مستقبل التنافس الدولي على أفريقيا

المقدمة :

تتميز قارة أفريقيا تتميز بمزايا عديدة؛ بينها مزايا “جيواستراتيجي”، فضلا عن المزايا الطبوغرافية، كما أن القارة هذه تتميز بمساحات شاسعة وصحارى، حيث تقدر مساحة أراضيها ب(30.190)مليون كلم مربع، كما أنها تمتلك أكبر مخزون ومستودع للعديد من الثروات والمعادن؛ والتي تدخل فى جميع الصناعات، سواء الخفيفة أوالثقيلة، بجانب الصناعات المعقدة، فمن بين( 50) معدناً مهماً بين معادن العالم؛ يتوفر فيها ( 17) معدناً منها في أفريقيا بكميات ضخمة، وتمتلك أفريقيا الإحتياطات الأكبر من معادن” البوكسيت، والفروكوم، والكوبلت والحماس، إلى جانب معدن الذهب والمنغنيز والفوسفات والبلاتينية والتيتانيوم والفانديو بالإضافة إلى النفط والغاز، ويبلغ إحتياطى المعادن ( ٨’٩٪) من إجمالي الاحتياطي العالمى أي ما يوازي (100) مليار من الخام، كما أن بالقارة تنتشر حقول عديدة من النفط فى دول القارة الغربية،سيما الشواطئ الغربية، والتى تعتبر مناطق ذات إستخراج أسهل وأسرع مقارنة بقرارات ودول العالم الأخرى، ولعل تلك السهولة والسرعة تتمثل فى نقل الخام المتدفق من الآبار إلى السفن.

ومن خلال المتابعة لمجربات الأحداث بالقارة نجد ان ثمة تنافس وسباق منقطع النظير على قارة أفريقيا على مر التاريخ؛ بل على مر الحقب الزمنية المختلفة، إذ أن هذا السباق والسابق تجده يشتد أحياناً وينحسر ويتراجع في بعض الأحايين، ونجد أن منذ العام 1880م سعت القوى الإمبريالية بالسيطرة على قارة أفريقيا وثرواتها، واعتمدت فى ذلك على إستراتيجية التعاون والوفاق بغية إحداث تصدعات وتقاطعات، وهذا قد فعلياً عبر مبادرة من المستشار الألماني ” بست مارك “، الذى عقد مؤتمر برلين في الفترة (1884_1885) وكان قد ضم عدد من القوى الاستعمارية على سبيل المثال ” بريطانيا، فرنسا، ألمانيا،إيطاليا،
، النمسا،هولندا، أسبانيا البرتغال، النرويج، الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، تركيا، السويد، بلجيكا” ، وغيرها.

ويمكن تقسيم التنافس الدولى في أفريقيا إلى ثلاث مراحل وهى :-

المرحلة الأولى:

تبدأ من المرحلة هذه منذ العام “1880_1914 “، حيث إرتبطت هذه المرحلة بالتنافس القوى عليها؛بهدف الحصول على المواد الخام التي تعتبر مورداً أساسياً ومهماً للثروة الصناعية التى انطلقت عندئذ، كما أن فى هذا القارة تتوفر في أفريقيا المواد الخام التى تدخل في جميع الصناعات الخفيفة والثقيلة والمنعقدة، كل تلك المعطيات جعلت القوى العظمى ترغب فى التنافس على استعمار العالم، سيما أفريقيا وتقسيمها بين القوى المستمرة، أولها فرنسا وبريطانيا وبلجيكا وإسبانيا والبرتغال.

المرحلة الثانية :

فيما كانت الفترة ” 1947_1991″ حيث التنافس الفعلى بين تلك القوى ذات العظمة لعل كان بروز الولايات المتحدة الأمريكية كان له الأثر الأبلغ وذلك لقيادتها للمعسكر الغربى،بينما الإتحاد السوفيتى بقيادة المعسكر الاشتراكي وأشتد التنافس فيما بينهم، وخضعت بعض الدول تحت النفوذ الغربى والأخرى تحت النفوذ الغربي؛ طمعاً في المواد الخام بالإضافة إلى المواقع الجيوإستراتيجية التي كان لها دور فعال في سباق التسلح الذي عاشه العالم وقتئذ.

