بين الفلل والعمارات.. أبناء الفقراء يواجهون شبح الجهل والتشريد (فيديو)

الأخبار (نواكشوط) – في منزل قيد التشييد، ومعروض للبيع، يتجمع العشرات من أبناء الفقراء من الحراس والعمال اليدويين لتلقي التعليم المحظري. يعد المنزل المحطة الرابعة لمحظرتهم، فهي تتبع المنازل قيد التشييد، واكتمال بناء أي منزل يعني أن وقت مغادرتهم قد حان.

في حي “صكوكو” الحديث شمال نواكشوط، وحيث تعرف حركة العمران وتيرة متسارعة، تواجه مئات الأسر الفقيرة والعاملة في الحراسة وفي الحرف اليدوية تحديا من نوع آخر، إنه تحدي توفير التعليم لأبنائهم وفلذات أكبادهم، فضلا عن تحدي توفير مأوى لأطفال يواجهون التشرد، ويعيشون في تنقل دائم.

عشرات الأطفال الذين فرضت الظروف على ذويهم العمل حراسا للمنازل أو للقطع الأرضية، يجدون أنفسهم أمام خيارات محدودة، تدفع بأبنائهم دفعا نحو التسكع في الشوارع، وربما السقوط في براثن الجريمة.

فلا توجد في الحي الحديث نسبيا مدرسة عمومية، وتكلفة المدارس الخصوصية شهريا يفوق الدخل السنوي لعدة أسر مجتمعة، وضغوط الحياة المتعددة، ومتطلباتها المتكاثرة تتجاوز قدراتهم الأسر المالية.

ينحدر غالبية تلاميذ المحظرة من أبناء الأرقاء السابقين، وتلجأ العديد منهم لتشغيل أبنائها بشكل مبكر لمواجهة تحديات الحياة، وتغطية حاجاتها المالية.

“صفقة مع الله”

في حي صكوكي الذي تحيط بفلله وعماراتها أكواخ الزنك، وأخبية القش، أطلق الأستاذ سعد بوه محمد فال مشروع تعليميا أطلق عليه “صفقة مع الله”، وسعى من خلاله لاحتواء أطفال الحراس في محظرة تعليهم القرآن الكريم.

في هذا المنزل يدرس الشيخ سعد بوه تلاميذه لكنه قد يخرجون منه في أي وقت في حال تم بيعه أو اكتمل تشييده

في هذا المنزل يدرس الشيخ سعد بوه تلاميذه لكنه قد يخرجون منه في أي وقت في حال تم بيعه أو اكتمل تشييده

استقبل المشروع خلال أسابيع عشرات التلاميذ، غير أن إيجاد مكان لإيوائهم خلال الدراسة شكل تحديا للأستاذ سعود بوه وللتلاميذ، وزاد وقع الضغط بعد شكوى جماعة المسجد المجاور لمساكنهم من مزاحمة التلاميذ لهم داخل المسجد.

نجح المشروع في انتشال عشرات الأطفال والفتيات من براثن الضياع، ومن التسكع في الشوارع، وجمع الأغراض الملقاة في القمامة، وأخذهم إلى طريق التعليم، حيث أكمل بعضهم ربع القرآن، وبعضهم 10 أحزاب.

في هذه الأخبية تقيم أسر فقيرة في فناء فلل وعمارات كبيرة

في هذه الأخبية تقيم أسر فقيرة في فناء فلل وعمارات كبيرة

لا يتجاوز عدد التلاميذ الذي يجمعون بين المحظرة والمدرسة 15 من أصل أكثر من 300 تلميذ، ويدرس هؤلاء في مدارس خصوصية بعد تبرع جمعيات خيرية ومحسنين بتكاليف دراستهم.

أولويات وتحديات

ويؤكد شيخ المحظرة سعد بوه أن أولوية المحظرة الآن هي إيجاد مكان لإيواء التلاميذ أثناء الدراسة، وخصوصا في ظل أعدادهم الكبيرة، والمتزايدة، وكذا فقر أسرهم المدقع.

ويشدد سعد بوه على أنه شخصيا قرر التطوع لتدريس أطفال الحراس بعد أن آلمه تشردهم، وتجولهم في أماكن القمامة في ظل انعدام المؤسسات التعليمية في المنطقة، لافتا إلى أن تنقل المحظرة أثر كثيرا على دراسة التلاميذ، حيث ينتقلون بين المنازل غير المشيدة، أو المعروضة للبيع ليخرجوا منها بحثا عن غيرها فور اكتمال بنائها أو بيعها.

أما الأمهات، فأكثر من يؤرقهم عن توقف هذه المشروع الذي شكل أملهم، ورأوا فيه أمانا  لمستقبل أبنائهم، لكن عدم توفر مقر للمحظرة، وفشل تجارب سابقة تثير مخاوفهم وقلقهم على مستقبل أبنائهم وفلذات أكبادهم.

كما تتخوف الأمهات من انتهاء مهمة حراسة المنازل قيد التشييد، أو القطع الأرضية التي يبدأ تعميرها لأن ذلك يعني مغادرة الأسرة إلى مكان آخر ربما يكون بعيدا عن المنطقة التي توجد فيها المحظرة، وهو ما يعني عودة خطر الجهل والتشرد ليهدد مستقبل الأبناء.

ويدعو الشيخ سعد بوه كل الخيرين للمساهمة معه في المشروع، فهو “صفقة مع الله، واستثمار في أفضل مجال، وهو بث كتاب الله في صدور أبناء المسلمين، وإنقاذهم من براثن الجهل والجريمة”.

الأخبار انفوا

اترك تعليقاً