أين سيارات الإسعاف وأين فرق الإنقاذ؟
في الساعة السادسة من فجر يوم الثلاثاء 4 ديسمبر وقع حادث أليم عند الكلم 94 على طريق “الأمل”، ونتج هذا الحادث عن اصطدام سيارة صغيرة من نوع “تويوتا” بشاحنة كبيرة، وكان السبب المباشر في وقوع الحادث هو نوم سائق السيارة الصغيرة.
أصيب السائق بجروح طفيفة، في حين حوصر مرافقه داخل السيارة، وذلك بفعل قوة الصدمة.
بعد الحادث وصلت فرقة متنقلة من الدرك، ولكن هذه الفرقة عجزت عن إخراج المصاب من السيارة، وذلك بسبب غياب الوسائل والمعدات الضرورية لمثل هذه الحالات. كما أنه لم تصل إلى موقع الحادث أي سيارة إسعاف، فالسيارة التي تتبع للفرقة لم تعد من مدينة “النعمة”، وسيارة الإسعاف التابعة ل”واد الناكة” كانت قد غادرت بمرضى إلى مستشفيات العاصمة.
أمام هول المشهد، وفي ظل غياب الوسائل، ومع استمرار أنين المصاب المحاصر داخل السيارة بدأ سالكو الطريق يتجمهرون حول موقع الحادث، وحاولوا إخراج المصاب باستخدام وسائل بدائية، كان من بينها ربط السيارة الصغيرة بحبال، ومحاولة جرها بمساعدة سيارات أخرى، وبعد مضي ثلاث ساعات تم إخراج المصاب الذي توفي بعد دقائق قليلة من إخراجه من السيارة.
غير بعيد من نفس المكان، و قبل خمسة أشهر، وتحديدا في يوم الجمعة الموافق 6 يوليو 2018 وقع حادث سير أليم، سيعرف فيما بعد بفاجعة “الغشوات”، وقد أدى هذا الحادث إلى وفاة مهندس شاب وزوجته وابنتهما الرضيعة. الحادث جاء نتيجة لانقلاب شاحنة وسقوطها على سيارة المهندس، ولقد ظل الضحايا لخمس ساعات تقريبا وهم تحت الشاحنة دون أن يجدوا منقذا. لم يجدوا من فرق الإنقاذ إلا أهالي القرية الذين تجمهروا حول مكان الحادث، وحاولوا بوسائلهم المتواضعة أن ينقذوا الضحايا، ولكنهم في النهاية لم يتمكنوا من ذلك، ولم يكن بمقدورهم فعل أي شيء لسحب سيارة صغيرة من تحت شاحنة بحمولة زائدة كانت قد سقطت على تلك السيارة الصغيرة.
بعد حادث “الغشوات” بأقل من شهر، وفي يوم الجمعة أيضا، الموافق 3 أغسطس، وعند الكلم 200 على طريق “نواذيبو” سقطت شاحنة على سيارة صغيرة، ولم يتم التمكن من إخراج الضحية إلا بعد ثلاث ساعات، وبعد أن كان قد توفي.
لقد زرنا في حملة “معا للحد من حوادث السير” مكان هذا الحادث في نفس اليوم الذي وقع فيه، كما زرنا من قبل ذلك مكان حادث “الغشوات” لمرتين، وفي إحدى الزيارات قمنا بترميم الحفرة التي كانت سببا مباشرا في ذلك الحادث الأليم.
إن هذه الزيارات الميدانية لأماكن هذه الحوادث الأليمة، والاستماع المباشر لشهادات الأهالي، جعلتني أخرج بالملاحظات التالية:
1 ـ إن الجمهورية الإسلامية الموريتانية لا تمتلك في العام 2018 أي فرق إنقاذ ولا أي وسائل للتعامل مع هذا النوع من الحوادث الذي يتكرر دائما، والذي ينتج عنه سقوط شاحنة على سيارة صغيرة. يمكنكم أن تلاحظوا بأني قد حدثتكم هنا عن حادثي سير وقعا على المقطع الأكثر حيوية من طريق “الأمل”، وعلى بعد أقل من 100 كلم من العاصمة. أما الحادث الثالث فقد وقع على طريق يربط بين العاصمة السياسية والعاصمة الاقتصادية. ولكم الآن أن تتخيلوا حجم ضعف الوسائل بالنسبة للأمكنة الأكثر بعدا من العاصمة نواكشوط.