المرحلة الثالثة:

وتتمثل هذه المرحلة فى الفترة التى يعيشها العالم الآن، حيث نجد أن موقف السيطرة والهيمنة أضحى محسوم لصالح الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في أفريقيا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، غير أن مطلع العام (2005)م بدأت بعض القوى العظمى تتوسع في أفريقيا بشكل غير متناهى، على سبيل المثال الصين وروسيا وبعض القوى الصاعدة كإيران والهند وتركيا، حيث أن التنافس الدولى على القارة أصبح يعتمد على بعدين أساسيين
1/ نجد أن أفريقيا حتى الآن تمتلك مخزون ضخم من المواد الخام التقليدية والإستراتيجية .
٢/ فيما أن البعد الديموغرافى يتوقع يزيد حيث يبلغ عدد سكان القارة الأفريقية بحلول العام 2100م (4.3) مليار نسمة؛ وبالتالى تحتل القارة المركز الثانى بعد قارة آسيا، هذين البعدين سيحدثان تأثيراً مباشراً على التطور الصناعى،؛ بحيث لا يستطيع الإقتصاد العالمى تحقيق مكاسب وإنتاج بدون توفير مدخلات الإنتاج وهي المواد الخام وكذلك الأسواق بهدف تسويق المنتجات وكلاهما متوفرين في قارة أفريقيا، هذا أكسبها أهمية إستراتيجية ما جعل القوى الإمبريالية تتدافع نحوها ،وهنا إستوجب الحال تسليط الضوء على إستراتيجيات القوى العظمى ” الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها كالصين وروسيا “، فصلا عن القوى الصاعدة الهند تركيا … الخ..

مستقبل التنافس الدولي في أفريقيا :-
تتنوع أطر الاستراتيجية الأمريكية فى القارة الأفريقية ما بين أطر سياسية وأمنية عسكرية إلى جانب الاقتصادية والاجتماعية، فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية كانت أفريقيا مسرحاً للحرب البادرة بين القطبين الكبيرين “الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدةالأمريكية” ، ففي البداية سعت أمريكا على إزاحة القوى الاستعمارية التقليدية ” بريطانيا وفرنسا ” من القارة الأفريقية عقب إتساع نفوذها في العديد من الدول، ولعل الدعم الأمريكي لنظام موبوتو سيسكو في الكونغو الديمقراطية خير دليل على ذلك، فخلال الحرب البادرة هذه عملت أمريكا على توظيف الإبعاد الأيديولوجية في علاقتها مع الدول الأفريقية من أجل التمدد والنفوذ الشيوعى إلا انه بعد سقوط الاتحاد السوفيتي تبدلت تلك المبادئ بأخرى مرتبطة بتوجهات النظام العالمي الجديد كالديموقراطية ، وحقوق الإنسان والحريات والتداول السلمي للسلطة إلا أضحت تتغاضى عن ذلك في سبيل دعم حلفائه تلك الاشتراطات جعلت أمريكا تسيد القارة الأفريقية بإزاحة كل النظم ذات الميول الشيعى و الإشتراكى ، وفي مطلع الألفية وبعد أحداث 11 سبتمبر طغت الجوانب الأمنية والعسكرية على الجوانب الإقتصادية والثقافية حيث ركزت أمريكا على محاربة الجماعات الإرهابية وإغلاق نقاط التسلل إلى أفريقيا،فيما نجحت الصين فى تعزيز نفوذها فى أفريقيا عبر منتدى التعاون الصيني الأفريقى ” فوكاك” الذي تأسس مع القمة الصينية الأفريقية في العاصمة بكين عام 2000 م حيث بلغ معدل التبادل التجاري بين الصين والقارة الأفريقية لعام 2018 م ما يقارب 204 مليارات دولار، فقد بلغت الصادرات الصينية لأفريقيا حوالي 104 مليارات دولار في حين بلغت الصادرات الأفريقية للصين 99.9 مليار دولار، في حين بلغ معدل التبادل التجاري بين أفريقيا والولايات المتحدة الأمريكية عام 2017م حوالي 39 مليار دولار منهم 14.1 مليار دولار صادرات أمريكية لأفريقيا و24.9 مليار دولار صادرات أفريقية لأمريكا، وفى العام 2018م بلغت الصادرات الأمريكية لأفريقيا 15.843 مليار دولار فيما بلغت الواردات الأمريكية من أفريقيا 25.079 مليار دولار لتحقق بذلك زيادة طفيفة في معدل التبادل التجارى،نجد أن المؤشرات الآنفة الذكر تعكس حجم التراجع الكبير فى التبادل التجاري بين الدول الأفريقية والولايات المتحدة الأمريكية والتى إحتلت المرتبطة الأولى في العام 2006 م حيث التبادل التجارى بين القارة الأفريقية وبعض الدول العظمى؛ لكن الآن المعطيات تغيرت وتدخلت التنافس دول صاعدة مثل الهند وتركيا وإندونيسيا وفقاً لمؤشرات العام 2018م، وقد أولت الصين في مبادرة “الحزام والطريق”، فى العام 2013 موضع مهم لقارة أفريقيا،مما مكن من وصول السكة حديد ” طرق الحرير ” العاصمة نيروبي بمومباسا التى تحتوي على الميناء الأبرز في البلاد المشرف على المحيط الهندى وفي أوغندا تم تعبيد طريق حديث يبلغ طوله خمسين كيلومتر إلى المطار الدولي بالأموال الصينية، كما تكلفت الصين بتحويل مدينة ساحلية صغيرة في تنزانيا إلى ميناءُ قد يصلح أكبر موانئ أفريقيا، لمواجهة النفوذ والتمدد الصيني في أفريقيا تبنت الولايات المتحدة الأمريكية
في عهد “جوباين “استراتيجية جديدة مغايرة لما اتبعها سلفه ترمب أمريكا أولاً التي تراجع من خلالها النفوذ الأمريكي في القارة الأفريقية وتعتمد الاستراتيجية الأمريكية الجديدة وتهدف إلى التالي.

