الإتفاق الإميركي الروسي حول سوريا:ما لم يفصح عنه
لعلّ أغرب ما في الاتفاق الأمريكي ـ الروسي حول سوريا هو أنه طالب الأطراف المتنازعة الالتزام به من دون أن تعرف بتفاصيله الخفية التي لم تطلع الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا حلفاءهما عليه، فإذا كانت فرنسا تطالب على لسان رئيسها فرانسوا أولاند واشنطن بإطلاعها على خفاياه باعتبارها أحد شركائها في «التحالف الدولي» فما بالك بأطراف النزاع الأقل شأناً ووزناً؟
ويبدو أن التحفّظ هو من الطرف الأمريكي فحسب، فالواضح أن جلسة مجلس الأمن الدولي لمناقشة الاتفاق التي جرت أمس جاءت بضغط من روسيا التي ترى أن من مصلحتها نشر بنود الاتفاق لإعطائه طابعاً شرعيّاً أمميّا، وهو ما يعني، بالضرورة، أن موسكو ترى أن الرياح في سوريا تجري لمصلحتها وأن عليها استغلال هذه الفرصة قبل رحيل إدارة الرئيس باراك أوباما، ووزير خارجيته جون كيري.
ما فهمه المجتمع الدولي وأطراف النزاع الإقليميون والمحلّيون هو أن الاتفاق الأمريكي ـ الروسي يجبّ ما قبله من اتفاقات و»تحالفات»، بما في ذلك قرارات الأمم المتحدة، التي أعاد مبعوثها ستافان دي ميستورا تدوير زواياها لتتناسب مع ما اتفق عليه الأمريكيون والروس، وتجيء محاولة تشريعها أممياً لتحويل الوصاية الروسية على سوريا (بغطاء أمريكي) إلى وصاية مختومة بختم الأمم المتحدة.
سبب الرضا الروسيّ عائد لأسباب كثيرة منها أن اتفاق موسكو وواشنطن ينهي عمليّا فاعلية ما يسمى بـ»أصدقاء الشعب السوري»، ويفرغ التحالف الدوليّ الذي يضم أمريكا ودولا غربيّة وعربية من معناه.
سوريّاً، يسجّل الاتفاق أيضاً تراجعاً عن فكرة «الحكومة الانتقالية» ومسخها لتصبح «حكومة محاصصة طائفية» نموذجها هو الحكومة العراقية (وقبلها نظام الحكم اللبناني)، في كسر نهائيّ لطموحات الشعب السوري الذي ثار لإسقاط النظام الوحشيّ المسؤول عن مقتل مئات آلاف المدنيين وتهجير نصف عدد السكان وتحويل مدن ومناطق بأكملها إلى خراب شامل، وتغيير الديمغرافيا الاجتماعية لمناطق كبيرة سوريّة لصالح «حزب الله» اللبناني، وتسليم السيادة السورية إلى إيران وروسيا.
وقبل ذلك، توافق الروس والأمريكيون على تهديم المعارضة السورية المسلّحة من خلال اعتبار تنظيم «جبهة فتح الشام»، رغم إعلان انفصاله عن تنظيم «القاعدة»، هدفاً للقصف (مثل تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي كان الهدف المعلن لنشوء التحالف الغربي)، وهو ما سيؤدي إلى مجازر داخليّة كبيرة في صفوف المعارضة، ويبدو أن الاتفاق تجنّب كل ما يمسّ بحلفاء النظام من ميليشيات طائفية أجنبية كـ»الفاطميين» الأفغان و»النجباء» العراقيين و»حزب الله» اللبناني.
كان لافتاً للنظر في الأيّام الأولى للاتفاق على انسحاب الجيش السوري وفصائل المعارضة من المناطق المحيطة بطريق «الكاستيلو» المؤدي لمناطق حلب الشرقية المحاصرة أن الوحدات التي تحلّ محل جيش النظام هي وحدات روسيّة بدلاً من وحدات للأمم المتحدة، كما ينص الاتفاق، وهو ما يحمل افتراضاً ضمنياً أن روسيا صارت طرفاً محايداً في الصراع السوري.
كما كان لافتاً أيضاً أن وحدات «الحماية الشعبية» الكرديّة استعاضت عن علمها الكرديّ بعلم أمريكي رفعته على مبنيين في بلدة «تل أبيض»، بدلاً من راية الأمة الكردية التي تقاتل باسمها، وهو ما يحمل بدوره إشارة إلى تهافت المعاني السياسية وتحوّل الأطراف على الأرض إلى «وحدات حماية» لمصالح أمريكا وروسيا وإيران.
الوضع السوريّ صار أشبه بلعبة استبدالات غريبة، فاتفاق روسيا وأمريكا يستبدل التحالفات السابقة، وروسيا تستبدل النظام من ناحية، والأمم المتحدة من ناحية أخرى، وأكراد حزب «الاتحاد الديمقراطي» (وهو حزب ماركسي لينيني) يرفعون راية «الامبريالية» الأمريكية، فيما يرفع غيرهم، ضمناً، مصالح إيران وراياتها فيما تذوب جثة مفاهيم السيادة والوطنية السورية في أسيد حرب النظام على شعبه، وصلاة رئيسه الضاحكة في بلد أخلاها من كل سكانها.
نقلا عن جريدة القدس العربي 17 شتمبر 2016( رأي القدس)