النعمة.. مدينة تقاوم الموت عطشا بعد قرنين على إنشائها
تعيش أحياء مدينة النعمة الـ15 حالة عطش حادة، تتكرر صيف كل عام، حيث تنضب الحنفيات في الأحياء التي توجد فيها، ويعود أغلب ساكنة المدينة للاعتماد على العربات والحمير، والآبار، وترفع مياه البرميل البالغ 200 لترا للتجاوز الـ1000 أوقية، وتواجه المدينة وضعية العطش الشامل هذه بعد أكثر من قرنين على إنشائها، وقرابة ستة عقود من عمر الدولة الحديثة.
وتعتمد المدينة في شربها على شبكة مياه أنشأت بعد 2000، وتصل هذه الشبكة لأحياء العدالة، وكلب، وإديلب، وأشرم، وأهل لخويمه، والشوفية، والصفحة، وحي المستشفى، والجديدة، وكرير، ولبريج، والحي الإداري، لكنها تنقطع بشكل شبه كامل طيلة فصل الصيف، أما أحياء ملك البطاح، والسدرة، والمطار فلم تصلها شبكة المياه أصلا.
ويضطر ساكنة النعمة والذي يتراوح عددهم – حسب مصادر إدارية – ما بين 23 و30 ألف شخص إلى استجلاب المياه من آبار خارج المدينة، أو شرائها بمبالغ طائلة، وذلك طيلة فصل الصيف كل سنة، فيما يعبر عدد منهم عن خيبتهم أملهم من دوام تأخر اكتمال مشروع اظهر، والذي سبق وأن أعلن عن تأخره أكثر من مرة، كان آخرها قبل أيام عندما أعلن عن تأجيل اكتمال أشغاله حتى إبريل 2017، بعد أن كان مقررا – كما أعلن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز – أن تكتمل أشغاله في مايو 2016.
عمر يفوق القرنين
تعود نشأة مدينة – حسب مسنين من سكانها – للعام 1808 م، وتم إنشائها بعد هجرة من مدينة ولاتة التاريخية شرقي المدينة، إثر صراع وقع بين ساكنتها أدى لهجرة عدد منهم، فكانت هجرتهم بداية لنشأة مدينة النعمة.
عرفت المدينة الكثير من الأحداث طيلة القرنين الماضيين، لكن ذاكرة العديد من سكانها لا تتذكر سوى أحداث قليلة على رأسها وصول الاستعمار الفرنسي في العام 1916، ثم العملية البطولية التي قامت بها المقاومة بقيادة الشيخ ولد عبدوك في الهضبة التي عرفت باسمه إلى اليوم.
كما يتذكر السكان الحادثة المعروفة بـ”اعمارة النعمة”، والتي عرفتها المدينة في العام 1962، وتعرف كذلك باسم عمارة “اماعلي” واستهدفت وحدة عسكرية موريتانيا، وكانت من تنفيذ قوة تابعة للمجموعة التي يقودها حرمة ولد بابانا.
وتستعيد ذاكرة ساكنة النعمة حدثا آخر، يعرف بنفس الاسم، وهو “اعمارة النعمة” ويقصدون بها الهجوم الذي تعرضت له المدينة في النصف الأول من سنة 1976، وكانت من تنفيذ جبهة البوليزاريو إبان حربها مع موريتانيا.
ورغم الكثير من الأحداث التاريخية التي يستعيد السكان خلال فخرهم بالمدينة التي تشكل اليوم عاصمة كبرى الولايات الموريتانية من حيث عدد السكان، إلا أنهم يؤكدون أنه لا التاريخ المميز، ولا الجغرافيا بموقعها بين معالم كان كانت موطنا لأحداث كثيرة، كانا سببا في توفير مياه الشرب رغم الوعود الكثيرة التي تعددت بعد الزيارات الرئاسية للولاية منذ أول رئيس للبلاد إلى اليوم.
مقابر شاهدة
سكان المدينة يتحدثون عن تاريخ علمي حافل للمدينة، معتبرين أن مقابر المدينة التي تتجاوز 10 مقابر، تضم داخلها عشرات العلماء والفقهاء، والشخصيات التي وضعت بصمتها على تاريخ المدينة، حيث تنتشر المقابر داخل المدينة وبين الأحياء، ويقارب عددها عدد أحياء المدينة.
وتعتبر – مريم – وهي من ساكنة الحي القديم في المدينة أن السكان الأصليين للمدينة لا يملكون سوى الانتظار، ثم الانتظار، رغم مرور عدة عقود على وعود بحل المشكل، مشيرة إلى أن وقع الأزمة يزداد سنة بعد سنة في ظل نضوب بعد الآبار التي تشكل ملجئا للساكنة عند اشتداد وقع الأزمة، وارتفاع نسبة الملوحة في بعض المياه الأخرى.
متى ننسى!
ويتساءل عدد من ساكنة المدينة عن تاريخ تحقق الوعد الذي قدمه لهم الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز خلال حملته الانتخابية الأخيرة، وذلك في مهرجان نظمه في مدينة النعمة يوم 09 يونيو 2015 بنسيان عهد العطش والظلام.
وخلال هذا المهرجان استعرض ولد عبد العزيز العديد من الإنجازات التي قال إنها وقعت خلال مأموريته الأولى، ووعدهم بأن ينسى ساكنة الحوض الشرقي عموما، والنعمة خصوصا ما وصفها بـ”العطش والظلام”.
وعاد ولد عبد العزيز لمدينة النعمة يوم 22 مارس 2015 ليعلن عن اكتمال أشغال مشروع اظهر خلال شهر مايو 2016، مؤكدا أن الدولة الموريتانية رصدت له 38 مليار أوقية، وذلك لحفر 24 بئرا.
وتستبعد مصادر على علاقة بمشروع اظهر اكتمال أشغاله قبل إبريل 2017، حيث يحتاج – حسب هذه المصادر – إلى ربط آباره، وإلى الكثير من الأشغال ليصبح جاهزا لحل مشكل العطش المتجدد في المنطقة.
الأحبار انفوا