أولاً :
– تطوير العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأفريقية لصالح الطرفين وأن تكون المعاملة بالمثل وليست بالتبعية.
ثانياً :
– مواجهة التهديدات الإرهابية خاصة التى تصدر عن تنظيم”داعش والقاعدة” وغيرها.
ثالثاً :
– ضمان استخدام المساعدات الأمريكية بكفاءة وفعالية والإبتعاد عن المساعدات العشوائية التي لم تعود بأي منفعة لصالح أمريكا؛ إذ أن الصعود الصيني فى أفريقيا مقلقاً بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية؛ لذا ركزت الإستراتيجية الأمريكية الجديدة على مجابهة النفوذ الصيني فى أفريقيا، محذرة من تنامي السياسات الصينية في أفريقيا فنجد أن خلال الفترة من 2007م وحتى 2016م ضخت الصين نحو 6.4 مليار دولار في أفريقيا،وفي ذلك الحين إتهمتها واشنطن باستخدام الرشاوى وعقد اتفاقيات مبهمة مع بعض الدول الأفريقية لجعلها أسيرة لرغباتها، كما أن المساعدات الصينية لأفريقيا تدعم الفساد فى الدول الأفريقية وإيقاعها في فخ المديونيات من أجل السيطرة على إقتصاديات تلك الدول؛ فمثلا دولة زامبيا مدينة لدولة الصين بنحو (10) مليار دولار الأمر الذي دفع الحكومة الزامبية التنازل عن شركات الطاقة التى تمتلكها تنازلت بها لدولة الصين من أجل سداد التزاماتها المالية، كما نجد أن نسبة الدين العام في جيبوتي ارتفعت بنسبة 85٪ خلال العام 2016م الأمر الذي دفع الحكومة الجيبوتية السماح للصين بإنشاء قاعدة عسكرية لها بجوار القاعدة الأمريكية 2017م،كما انتشرت الأنباء عن احتمالية سيطرة الصين على ميناء “دوراليه” وفي حالة السيطرة عليه فإن الصين تكون قد سيطرت وهيمنت على أكبر ممر تجاري في العالم مثلاً إعادة السيطرة على أفريقيا فتبنت الولايات المتحدة الأمريكية مبادرة أفريقيا المزدهرة والتي فإعتمد على عدة ركائز :-

– تشجيع القادة الأفارقة على إختيار مشروعات استثمارية عالية الجودة والشفافية.

– تطوير نظم التمويل والعمل على، وتحقيق إستقلال الدول الأفريقية اقتصادياً وإنهاء علاقة التبعية الاقتصادية الناجمة عن تفاقم المديونيات إلى جانب إنشاء شركات متبادلة المنفعة،وستعتمد الولايات المتحدة الأمريكية على فكرة التعاون الثنائي بينها وبين الدول الأفريقية في مجال مكافحة الإرهاب، فعلي سبيل المثال تؤكد واشنطن استمرار دعمها لقوة الساحل الأفريقي المكونة من دول “موريتانيا والنيجر وتشاد وبوركينافاسو ومالي”.

