مالي تتهم الجزائر بتقويض استقرار دول الساحل خلال مؤتمر لمنظمة التعاون الإسلامي في جاكرتا

شهدت العاصمة الإندونيسية جاكرتا، يوم الإثنين 13 مايو 2025، مشادات دبلوماسية لافتة بين وفدي مالي والجزائر خلال الدورة الـ19 لمؤتمر اتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، بمشاركة 58 دولة عضواً. حيث ندّد الوفد المالي بدور الجزائر في تأجيج الصراعات المسلحة في منطقة الساحل والصحراء، متّهماً النظام الجزائري بالتدخل في الشؤون الداخلية المالية، ودعم جماعات انفصالية ومتطرفة.

وفي كلمة رسمية ألقاها ممثل المجلس الوطني الانتقالي المالي، أدان بشدة حادثة إسقاط الجزائر لطائرة مسيّرة تابعة للقوات المسلحة المالية داخل الحدود السيادية لجمهوريته، واصفاً هذا السلوك بأنه “عمل عدائي وغير ودي”، لا يليق بدولة يُفترض أنها شريك في القضايا الإسلامية المشتركة. وتساءل متعجبا: كيف يُعقل، ونحن في خضم معركة مصيرية ضد الإرهاب، أن تقف دولة عضو في الأمة الإسلامية إلى جانب الجماعات المسلحة التي تهدد أمن واستقرار شعوبنا؟

وتابع بالقول: “لقد بات واضحاً اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أن السلطات الجزائرية لا تكتفي بدعم هذه الجماعات، بل تساهم أيضاً في تسهيل تحركاتها، مما يعزز حالة عدم الاستقرار في منطقة الساحل”. وختم بدعوة الجزائر إلى الكف فوراً عن تدخلاتها، واحترام التزاماتها الثنائية والدولية.

ورغم حساسية الاتهامات، تجنّب ممثل مالي أي لغة تصعيدية تجاه الشعب الجزائري، مؤكداً على الاحترام المتبادل بين الشعوب الإسلامية، وموضحاً أن انتقاداته موجهة الى  سياسات الدولة، لا إلى الشعوب.

كما ذكّر المتحدث بمخرجات القمة التأسيسية لـ”كونفدرالية دول الساحل”، التي عُقدت في يوليو 2024، بمشاركة قادة مالي وبوركينا فاسو والنيجر، معتبراً إياها تحوّلاً استراتيجياً يهدف إلى تحقيق الأمن والتنمية دون الخضوع لأي وصاية خارجية.

من جانبه، جاء رد الوفد الجزائري مصحوباً بلهجة انفعالية غير مألوفة في مثل هذه المحافل الدبلوماسية، حيث وجّه انتقادات حادة إلى السلطات المالية، واصفاً موقفها بـ”المأجور” و”الخاضع لأجندات مشبوهة”، ومتّهماً إياها بـ”ترويج خطاب هذياني” لا يخدم مصالح شعوب المنطقة.

وجاءت كلمة الممثل الجزائري محاولة مرتجلة للتملص من الاتهامات، دون أن يقدّم تفنيداً مباشراً أو تفسيراً مقنعاً لحادثة المسيّرة، أو رد مباشر على جوهر الاتهامات، ما أثار تساؤلات واسعة بين الوفود المشاركة حول غياب الرد الموضوعي على اتهامات موثقة.

وبدلاً من تقديم توضيحات ملموسة، لجأت الجزائر إلى تكرار شعارات مألوفة عن “التاريخ المشترك” و”نصرة القضايا العادلة”، دون أن تنفي بشكل صريح الاتهامات المتعلقة بدعم الجماعات المسلحة، وهو ما زاد من حدة الشكوك حول دورها الحقيقي في زعزعة الاستقرار بالساحل.

هذا التوتر ليس وليد اللحظة، بل يأتي في سياق تراكمات سابقة، حيث سبق أن عبّرت السلطات في باماكو، ونيامي، وواغادوغو عن استيائها من ما تعتبره “دوراً مزدوجاً” للجزائر في الساحل، يجمع بين خطابات الوساطة وتحركات ميدانية غامضة.

وقد أطلقت الدول الثلاث، في يوليو 2024، “كونفدرالية دول الساحل” كإطار سياسي وأمني جديد، يعكس إرادة متصاعدة لتحصين القرار السيادي، والتخلص من تأثيرات الفاعلين الإقليميين التقليديين.

وتتطابق التصريحات المالية الأخيرة مع تقارير دولية متعددة، أشارت إلى نشاط غير مشروع لجماعات مسلحة في مناطق حدودية تتقاطع فيها المصالح الجيوسياسية، وسط اتهامات لأطراف إقليمية بالتغاضي أو التورط في دعم تلك المجموعات.

اللافت في الخطاب الجزائري، كما لاحظه مراقبون، هو التناقض بين ما تعلنه الجزائر من احترام للسيادة وحرص على حسن الجوار، وبين ما تُتهم به من تدخلات ميدانية في مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو، بل وحتى في قضايا خلافية مثل الصحراء المغربية وليبيا.

وفي الوقت الذي تطالب فيه الجزائر بعدم المساس بشؤونها الداخلية، تُوجَّه إليها أصابع الاتهام باستغلال القضايا الإقليمية لتعزيز نفوذها الجيوسياسي، غالباً على حساب استقرار دول الجوار.

اترك تعليقاً