رسالة الشيخ سيد المختار إلى أخواله في ذم العصبية القبلية والدعوة إلى الصبر والصفح والتسامح / سيد أحمد ولد خو

الحمد لله الذي قال “وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ ٱلْأُمُورِ” والصلاة والسلام على النبي الصبور ، أما بعد فالسلام الذي لا يحصى ولا يستقصى إلى جماعة الأبناء والإخوان الذين يعتمد على مثلهم في وقائع الزمان ؛ أخوالنا وبني عمنا، أبناء القطب سيد المختار أجارهم الله مما يوجب هتك الأعراض ‏ودخول النار ، فإنه عليه الصلاة والسلام يقول : “إذا التَقَى المسلمانِ بسَيْفَيْهِمَا فالقاتلُ والمقْتُولُ في النَّارِ”.قلت: يا رسول الله، هذا القاتلُ فما بالُ المقتولِ؟ قال: «إنه كان حريصًا على قَتْلِ صَاحِبِهِ».
وقال عليه الصلاة والسلام : “لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما”،
وقال عليه الصلاة والسلام : “سِباب المؤمن فسوق، وقتاله كُفر”،
وقال عليه الصلاة والسلام :
“ليس منا من دعا بدعوى الجاهلية”
ودعوى الجاهلية هي الدعوى إلى العصبية والحمية الجاهلية وذلك بأن تقاتل القبيلة القبيلة عصبية وحمية وهو بأن يقولوا يا آل فلان ولكن سنة الإسلام أن يتداعوا إلى حكم الله ورسوله ثم يرضوا بما حكم الله ورسوله بينهم كائنا ما كان، أَغْضَبَ أم أرضى، حررَ أم أسِرَ ،ثم أنزل الله تبارك وتعالى تصديقا لقوله عليه الصلاة والسلام : “فَإنْ تَنَٰزَعْتُمْ فِى شَىْءٍۢ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ “.
ويوم أحد، حيث شجت جبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته السفلية، ودخلت حديدتان في وجنتيه عليه الصلاة والسلام وقُتِلَ عمه حَمْزَةُ وَمُثِّلَ بِهِ (جدع المشركون أنفه، وقطعوا أذنه، وبقروا بطنه، واستخرجوا كبده) قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَئِنْ ظَفِرْتُ بِهِمْ لَأُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ، فأنزل الله عليه: “وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِۦ ۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّٰبِرِينَ وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِٱللَّهِ ۚ”، فقال عليه الصلاة والسلام خيرني ربي فاخترت ما هو خير وهو العفو والتجاوز ففعل عليه الصلاة ‏السلام ذلك مع المشركين أعداء الدين وأعداء الله ورسوله ثم أنزل عليه: “وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ”، وقال تعالى: “وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ” وهم الذين ‏كظموا الغيظ وعفوا عن الناس . وقال عليه الصلاة والسلام : “ما تجرع عبد قط جرعتين أحب إلى الله من جرعة غيظ ردها بحلم ومن جرعة مصيبة يصبر الرجل لها”.
فكيف وهؤلاء الذين أغضبوكم إنما هم إخوانكم وذوو رحمكم مع دخولهم في سواد الإسلام فقد قال تعالى : “إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ”
وإنما للحصر والإثبات، وقال: “المسلم ‏أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه”، وإنما هو طيش من إخوانكم وزيغ حملهم عليه محض الغضب لا لاستخفاف بأمركم لأنه لا يمكن في حقهم وأنتم أنتم وفي مثل هذا يعرف بين الحليم الكريم واللئيم الذميم كما قدمت ما يدل عليه بل يصرح به وإن الشر لا يطفأ ‏بالشر وإنما يطفأ بماء الحلم و الصبر فإن الله لا يمحو السيئ بالسيئ ولكن يمحو ‏السيء بالحسن كما يشهد لذلك قوله تعالى : “ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيم” . وقال أيضا تأكيدا للأمر وتفسيرا للآية الأولى : ” ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ٱلسَّيِّئَةَ ۚ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ “.
وأُنشِد في المعنى:
غاية الصبر لذيذٌ طعمُها
وبديُّ الصبر منه كالصَّبِر
إنَّ في الصبر لفضلًا بيِّنًا
فاحمل النفس عليه تصطبر ‏.
وقال بعض الحكماء ما ميز رجل بين صبر وجزع إلا وجدهما غير متقاربين لأن الصبر حسن العلانية محمود العاقبة ‏والجزع الذي هو الطيش غير محمود العلانية ولا هني العاقبة، ولو كانا رجلين لكان الصبر أولاهما بالغلبة لاشتماله على حسن الخليقة وكرم الطبيعة. وقال بعض الحكماء: ‏”نهاية الصبر أن لا تحدث بمصيبتك أحدا ولا تزكي نفسك على من أساء إليك “. ويروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : “ما صبر من بث” ويقال يعرف عقل الرجل في كل شيء ‏حتى في علته فإذا رأيته يكف نفسه ويستر على نفسه فيخفي نكبته ويصبر عن شهوته ويحتمي في مطعمه ومشربه عرفت بذلك مبلغ عقله …
‏وقال أكثم بن صيفي : القانع الصابر يعيش آمنا مطمئنا مستريحا، وإن ذا الطيش والشهوة والهوى لا يزال تعبا نصبا خائفا في سقم وداء. فهذه صفة إخوانكم الذين اعتدوا عليكم فإن رضيتم لأنفسكم أن تكونوا مثلهم فذلك وإن اخترتم أن تكونوا مثل الرعيل الأول فهو الحزم والأولى فإن عند الامتحان يعز المرء أو يهان…

هذه الصفحات الأولى من رسالة الشيخ سيد المختار الكنتي رضوان الله عليه إلى أخواله أولاد سيد المختار وذلك لإطفاء نار فتنة شبت بينهم وبين بعض من أبناء عمومتهم،
والرسالة طويلة تقع في أكثر من خمسين صفحة من القطع المتوسط، وقد عكفت على تحقيقها منذ فترة غير أن الأمر صعب نظرا لعملي على نسخة واحدة.
وقد شجعتني الأحداث الأليمة الأخيرة على عرض بدايتها الآنفة والتذكير بتراثنا في فك النزاع بين الإخوان طبقا لهدي نبينا صلى الله عليه وسلم القائل : “فإنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى قدْ حَرَّمَ علَيْكُم دِمَاءَكُمْ وأَمْوَالَكُمْ وأَعْرَاضَكُمْ إلَّا بحَقِّهَا، كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هذا، في بَلَدِكُمْ هذا، في شَهْرِكُمْ هذا، ألَا هلْ بَلَّغْتُ؟ ثَلَاثًا، كُلُّ ذلكَ يُجِيبُونَهُ: ألَا نَعَمْ. قالَ: ويْحَكُمْ!-أوْ: ويْلَكُمْ!- لا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ.” (أو كما قال عليه الصلاة والسلام).
عسى الله أن يجعلنا من الذين إذا ذكر الله وجِلتْ قلوبهم والصابرين على ما أصابهم وأن يرجع كل أهلنا إلى الصواب فيخمدوا نار الفتنة ويخرسوا دعاتها ، ويغلبوا العقل على العاطفة، ويتذكروا قول ابن آدم لأخيه في محكم التنزيل: “لَئِنۢ بَسَطتَ إِلَىَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِى مَآ أَنَا۠ بِبَاسِطٍۢ يَدِىَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّىٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَٰلَمِينَ”. فالخوف من الله هو السبيل إلى إصلاح ذات البين؛ “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ”. (صدق الله العظيم)

بقلم سيد أحمد ولد خو

اترك تعليقاً