-باتت تروج الولايات المتحدة الأمريكية بقوة لفشل النموذج الانغولي كمسار محتمل لأية دولة افريقية تعول على الصين في تعزيز مقدراتها الإقتصادية عبر الاستثمارات المباشرة والاستدانة لتطوير بنيتها التحية، حيث اقترضت لواندا من الصين حوالي 40 بليون دولار في الفترة من 2005_2019م وهذا يمثل نصف ديون أنغولا الخارجية وفقاً لمركز الدراسات الاستراتيجية؛ إذ انها تعتبر أكثر من اية دولة أخرى في أفريقيا تحصلت على دعم “صيني” مثل قروض البنية التحية لقطاع النفط، كما تمثل أنجولا ثاني أكبر شريك تجاري للصين في القارة الأفريقية ومصدراً رئيسياً للبترول الذي تحصل عليه الصين من خلال التوجيهات الجديدة لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا إزاء أفريقيا في مرحلة ما بعد الحرب الباردة قد ابرزت ولو من طرف خفي تنافساً حقيقياً بين البلدين ويمكن ولعل ذلك يتضح من خلال الحرب الأهلية الرواندية حيث كانت القوات الفرنسية هي الأسبق والأكثر عدداً مما دفع الإعلام الأمريكي القيام بتسليط الضوء على الأزمة والدور الفرنسى بتزويد نظام “هابياريمانا ” بالأسلحة والمعدات، كذلك إ ستطاعت فرنسا القيام بعمليات عسكرية في كل من مالي وأفريقيا الوسطى وتشاد بتفريض من مباشر الأمن وتوافق دولي لكن هذا الدعم التوافقي بدأ يتآكل رغم الإرث الاستعماري الفرنسي في بعض الدول وإرتباط إقتصاديات العديد من الدول بفرنسا من حيث العملة والشركات الكبرى والنفوذ الفرنسي على قادة الفرانكفونية، كما أن الدور الأمريكي في إعادة رسم خريطة التوازن الإقليمي بالقارة الأفريقية لا يتفق مع المصالح الفرنسية ومع ذلك فإن ثمة قدراً من التعاون والتنسيق بين الإستراتيجية الأمريكية والفرنسية في قضايا الإرهاب والإتجار بالبشر والمخدرات خير شاهد على ذلك، فضلاً عما يحدث بينهم في منطقة الساحل الأفريقي إذ ظلت تشن روسيا حملة إعلامية ضد فرنسا فى بعض الدول مثل جمهورية إفريقيا الوسطى ومدغشقر. وتبين أن التواجد الروسي أيضا في كل من جمهورية إفريقيا الوسطى والسودان وانغولا ومالي، جنوب أفريقيا، مصر، الجزائر وغانا وزامبيا وليس ببعيد ما وقع بين الجانب الإثيوبي اتفاقية تعاون عسكري مشترك.

فالاستراتيجية الروسية في القارة الأفريقية تغيرت منذ العام 2017م حيث اصبحت تركز بالأساس على تعزيز التعاون العسكري ” وتوقيع اتفاقيات دفاع، تسليح، نشر مستشارين عسكريين، شركات أمنية خاصة ” عطفاً على النفوذ الإعلامي وهذا ما يتوافق تماماً ومسعى أنظمة افريقية تعمل للبقاء في الحكم مدى الحياة، وتستند كل هذه المرتكزات إلى خطاب روسي مرحب به في القارة الأفريقية والقائم على ثلاث أفكار أساسية : غياب الماضي الاستعماري، وتقارب يعود لعهد الاتحاد السوفيتي والنضال ضد الغرب، تعاون براغماتي بدون أي اشتراطات مرتبطة بالديمقراطية وحقوق الإنسان، توظف روسيا هذا الخطاب لتميز نفسها عن القوى الغربية، ولتلعب على الأوتار الحساسة لسكان الدول الأفريقية ذوي المشاعر المعادية لهذه القوى، فيما يتعلق بقطاع المحروقات تنشط الشركات في عدة بلدان ‘مصر، ليبيا، غانا، الكاميرون، الكونغو الديمقراطية، نيجيريا ‘. أما في قطاع المناجم والتعدين فتعمل شركتها في العديد من الدول “غينيا، بوركينا فاسو، زيمبابوي، أنغولا، جنوب أفريقيا، أفريقيا الوسطى “، القطاع الثالث.

