راي صوت الشرق| اي فرصــة بقيت للعرب بعد القرن العشرين؟

  كنـــا طرقحنــا السؤال التالي علي الموقع : هل بقيت للعرب فرصــة بعد القرن العشرين ؟
يجيـب الكاتب التونسي مالك التريــكي : لم تعد للعرب فرصة بعد القرن العشرين

Sep 03, 2016

في سبعينيات القرن العشرين طرح الكاتب هشام بوقمرة، الذي يبدو انه لم يعد يتذكره احد الان حتى في بلاده تونس، فرضية «الإرهاق الحضاري» في محاولة لتفسير عدم قدرة العرب على التجدد الذاتي واستئناف الفعل التاريخي، ناهيك عن استئناف رسالتهم الثقافية او الحضارية إلى العالمين. واذا كان المقصود ان الإنهاك أخذ من العرب مأخذه بعد اكثر من قرنين من الصراع مع القوى الاستعمارية الكبرى وبعد أكثر من خمسة قرون من الاستبداد السياسي وتوقف دورة الانتاج العلمي، علاوة على ما سبق تلك القرون من تعاقب غزوات المغول والتتر وحملات الإفرنج (التي شاع تسميتها بالحملات الصليبية)، فان للفرضية وجها معقولا. بل انه يجوز القول ان الإرهاق، او الإنهاك، ليس مجرد فرضية، بل انه واقع تاريخي قابل للملاحظة.
ولكن هل يمكن لواقع الإرهاق او الإنهاك ان يبلغ مبلغ العامل التفسيري، ولو ضمن عوامل اخرى، لوضع العرب منذ بداية الثلث الأخير من القرن العشرين (اي منذ هزيمة 1967 الساحقة النكراء التي حولها الخطاب الايديولوجي السائد إلى مجرد «نكسة») حتى اليوم؟ تحول دون هذا التعليل اعتبارات متعددة لعل ابرزها ان هنالك أمما عانت طول الاستعمار، مثل الهند، او طول الاذلال، مثل الصين، ولكن الإرهاق الحضاري لم يجعل منها فريسة للعجز التاريخي. بل على العكس. حيث ان من اهم بواعث النهضة الصينية ان لدى القيادة والشعب إرادة مشتركة في غسل اثر المذلة التاريخية التي فرضتها الإمبريالية الغربية على هذه الأمة العريقة.
لا بل ان معظم التاريخ الحديث في القرون الخمسة الماضية، مثلما يُبين المؤرخ مارك فرو، انما يجد تفسيره في رغبة الأمم والشعوب والفئات الاجتماعية والجماعات الدينية والإثنية في الثار من مظالم التاريخ، اي من الأطراف التي أخضعتها لمختلف صنوف الاذلال والاستغلال. لهذا يرى المؤرخ الفرنسي ان المظالم، الحقيقي منها والمتصور، لا تقع في الأساس من الحروب الدينية والقومية وحركات التحرر الوطني والثورات الشعبية فحسب، بل انها تقع في الأساس حتى من الفاشية والعنصرية.
وبما ان الصهيونية حركة عنصرية وبما ان اسرائيل دولة فاشية، فانه يمكن ايضا تفسير نشأة دولة الكيان الصهيوني في هذا الإطار، ولو ان الإضافة البحثية الحاسمة التي قدمها مارك فرو، في ما يتعلق بالمسألة اليهودية، لا يوجد في هذا المبحث، وانما يقع في سياق آخر آمل ان يتاح لنا التطرق اليه مستقبلا.
ويبقى اننا سواء كنا مرهقين منهكين ام لم نكن، فانه لا بد من تقرير حقيقة بسيطة ولكنها مركزية، وهي ان القرن العشرين قد وفر لنا، نحن العرب، أوسع «نافذة فرصة» لأن نجمع امرنا ونعقد عزمنا على ان نصير أمة محترمة بين الامم: أمة متحدة تعبر عن ارادتها دولة قومية واحدة. فقد كانت قوى التحرر والنهضة والتنمية والتقدم محتشدة في معظم البلدان العربية. وكان لنا في آسيا وإفريقيا صوت مسموع وتحالفات فاتحة على المستقبل.
وكان يمكن لو أفلحت اي محاولة تكاملية مدروسة بين بلدين عربيين (بعد استخلاص عبر المحاولة المصرية السورية) ان تكون بمثابة النموذج الذي تنسج البقية على منواله في التجمعات الطبيعية الكبرى: المشرق، والخليج، والمغرب. ولكننا بددنا فرصة ربما كانت هي الاخيرة. ونخطىء اليوم اكبر الخطأ ان ظننا ان التاريخ قد يكون ارحم بنا في هذا القرن مما كان في سلفه. ذلك انه كان عندنا في القرن العشرين حد أدنى من الوعي بوحدة المصير او الإدراك لاشتراك المصالح. اما الان فإننا قد دخلنا هذا القرن وقلوبنا شتى. وقد ازداد تشتت القلوب منذ احتلال العراق وتمزيقه ثم سقطنا، عميانا، في هاوية بلا قرار بعد تحول الثورات الشعبية إلى حروب إقليمية ماحقة (مع ان الصحافة البريطانية محقة في تسمية ما يجري في بلاد الشام بانه «حرب سوريا العالمية»).
دخلنا هذا القرن فرادى وجلين، اذلة صاغرين، لأننا بددنا فرصتنا الاخيرة في القرن العشرين.

اترك تعليقاً