الانقلابات العسكرية في إفريقيا ودور الأطراف الخارجية / جوزيف سيجل

يعكس تنامي الانقلابات الأخيرة في إفريقيا ضعف الإرادة الإقليمية والدولية لتطبيق تدابير صارمة ضد الانقلابات، ولتغيير المسار يتعين تعزيز الديمقراطية وفرض الثمن الباهظ بشكل منهجي على الانقلابيين.

وقد نتجت عن الانقلابات الـ82 التي شهدتها إفريقيا بين عامي 1960 و2000م تداعيات سلبية للقارة؛ حيث ساهمت في تعزيز عدم الاستقرار والفساد والفقر والإفلات من العقاب وانتهاكات حقوق الإنسان التي طالت العديد من البلدان الإفريقية خلال هذه الفترة. علاوة على ذلك، فإن الانقلابات معدية باعتبار أن نجاح انقلاب يزيد بشكل كبير من احتمالية حدوث انقلابات أخرى سواء في البلد المعنيّ أو في دول الجوار.

لذلك فإن الموجة الأخيرة من الانقلابات في إفريقيا هي أنباء سيئة، وخاصة أنه على مدى العامين الماضيين حدثت انقلابات في مالي (مرتين)، وتشاد وغينيا والسودان و[بوركينافاسو]، ويمكن القول في الجزائر وبوروندي، بينما كانت معظم هذه البلدان في خضم التحول الديمقراطي. مما يعني أن ما يقرب من 20٪ من البلدان الإفريقية قد تعرضت للانقلابات منذ عام 2013م، وعليه فإن القارة معرَّضة لخطر العودة إلى العصر السيئ للحكم العسكري السيئ؛ وهي فترة غالبًا ما تُذكر “بعقودها الضائعة”.

الفاعلون الدوليون عاجزون عن فرض احترام المعايير على الانقلابات:

تعتبر الانقلابات في نهاية المطاف حسابات باردة للفوائد مقابل التكاليف، ومن تلك الفوائد الوصول إلى السلطة وإلى موارد الدولة؛ لذا فإن إغراء الانقلاب سيظل قائمًا، وربما يُنظر إلى الجوانب السلبية المحتملة -الفشل أو السجن- على أنها يمكن التحكم فيها مِن قِبَل الجهات العسكرية. وباختصار، يعتقد منظمو الانقلابات أن بمقدورهم الإفلات من العقاب بثمن بخس.

فضلاً عن أن سياسة منظمة الاتحاد الإفريقي المتمثلة في عدم التدخل أدَّت إلى غياب الشعور بالقلق لدى الانقلابيين بشأن التكاليف الخارجية، عطفًا على أن العديد من الانقلابات خلال هذه الفترة توحي بالدعوة المفتوحة للاستيلاء العسكري التي خلقها هذا الموقف، كما تسبب تحوُّل الاتحاد الإفريقي من سياسة عدم اللامبالاة -عندما تم تأسيسه في عام 2000م- إلى تغيير هذه الحسابات بشكل جذري، وإخضاع المجلس العسكري للتعليق المحتمل، وفرض العقوبات والتهديد بالتدخل، إلى جانب تعزيز تلك المواقف بعقوبات من الديمقراطيات الغربية والمنظمات الدولية.

كما تعكس الزيادة الأخيرة في عدد الانقلابات في إفريقيا (وهو اتجاه لم نشهده في مناطق أخرى) انخفاضًا في إرادة الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية لفرض معايير في مكافحة الانقلابات في إفريقيا. لكن هذا الوضع يشكل نقطة التقاطع مع العوامل على غرار الركود الديمقراطي الإقليمي وميل الهيئات الإقليمية للتفاوض مع الانقلابيين وعدم الرغبة في تنظيم التدخلات العسكرية وتضليل الجهات الدولية بإبراز الأزمات الداخلية وتفشي الوباء من بين أمور أخرى.

ويسلط هذا النمط الضوء على الدور الحاسم الذي تلعبه الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية في الإقرار بالانقلابات. وهل يعني الانقلاب، في النهاية، غير ادعاء الفاعلين العسكريين بتمثيل سيادة الدول؟ واستمرارية الانقلابات مرهونة بالاعتراف بها وحال رفض اللاعبين الدوليين القيام بذلك يصبح الانقلابيون معزولين سياسيًّا، وفي أسوأ الحالات عند تعرُّضهم للحرمان من الوصول إلى الحسابات المالية السيادية للدولة.

