كلما تصارع فيلان يدهس الشعب الموريتاني ( عبدالله ولد القلاوي )
يشهد الكيان الموريتاني منذ أعوام صراعات ومناورات على مستوى قمة الهرم الطبقي في البلاد وكل ذالك حول المناصب والنفوذ وغير ذالك من الكماليات، لكن الطبقة الهشة من هذا الكيان والتي تمثل القاعدة العريضة للمجتمع الموريتاني، تسحق كل يوم تحت أي صراع من هذا النوع دون أن يعتذر هذا الطرف أو يندد ذالك، وتظل هذه الطبقة دائما مشدودة النظر بأمل لا يبدو أنه قابل لملامسة الواقع، فهو كالشمس كلما تبدى في الأفق قريبا من الأرض فذالك يعني أنه إما مشرق يعلو نحو كبد السماء أو متجه صوب الغروب ليتوارى عن الأنظار، والغريب أن هذا الأمل يتمثل دائما في الحوار بين الأغلبية الحاكمة والأقلية المعارضة، دون أن تشعر هذه الطبقة(المسحوقة دائما) أن هذا الحوار ليس إلا جزءا من تجليات الصراع السابق الذكر، فهو على الأصح ليس إلا صراع فيلة يدهس تحت أقدامها العشب، فهل سبق للنظام أن تراجع يوما عن قرار لأنه لا يخدم مصالح المواطن البسيط ؟ أو ذكر أن موضوعا من هذا القبيل سيطرح للنقاش في الحوار (الوطني) ؟ وهل سبق للمعارضة أن نددت رسميا بمثل هذه القرارات أو طرحت موضوعا جوهريا مما يلامس حياة المواطن البسيط كشرط لقبول الحوار؟
هل هناك ما قد يجد له المواطن البسيط أثرا، إذا ترشح للرئاسة من زاد عمره على ثمانين عاما، أو استمر أحدهم على رأس السلطة لأكثر من عشر سنوات، أو تغيرت ألوان العلم الوطني أو كلمات النشيد الوطني ؟
هل سيطرح للنقاش في هذا الحوار موضوع من قبيل الأسعار المتصاعدة للمواد المستهلكة و التجاوزات الصارخة لشركات الماء والكهرباء مثلا على حساب المواطن البسيط، وسوؤ تسيير الحالة المدنية و تزايد البطالة في صفوف الشباب و مشكلات الأمن سواءا على مستوى المواطنين في الداخل أو الجاليات في الخارج، و مشكلات التعليم من اكتظاظ القاعات المدرسية وعدم كفاءة البنية التحتية للمدارس و النقص الحاد والمتزايد في الكادر التربوي و ضعف الرواتب الذي أصبح يعالج بنقصه، خصوصا على مستوى قطاعات التعليم والصحة وما على شاكلتهم من القطاعات المسحوقة ؟
لا أقصد هنا التقليل من شأن الحوار وما يدور في كواليسه، بل من زاوية ترتيب الأولويات ينبغي أن تتعلق آمال المواطن البسيط بما يلامس همومه بشكل مباشر، إن ما تحتاجه القاعدة العريضة اليوم من المجتمع الموريتاني هو أكثر دقة من الخوض في متاهات حوار سياسي، كان حريا به أن ينتهي دون أن يشعر به الكثيرون، وإذا افترضنا جدلا أن حملة انطلقت بهدف استصلاح الأراضي الزراعية، وتقديم الدعم من أجل استغلالها بالشكل المناسب، و أخرى بهدف وضع خطة من أجل تسيير معقلن للثروة الحيوانية في البلاد، وأخرى بهدف نشر الوعي الوطني ونشر ثقافة التعلم، وغير ذالك مما يحاذيه في المضمون، فإن ذالك قطعا سيكون له دوره الفعال في بناء الشخصية المستقلة للمواطن، وتوجيه اهتمامه بشكل مركز إلى ما يمكنه من جلب منفعة له وللآخرين والوطن بشكل عام، حتى يتفرغ للحوار السياسي من يهمهم الحوار السياسي، ويتفرغ لغيره من يهمهم ذالك الغير.
لا أقصد هنا توجيه اللوم للسياسيين وأصحاب الرأي ممن يخصهم الحوار، بقدر ما ألعن سخافة الإعتبارات السياسية لدى الإنسان الموريتاني العادي، سواءا كان مثقفا أو غير ذالك، فهنا يصدق القول بأن الإنسان كائن سياسي بطبعه
عبدالله ولد القلاوي