الاغتصاب.. ظاهرة بألف وجه!

تواجه ظاهرة الاغتصاب المشين في هذا المنعطف الحاسم من تاريخ الإنسانية حربا شعواء أخذت تطيح بالرؤوس تلو الرؤوس، و تهز العروش على إثر العروش، و تسقط الأقنعة الزائفة، و تُطلق للألسن المعقودة حرية النطق و الأفواه المكممة حرية الصراخ، و للكرامات المهدورة حق توجيه أصابع الاتهام و المواجهة بالأدلة و البراهين و الشواهد جميعَ المغتصبين، المتدثرين بدثار النفوذ و زائف التدين و المحتمين وراء حصون المال و قلاع النفوذ، و جرهم بالنواصي و الأقدام أمام المحاكم و كشفهم عبر أثير المحطات الإذاعية، و شاشات القنوات الأرضية و الفضائية، و نوافذ وسائط التواصل الاجتماعي، و على صفحات و في أعمدة الصحف لتتم إدانتهم فمحاكمتهم على جرائمهم البهيمية. و لكن العجيب أن هذه الحرب الضروس تبدو و كأنها بعيدة لا تعني أهل هذه البلاد من فرط “المثالية” المفتعلة و شدة البعد المصطنع كذلك عن “الخنى”، بينما الحقيقة المرة تبقى أن الظاهرة – التي لا تحمل، في كل البؤر التي تتم محاربتها فيها بضراوة، إلا صفة واحدة هي الاعتداء السافر على شرف “المرأة “- تلبس في هذه البلد أوجها متعددة :

· شديدة التنكيل بالقيم،
· عظيمة الفتك بروح العدل و المساواة،
· مهلكة للحرث و النسل،
· مدمية للأفئدة،
· مثبطة للهمم،
· قاتلة للآمال،
· مفشية للظلم العشائري و الأسري و الشرائحي و الطبقي الإثني،
· مقيدة عن فضائل العمل و رفع قواعد البناء بسواعد الجد و الهمم العالية المتحررة من قيود الإقطاعية و التراتبية و الكبر الجاهلي،
· مؤخرة للبلد عن الركب الأممي في سيره الحثيث إلى العولمة الناضجة،

لهول فداحتها في “حِمى الصمت” الأشد الذي يلفها و المتاريس “السيباتية” التي تحميها. إنه الاغتصاب في حياضها لكرامة المستضعفين و لا صريخ لهم، و تبديد مال البلد العام باسم :

· القوة للانتماء القبلي و العشائري و الأسري و الطبقي و اللوبياتي،
· التعمد الجريئ على تبذير هذا لمال المغتصب بكل الحيل من دون أدنى تردد أو خوف من ناحية، و بتصدير الأحكام الشرعية التي تلوي أعناق النصوص في تجاوز جائر على مقاصدها الأصلية و دواعيها المعلنة، من ناحية أخرى.

و أما اغتصاب النساء، من القاصرات و البالغات من العوانس و الثيبات و المتزوجات و المغتربات “المسكوت عنهن” من الوافدين إلى البلد، فأمر بالغ الانتشار في صمت صارخ كأنه الجَرَب وراء الثوب بألف من الوجوه التي أكثرها شيوعا :

· الإغراء بالمال الذي أصبح حبه عبادة،
· و الاستدراج للتمكن،
· و الاكتتاب للإيقاع،
· و القهر عند الإرادة،
· و “التسري” العشوائي في مغالطة فتاكة بالعقد الاجتماعي تؤتى باسم الدين ،

و لا “دِيك صارخ”. فعِلة الغريزة الجنسية لا يكبتها و يلجم شيطانها إلا الدين الصحيح و الإخلاص له بالإيمان الراسخ و العفة و الطهر و الوطنية، و هي الصفات التي قلما تصمُد أمَام إتباع الشهوات و الجشع و حب الدنيا.. إذا كان عند المجتمع من بعض استعداد فطري لهذا الصمود و المشاركة في تلك الحرب التي إن قامت صادقة في البلد ضد هذه الظاهرة الفالتة بكل الاعتبارات التي تدمي أفئدة الأهالي و شبيهاتها من اللاتي يجلدن جسد البلد بأسواط الظلم و يثخن فؤاد الأمة بالجراحات الغائرة، لسقطت رؤوس بكل الأقنعة و انهارت أنفس لا تعرف التواضع و لا الشفقة و لا الإنصاف، و لتراءت في الأفق الرحب معالم فجر من الأمل الجديد في الإصلاح بالدين القيم.فمن يبدأها صادقا يحوز مرفوعا على قصب السبق.

 

اترك تعليقاً