروا مستشفى جهويا (( الطراز الأول علي مستوي الشرق)) ليس يحتوي سوى علي أسرة متناعسة و عبوسة في وجه مستخدميها، و هذه الأسرة هي الشاهد الوجيه علي أن المريض في حضرة مرفق صحي (ربما فقط للبشر).
مستشفى يعتبر أول مرفق صحي بالولاية. و رغم ذلك يخلو من أبسط الوسائل الحديثة للتشخيص و التحليل والتصوير و الجــس و العلاجات الأولية و التخدير و التشريح.. أما عن الأمراض العصبية و الكلى فحدث و لا حرج…. أجهزة متقادمة جدا ، متآكلة جدا، مغبــرّة جدا، ميتمة و مرمّلة جدا نتيجة الحرارة و طبقات الغبار المتراكمة في ظل الغياب التام و الممنهج للتهوية و التكييف الذين إن وجدا لن يستغلا حرصا علي احترام سياسة التقشف في ما يخص فاتورة الكهرباء…و الماء.
غرف حجز ( أو حجر) مظلمة – الضوء مصدر قلق و صداع و ارتفاع الضغط للمرضى لا تنصح به مصالح مستشفى النعمة الجهوي- و حتي بيت غسل الأموات( ما أحوج المرضى إلي بيت للنظافة) أشد ظلاما و خالي حتي من القطن و مواد التعقيم.
الأخطر من ذا كله و من غير المعقول مطلقا افتقار مستشفانا الجهوي إلي جهاز مصدر للإنعاش. فكم من واحد قضى تحت وطأة عجز في التنفس و تعطل في وظائف القلب و الدماغ لم يشفع له الإنعاش الإصطناعي، الوسيلة الوحيدة المتاحة لأطبائنا… و تأكيدا علي هذا نشير إلي أنه في ليلة الإثنين 4 يوليو الموافق 28 رمضان 2016م|1437هـ، دخل إلي الحالات المستعجلة بالمستشفى مريضان : إمرأة دون الأربعين تعاني نوبة في التنفس ( ضيق التنفس)، و رجل سبعيني مصاب أصلا بقصور كلوي و ضيق في التنفس. و رغم استعداد طبيب المداومة و جهوزيته معنويا و أخلاقيا و مهنيا و اعتماده كل معارفه و خبراته و الوسائل المادية المتاحة(لم توجد أصلا)، و بعد استنجاده استجلاب جهاز ضخ الأكسجين من جناح العمليات و الذي أخبر بتعطله الكامل، قضي المريضان كليهما تبـاعا في فاصل زمني أقل من ساعة و نصف. أيقبل هذا الأمر في مستشفى جهوي و في ولاية المخزون الإنتخابي الأولى، ولاية الخطابات التاريخية..و الجغرافية و الفيزيائية و الفضائية لكل رؤساء موريتانيا المتعاقبين؟
أيسكت المواطنون طويلا علي هكذا أوضاعهم الصحية المزرية؟
أيصبر المرضى طويلا علي عجز مرافقهم الصحية و عدم مبالاة القائمين عليها ، مباشرين أو غير مباشرين؟
أيعقل أن يعجز مرفق صحي في عالمنا اليوم عن إحتواء أيسر وسائل للعلاجات السريرية و خاصة إذا كان دخلة اليومي يعد بعشرات مئات آلاف أوقية و ميزانيته من أضخم الميزانيات الجهوية؟
أمن المنطق أن تقعّر جيوب ذوي المرضى و يبقى مرضاهم محتجزين في الظلام و القرّ و لسع الباعوض و مواء القطط, ودبيب الصراصير و النمل؟
أهو مستشفى يقينا أم أنها مصحة للقطط؟