رأي صوت الشرق| وزير المالية يسلخ مواطن : تأملات و تعليق

14237712_1778903225727376_1790962522434901057_n تناول النشطاء علي صفحات التواصل الاجتماعي صورة مثيرة للسخرية و الشفقة في آن واحد: وزير المــالية يسلخ مواطن. فمن بـاب السخريــة أن يتحول  عضو سامي في الدولة و كبير قطاع سيــادي، يتحول إلي جــــزار، و بمعنى آخر ينحط  هذا المسئول من القمــة السلطــوية إلي حضيض العنجهية والسفولية. و من بــاب الشفقة، أن يصبح المواطن ضحيــة لمــن كان يفترض به أن يكون خادمــا حنونا و عطوفا.

و السؤال الذي يطرحه المتابعون للتدوينة : لمــاذا وزير المالية بالذات ؟ و هل حقيقة أن المواطن يتعرض للسلخ من وزير المالية وحده أم أنــه يتعرض للذبح و السلخ من  قبــل كافة أجهزة الدولة؟ لماذا  لم يختار المدونون وزير الصحــة مثــلا و هو يتمارض للمرضى و يطلب منهم دفع فاتورة حجزه في المصحات ؟ أو يختار المدونون وزير الوظيفة العمومية و هو ينهال بالضرب علي مؤخرات الموظفين ووكلاء الدولة  و يطاردهم بين أزقة الوزارة و في مكبات التعاقد؟ أو  رئيس الجمهورية  و هو يفرغ حــاملة نفــط في جيب بنطلونه و يقول للمواطنين ” مــان شــاري غزوال”؟ أو وزير الإسكان وهو يــزدرد القطع الأرضية و يقول للمواطنين “موعدكم قطع جليدية في القطب السريالي” ؟ علي أية حــال، سنتوقف و نكتفي بوزير المالية الذي هو خيار المدونين. احتراما لخيار الأكثرية و عمــلا بمبدأ التناوب التسلسلي علي كشف خبايا “حكامين حكومتنا المحكومة بحكم الحاكم”.

إن عمليــة السلخ يسبقها عــادة  عملية التعليق التي بدورها تسبقها عملية الذبح ، و هذه الأخيرة تجئ بعد عملية اختيار الضحية ثم  مطاردتها  و الإمساك بها و اضطجاعها علي جنبها الأيسر مستقبلا القبلة. و ذكر اسم الله طبعــا عند الذبح. هل  يحسن وزير ماليتنا كل هذه العمليات؟  سنترك الجواب للمتابعين و نعود إلي الصــورة للملاحظة و التحليل.

فإذا تأملنا كثيرا في الصورة المتداولة سيتراءى لنا عدة أمور. منها: أولا، أن اختيار المواطن المهيأ للذبح ليس انتقائيا، و إنما جميع المواطنين غنيهم و فقيرهم، صحيحهم و مريضهم، غثهم و سمينهم، شريفهم و قنهم، صغيرهم و شيخهم الفاني، تقيهم و فاجرهم، موسرهم و سائلهم… هم ضحيــة مطاردة و ذبح و كشط  حــارس المالية ، بدأ باعتداء ضريبة الأوراق المدنية و انتهاء بمهزلة كنوز ذهب علاء الديـــن  و مرورا  بتسريح عمال ووكلاء و عقدويين و حماليــن وارتفاع أسعار النفط في  الأسواق العالمية ،والقائمة تطول و تطول طول أنف وزيــر…

فأما  الملاحظة الثانية علي الصورة فهي أن خروج الدم من  الحي المذبوح  أمر طبيعي ، أما مواطننا المذبوح فلا  ترى عليه أية آثـــار للدماء: لا علي بدنه، و لا علي جلده(لباسه) ،ولا علي الأرض أو جذع الشجرة المعلق عليه. و هذا أمر فوق طبيعي لأننا كمواطنين لا دماء لنــا  أصــلا أو لاحقا في بلاط دولــة التحصيل و الادخار مـــذ تولى سدّة “بيّت ما… لنـــا ” وزيـــــر” الهيــش و النيش و اللم في لبيش”. تماما مثل  الجــراد و الخنفساء: لا دماء لهـــا. فلربما تكون دماؤنا قد نفدت مع نفاد ” عهد التراكمات و الفساد و رؤساء الأغنياء!” عــام طيحــة وجاها.

و أما الملاحظة الثالثة التي تثيرها الصورة المتداولة علي صفحات التواصل هي بدأ وزير ما ليس لنا بسلخ صــدر المواطن قبل أجزائه السفلية. و هو فعل يأبــاه المتخصصون في مسالخ ” المطار لدرس”( المطار القديم علي طريق حي السدرة ) بالنعمــة. نفهم للوزير فعلته و نعذره و هو الخبير المجازي في ذبح الآدميين. أما أخصائيو  المطار لدرس فهم لا يحسنون إلا  سلخ الإبل و البقر و العنيزات . اعلموا من موسوعة وزيرنا المفدى أن سلخ الصدر قبل غيرة  حالة استعجاليه  و صحية للتخلص من أدران سخط و غيظ و حنق و استياء المواطن من أشكال  الانتهاك و السخرة و الدوس التي أصبحت جزءا من واقعه المعاش في بلاط “دولة الهيش و النيش و اللم في لبيش”.

و أخيرا، هناك قضية لا تقل تعبيرا من خلال الصورة المتداولة لا تقل أهميــة عما سبق. و هي المنعطف الخطير الذي تمر به مسلكيات  النظام الحالي في التعامل مع القضايا  الجوهرية الراهنة : البطالة المتفاقمة، الفساد المستشري و المستفحل مداه، الفقر المتزايد ، تغييب الطبقة الوسطى في التسيير الإداري و المالي، انهيار طبقة الأغنياء التي كانت تخدم الدولة و بروز طبقة جديدة تتغابن علي انهاك المواطن و نهب و تهريب خيرات البلد.

فإلي حيــن تناول  مشهــــد آخر علي التواصل الاجتماعي يغور في أوحال واقعنا المرّ و يفضحه ، نقول للغلابة في الشرق :  أعدوا أنفسكم للسلخ ولو أنكم تستقبلون  خــريفا كسلت فيه الأرض عن الإنبات و عبس فيه مصنع الألبــان و الأجبان ، و مئات العائدين من أبنائكم من الغابون بخفي حنيــن.

اترك تعليقاً