الجانب النووي المدني تعمل روسيا على تطويره في أفريقيا من خلال توقيعها على اتفاقيات لبناء مفاعلات نووية لمصر ومراكز بحثية نووية في روندا فضلا عن ان روسيا أكبر مورد للسلاح العديد من دول أفريقيا حيث بدأ الإختراق الاسرائيلي لقارة أفريقيا بعد سنوات من القطيع عقب حرب أكتوبر (1973) م، حيث تم إغلاق العديد من البعثات الدبلوماسية في بعض الدول الأفريقية، شكلت الزيارات الاربع التي قامت بها رئيس الوزراء “نتنياهو” بداية لتعافي العلاقات الإفريقية الاسرائيلية حيث تمتلك إسرائيل علاقات دبلوماسية مع (40) دولة وهناك (10) بعثات دبلوماسية في ‘جنوب افريقيا، كينيا، نيجيريا، الكاميرون، أنغولا، إثيوبيا، إريتريا، غانا، ساحل العاج، السنغال ‘ مع التمامي التدريجي الاختراق الاسرائيلي لقارة أفريقيا تظهر جملة من المصالح والاطماع التي تسعي إلى تحقيقها مثلا التعاون الاقتصادي تقديم المساعدات التكنلوجيا والتطوير الزراعي وفتح سفريات ، وكذلك التنسيق الأمني فيما يتعلق بتدريب الجيوش وصفقات السلاح، وفى هذا اعتمدت الحكومة التركية في العام (2013) م إستراتيجية الشراكة الأفريقية بدلاً من سياسات الإنفتاح التركي لإفريقيا لتستهدف “أنقرة” بهذه الخطوة المساهمة في النهضة التنموية والاقتصادية المشتركة وتحقيق الأمن والاستقرار فيها وإقامة علاقات ثنائية تعتمد على الشراكة المتساوية والمصالح المتبادلة حيث قام الرئيس التركي بزيارة اكثر من (30) دول أفريقية وافتتح جوالي (40) بعثة دبلوماسية وكذلك خصصت تركيا منح دراسية لعدد كبير من الطلاب الأفارقة بالجامعات التركية، في العام (2019) م، بلغ حجم التبادل التجاري بين الدول الأفريقية وتركيا 30 مليار دولار. تعتمد الشركات الهندية بشكل أكبر على المواهب الأفريقية وتشتغل نيودلهي نقاط قوتها من خلال إبراز نفسها كنموذج مختلف عن الصين، كما أنها تتمتع بميزة إضافية على بكين تتمثل في التقارب اللغوي والثقافية والجغرافي، فقد نمت التجارة الهندية الأفريقية من 51.7 مليار دولار عام 2011 إلى 66.7 مليار عام 2020م. الصدام الحتمي، من خلال التنافس الدولي على القارة الأفريقية بين القوى العظمى “أمريكا، فرنسا روسيا، الصيت ” قوى اقليمية “تركيا، إسرائيل، الهند. ” على مر التاريخ لم تتمكن الدول الاستعمارية إلى صيغة للتعاون والوفاق الدولي بعيداً عن التوترات والشد والجذب وفي كثير من الأوقات تعتمد على استراتيجية الحرب بالوكالة حيث عانت الدول الأفريقية من الانقسامات والاضطرابات السياسية والأمنية وتداعياته مستمرة حتى الآن في العديد من الدول الأفريقية، فقد حافظت فرنسا على مناطق نفوذها التاريخي بدول غرب ووسط أفريقيا “دول الفرنك الإفريقي ” فالولايات المتحدة الأمريكية وفي مطلع الألفية اعتمد على المقاربة الأمنية بشكل كبير في إطار رغبتها فالسيطرة على منابع الإرهاب روافده التي تسللت إلى أفريقيا في حين غرة لذا خسرت مناطق النفوذ البريطاني سابقاً. انحسار النفوذ البريطاني الأمريكي في دول شرق وجنوب أفريقيا اتاح للصين التمدد ومحاولة اعتماد نموذج خاص بها للتعاون الاقتصادي بين بعض الدول الأفريقية بتوفير القروض والمنح التي من خلالها سيطرت على اقتصاديات أفريقية كزامبيا وانغولا والكونغو، فروسيا ومن خلال الدعم المطلق لنظام بشارالأسد بسوريا بالإضافة إلى توريد السلاح والمرتزقة ‘فاغنر’ حفز العديد من الأنظمة الشمولية للدخول مع شراكات استراتيجية مع روسيا لاسيما في الجوانب الأمنية والعسكرية والتواجد في أفريقيا الوسطى ومالي وليبيا ومحاولة التسلل إلى السودان عبر قاعدة فلايمنقو بالبحر الأحمر ستظل بعض الدول التي تتميز بموقع جيواستراتيجية محل تنازع مما يجعل فرضية الحرب حاضرة لكن ليست حرب عالمية ثالثة وإنما حروب بالوكالة ستكون بأدوات وطرق معقدة وإعادة التوازن أمر ضروري حتى يتثنى الدول الأفريقية الاستفادة من التنافس الدولي لتحقيق مكاسب مشتركة بعيداً عن التبعية والانقياد وفي سبيل تحقيق ذلك ينبغي إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية وأمنية.

بقلم :الدكتور/محمد تورشين – باحث ومختص في الشأن الإفريقي

اترك تعليقاً