والخلاصة هي أن الفاعليين الدوليين يلعبون دورًا حاسمًا في الاعتراف بالانقلابات من “خلال التعامل مع الانقلابات على أنها وسيلة غير شريفة، ولكنها طبيعية لنقل السلطة في إفريقيا؛ فإن الجهات الفاعلة الدولية تمنح الانقلابيين عن غير قصد دفعةً لتخطّي الخط الأحمر وتعزيز انقلاباتهم”.

أباطرة الانقلابات:

إن العديد من الدول رأت في الانقلابات الإفريقية وسيلة لتعزيز طموحاتها الإقليمية؛ حيث شرعت متحمِّسة ً في رعاية محاولة الجيش السوداني للتشبث بالسلطة، عطفًا على تشجيعها وتوفيرها الغطاء، وراء الكواليس، لانقلاب قيس سعيد التلقائي في تونس؛ فضلاً عن أن منع ترسيخ الديمقراطية العربية يثبّط أيّ زخم إصلاحي قد تواجهه تلك الدول لفتح هياكل حوكمة شديدة التقييد الخاصة بها.

كما دعمت روسيا بنشاط الانقلابات في إفريقيا من خلال المجموعة المرتزقة فاغنر في معظم الحالات بالإضافة إلى محافظة موسكو على علاقات وثيقة مع الجيش طوال فترة الانتقال الديمقراطي في السودان، كما مارست الضغوطات على العسكريين للاستيلاء على السلطة. في مقابل دعمها، من المرجح أن يوفّر المجلس العسكري السوداني لروسيا موطئ قدم في ميناء بورسودان البحري، مما يمنح موسكو قاعدة عسكرية في ممر البحر الأحمر الاستراتيجي. ومن غير المستبعد أن تستمر مصالح فاغنر أيضًا في العمل في غرب السودان لدعم تهريب الذهب وغيره من المنتجات غير المشروعة عبر جمهورية إفريقيا الوسطى.

وفي مالي، شوّهت حملات التضليل الموالية لروسيا سلطة الرئيس المنتخب ديمقراطيًّا إبراهيم بوبكر كيتا في العام السابق لانقلاب أغسطس 2020م علمًا بأن الأخير كان بمثابة مبرر للانقلاب الذي قام به المجلس العسكري الذين تلقى العديد من أعضائه دراستهم في روسيا.

وللتعويض عن افتقارهم للشرعية الوطنية، يحتاج الانقلابيون إلى اعتراف دولي، وهذا يمنح الجهات الخارجية الاستبدادية مزيدًا من النفوذ للتنازل عن سيادة الدولة. ودفع الانقلاب في مالي، على سبيل المثال، المجلس العسكري إلى التفكير في دعوة المرتزقة الروس، وهو إجراء من شأنه أن يعيد تشكيل الأمن والسياسة الخارجية بشكل جذري، علمًا بأن تأثير القرار من هذا النوع، الذي اتخذه ضباط عسكريون غير منتخبين يعملون خارج إطار دستوري وبدون مساءلة عامة، لن يكون في مصلحة المواطنين الماليين لكنَّه سيعزز النفوذ الروسي.

كيف يمكن للفاعلين الديمقراطيين الدوليين التقليل من الانقلابات؟

إن أهمّ ما يمكن القيام به المجتمع الديمقراطي الدولي لعكس اتجاه الانقلابات في إفريقيا هو تشجيع الديمقراطية من خلال تقدير الحكومات الإفريقية التي تلتزم باحترام الممارسات الديمقراطية وتقديمها المزيد من الدعم الدبلوماسي والمساعدة الإنمائية والأمنية وتشجيع الاستثمار الخاص.

وعلى الرغم من أن موجة التحول الديمقراطي في إفريقيا في التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين قادها المصلحون المحليون، لكن كانت هناك حوافز دولية واضحة لتكييف المعايير الديمقراطية؛ لذا يتعين على الفاعلين الديمقراطيين الدوليين إعادة الالتزام بهذه المعايير من خلال تبنّي موقف موحّد لدعم مكافحة الانقلابات.

