رأي صوت الشرق| حاجتنا إلي أطباء و مربين لا إلي …تجار خردوات

  يوضح الميثاق الذي وضعه أبقراط “الملقب بأبي الطب”أهم القواعد التي يجب علي ممتهن الطب الالتزام بها عند ممارسته لمهنته. و إليك ترجمة مختصرة لنصه:

” أقسم بالإله الطبيب وبإله الشفاء والصحة (…) على أنه قدر استطاعتي وتقديري سأحافظ على هذا الميثاق(…)، متبعا قدر استطاعتي وتقديري ما فيه منفعة المرضى، و‎إبعادهم عما يضرهم أو يسيء إليهم، وألا أعطى دواءً قاتلاً لأي إنسان يطلبه أو أشير به،(…) وبكل نقاء وطهارة سأمضي حياتي وأمارس عملي،  وإذا دخلت منزلاً فيكون لمنفعة المرضى، متجنباً كل مايسىء إليهم(…) وألا أغوى نساءً أو رجالا. ومادمت متمسكاً بهذا القسم لا أحيد عنه فلأستمتع بالحياة وأمارس مهنتي محترماً دائماً من الناس، أما إذا تجاوزت أو انتهكت هذا القسم فليكن نقيض ذلك من نصيبي”.

ونجد أن هذا القسم هو منبع (أساس) كل قسم وضعته الهيئات الصحية على مدى العصور كالقسم الذي يؤديه الطبيب في عصرنا الحالي قبل بدء مزاولته لمهنته .

 ولما كان اهتمام الطب في العصور السابقة يعنى   بإتباع دستور ومنهج لأخلاقيات معينة، فإن  الاحتياج للأخلاقيات في عصرنا الحديث أصبح أكثر تزايدا و ذلك لعدة أسباب نورد من بينها طفرة المعلومات البيولوجية و التقنيات الطبية المستحدثة في مجالات التشخيص و العلاج ، و الازدياد المطرد لكلفة العلاج و دخول تقنيات عالية الكلفة و الجودة في ظل انحسار للإنفاق الحكومي و هو ما يعرض الطبيب لاختبارات عملية  و خلقية تتطلب الكثير من الصبر و الجلد.و من جهة ثالثة، فإن التنافس الحاد بين الأطباء و محاولاتهم تسويق خدماتهم الطبية فضلا عن تزايد  التهافت علي المكاسب المادية ، كل هذا يؤدي حتما في النهاية إلي افتقار  أطباء كثير إلي القيم الأخلاقية. , أخيرا يتحتم علي الطبيب إتباع دستور عملي و منهج أخلاقي يليق بالمهنة نظرا لانتشار الوعي في المجتمع ونشر الثقافة الطبية و القانونية عبر وسائل الإعلام بشتى أنواعها. هذا الوعي هو ما يجعل الطبيب عرضة للمساءلة القانونية و الجنائية في كثير من التصرفات التي تنتهك حقوق المرضى و المجتمع و الــدولة حتى.

و عليه ، يجب علي الطبيب أيا كان أي يعي بأن عليه واجبات و آداب  اتجاه  مرضاه بل اتجاه المجتمع ككل ( Obligations towards the society) و هو مجبور علي التقيد بها ما دام قد اختار هذه المهنة الحساسة  و الخطيرة جدا .  فمن واجبات الطبيب و آدابه  أن يخلص النية لمرضاة الله أولا و خدمة  المحيط الذي يعيش في كنفه بكل ما أوتي من إمكانيات و طاقة  تحت أي ظرف و في جميع الأحوال. و من واجباته أن يكون قدوة حسنة يلتزم بالمبادئ و المثل العليا، أمينا علي حقوق مواطنيه في الحصول علي الرعاية الصحية الضرورية، منزهــــا، شهما، متساميا عن استغلال مرضاه و ذويهم. ينتظر من الطبيب المساهمة في حل مشكلات مجتمعه الصحية، و أن يصرف كل ما يمتلك  في خدمة مجتمعه، يبذل طاقاته و أمواله ( إن توفرت) خدمة لاحترام  مهنته لا أن يشينها و يحقر بها عند المرضى و المجتمع، يراعي الدقة و الأمانة في تصرفاته، و أن يلتزم السلوكيات القويمة و يحافظ كل المحافظة علي كرامته أولا و قبل كل شيء.

و هل يجوز للطبيب أن يشخص أو يقرر أو يشهد بما هو خارج عن تخصصه أو أن يخالف الواقع الذي توصل إليه من خلال الفحص الشخصي للمريض؟

و هل من آداب الطبيب أن يروج لشخصه و أدويته و عيادته و أنواع علاجاته بغرض جلب المرضى و جني مكاسب مادية منهم؟

وهل يعتبر من الكرامة إذا قصّر الطبيب في عمله الحكومي مؤازرا للتمريض في صيدلية أو في عيادة أو في أي مكان محدد لإجراء الفحوص والتحاليل الطبية أو لبيع المستلزمات أو المعينات الطبية مقابل جني الأرزاق و الأرباح ؟

 أخيــــرا، يجب علي الطبيب، كما المربي أن يكونا أكثر إنسانية و شفقة و حنانا و رحمــة و عطفا و زهدا من غيرهما.

و بوصفي مربيا فهل من طبيب يجلس معي و نفـــــكر: هل حقـــا أننــــا بشـــــر!

عنــــدما يأنى الطبيب  و المربى كل النأي بكرامتيهما  عن التقيد بشرف المهنــــة ، عندها فقط لا تلمني إن أنــا سميتهما  تــــاجرا و مفنــــدا لا يملأ جوفيهما  إلا التـــراب.

 

اترك تعليقاً