2 ـ إن أغلب المصابين في حوادث السير يتم نقلهم في سيارات عادية، ويتم التعامل معهم بطرق بدائية قد تزيد من خطورة إصابتهم، هذا إذا ما استثنينا بعض الحالات الخاصة جدا، والتي تتعلق بحوادث تتعرض لها شخصيات من “علية القوم”، ففي هذه الحالات يتم توفير سيارات الإسعاف، بل ويتم في بعض الأحيان توفير طائرات.
إن مما يزيد من خطورة الإصابات في حوادث السير، هو الغياب الكامل للمسعفين ولسيارات الإسعاف، ولا أحد يستطيع مهما كانت قسوة قلبه أن يمر بمصاب في حادث سير ويتركه دون أن يسعفه وينقله إلى أقرب مستشفى. لا أحد يستطيع أن يفعل ذلك، حتى ولو علم بأن تدخله قد يزيد من تعقيد حالة المصاب. إن كل سالكي الطرق يعلمون بأن الإسعاف سيتأخر كثيرا، بل إنه قد لا يصل أصلا، ولذلك فهم مجبرون على التدخل في حالة وقوع حادث سير، حتى ولو علموا بأن تدخلهم ذلك قد يزيد من تعقيد حالة المصابين.
3 ـ مرة أخرى يتأكد لي بأننا بلد المظاهر والمناسبات والأنشطة الحكومية الموسمية..في نهاية شهر نوفمبر وبداية شهر ديسمبر تم انتشار سيارات الإسعاف على طول طريق “الأمل”، وكان ذلك بمناسبة الاحتفالات المخلدة للذكرى 85 للاستقلال الوطني. في يوم 4 ديسمبر لم يجد ضحايا الحادث الذي وقع في ذلك اليوم أي سيارة إسعاف، وذلك على الرغم من أن الحادث وقع على بعد 94 كلم فقط من العاصمة نواكشوط!
4 ـ هذه مناسبة لتذكير وزارة التجهيز والنقل بأنها تتحمل المسؤولية الأكبر فيما يقع من تقصير في هذا الجانب، كما أنها مناسبة لتذكيرها بمطالب حملة “معا للحد من حوادث السير”، والتي تم تسليمها للوزارة في يوم 26 نوفمبر 2018، وكان ذلك بمناسبة الأنشطة التي نقوم بها حاليا من أجل فرض وضع أجهزة تثبيت السرعة في حافلات شركات النقل، وتحديد سرعة قصوى لا تتجاوز 90 كلم/ للساعة.
مرة أخرى نذكر الوزارة بمطالبنا في الحملة:
ـ إصلاح وترميم المقاطع المتهالكة من الطرق الحيوية
ـ توفير فرق إسعاف وإنقاذ بكامل التجهيزات على كل المقاطع الحيوية من الطرق
ـ تفعيل نقاط التفتيش والصرامة في تطبيق قواعد السلامة المرورية
ـ ضبط وتنظيم حركة الشاحنات بما يساهم في الحد من حوادث السير، وخاصة على مقطع (نواكشوط ـ بوتلميت(.
ـ مراجعة مبلغ الدية، وتفعيل دور شركات التأمين
ـ التركيز على التوعية والتحسيس، وتخصيص أسبوع وطني للسلامة المرورية
ومن قبل أن أختم هذا المقال، فإنه لابد من تذكير جهات أخرى بضرورة الاهتمام بهذا الموضوع، وخاصة النواب الذين لم يتحدث أي واحد منهم عن حوادث السير خلال الجلسة التي حضرها الوزير الأول. كما أن هذه مناسبة للتقدم إلى رجال الأعمال ممن ينفقون على أعمال خيرية، بأنه من المهم تنويع الأنشطة الخيرية، وبأن توفير سيارة إسعاف مجهزة على طريق “الأمل” قد يكون من أهم الأعمال الخيرية في هذا الوقت، فقد قال جل من قائل ((وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)) صدق الله العظيم.
وعلى أصحاب العيادات الخاصة وشركات النقل أن يعلموا بأن أهم ترويج قد يقومون به لصالح مؤسساتهم وشركاتهم هو توفير سيارات إسعاف وفرق إنقاذ تحمل اسم مؤسساتهم أو شركاتهم، فتوفير تلك السيارات على المقاطع التي تشهد الكثير من حوادث السير سيفيد أصحاب تلك المؤسسات، في الدنيا وفي الآخرة.
حفظ الله موريتانيا..