وفي هذا السياق، يتعين إشراك الاتحاد الإفريقي والمجموعات الاقتصادية الإقليمية التي تتمتع كل منها بميثاقها الخاص بالديمقراطية، وذلك لتعزيز تلك المعايير وخاصة أنه يحدث الكثير من ردود الفعل العامة، وتنسيق الردود الدولية على الانقلاب من خلال هذه الهيئات الإقليمية. وحال أدانت المؤسسات الإقليمية الإفريقية بوضوح الانقلاب، فسيمهد ذلك الطريق للمجتمع الديمقراطي الدولي للتعاضد وراء هذا الموقف.

كما يمكن للفاعلين الديمقراطيين الدوليين تبرير أنه بمجرد حدوث انقلاب، فإن أفضل ما يمكن فعله هو الحفاظ على المشاركة على أمل تشجيع الإصلاح التدريجي بمرور الوقت. لكن الإشكالية الكامنة في هذا النهج هي أن القادة الذين وصلوا إلى السلطة عن طريق تقويض القواعد الديمقراطية -سواء من خلال الانقلابات أو التحايل على الفترات الدستورية- لا يميلون إلى تقييد أنفسهم، ولكن إلى التصرف مع الإفلات من العقاب.

ويتمثل الوجه الآخر للحوافز للديمقراطيات الإفريقية في الحاجة إلى فرض تكاليف حقيقية بشكل منهجي على الانقلابيين، مع ضرورة عدم الاعتراف بأولئك الذين يستولون على السلطة خارج نطاق القانون، إلى جانب تعليق المساعدة المالية وتخفيف عبء الديون، وتجميد أصول قادة الانقلاب، وحرمانهم من الوصول إلى النظام المالي الدولي. ويجب كذلك حرمان الحكومات التي تعرضت للانقلاب من الوصول إلى الحسابات السيادية، فضلاً عن أن تكون الأولوية هي إعادة النظر في الانقلاب ثم التفاوض وليس العكس.

ومن خلال ضمان معاقبة الانقلابيين بصرامة، يمكن للفاعلين الديمقراطيين الدوليين الدعم على المستوى الوطني؛ حيث إن الاحتجاجات والعصيان المدني الواسع النطاق من قبل المواطنين الرافضين الاستيلاء غير الدستوري على الحكم يمكن أن يزيد الضغط على الانقلابيين. لذلك يجب على الفاعلين الديمقراطيين الدوليين أن يحرصوا على عدم إضعاف هذه المقاومة المحلية عن غير قصد من خلال الاعتراف بالانقلاب، الأمر الذي من شأنه إضفاء الشرعية في حالة غيابه.

كما يتعين على القوى الخارجية التي تدعم الانقلابيين ماليًّا أو سياسيًّا أن تدفع الثمن، فبالإضافة إلى عرقلة التطلعات الديمقراطية لملايين الأفارقة، تعمل هذه الجهات الفاعلة بشكل فعَّال على تقويض النظام الدولي القائم على مبادئ المصالح. ويجب أن يشمل الثمن الذي يجب على الجهات المعنية دفعها السمعة والموارد المالية. ويمكن أن يسهم ذِكْر المعنيين بالاسم والتشهير بهم في تعزيز الكراهية تجاه مثيري الشغب الخارجيين، والحد من تأثيرهم الإقليمي. ويجب أن يكون هذا مصحوبًا بتقليل التعاون الأمني، ​​وتقييد الوصول إلى الأسواق والشبكات المالية الغربية وعقوبات بموجب قانون Magnitsky الأوروبي أو العالمي وقانون الهشاشة العالمية.

وهذا ليس مجرد موقف أخلاقي، ولكنه موقف يساعد في جعل إفريقيا أكثر استقرارًا وازدهارًا، مما يؤدي بدوره إلى شركاء اقتصاديين وأمنيين أكثر موثوقية، وخاصة أن الأنظمة الاستبدادية الإفريقية مسؤولة عن أكثر من 75٪ من نزاعات القارة والهجرات القسرية وأزمات الغذاء. وإذا ما رغب الغرب في المساعدة في وقف تدفق هذه القوى المزعزعة للاستقرار؛ فعليه أن يدافع عن الديمقراطية في إفريقيا؛ حيث إن جهود المجتمع الدولي بشكل مكثّف على القضاء على الانقلابات في حقبة ما بعد الحرب الباردة لم تكن عبثًا غير أن المنطق ذاته لا يزال قائمًا. لكن السؤال المطروح هو ما إذا كان اللاعبون الدوليون يتذكرون السيناريو؟

بقلم: جوزيف سيجل

ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو

اترك تعليقاً