هل خرج رجل الظل إلى الأضواء / محمد يسلم ابراهيم
قد تملك قوى خارقة ،مواصفات مثالية ،وقد تكون أفضل من الجميع أو على الأقل تسير أفضل من جلهم ، تكون من نخبة محيطك ،متميزا، رائدا، طموحا، لكن وجود كيانك الفعلي هناك في الظل مطمورا، غائبا/مغيبا عن الأضواء قابعا في أقصى زاوية وراء الكواليس تساهم في كل شيء لكنك لا تذكر في أي شيء مثله مثل ” جبال الشرق المتاريس تحجبها عن الأنظار حبيبات رمل صحراء تيرس ” .هكذا تتجسد فكرة رجال الظل في الفلم العراقي الشهير “رجال الظل ” الذي منع عرضه في العراق منذ 2003 بعد التحكم في مقاليد الأمور من قبل مناوئي الرئيس العراقي الراحل “صدام حسين ” في 04 من يوليو العام المنصرم نشر كاتب و مستشار برئاسة الجمهورية ،اعلامي القصر ، مقالا على صفحته بالفضاء الأزرق بعنوان ” حتى نهاية المعركة .. رجل الظل ” ، عالج الكاتب بأسلوب أدبي ، تاريخي ، مطعم بشحنة سياسية ،وأخرى ايديولوجية ، مقالا بالغ الرمزية ، سر د خلاله الكثير من أمثلة رجال الظل العسكريين ، معتمدا على نمط رجال الظل السلبيين السيئين متجاهلا احتمال وجود أشخاص تلثموا بالظل لأداء مهام نبيلة في الخفاء ، غير النكاية والمكر والخيانة . مثلت هذه المقالة في أعين القراء والمعلقين إشارة تحذير وتنبيه غير مباشر للرئيس من سطوة رجل الظل ، فانهالت التدوينات والمنشورات على المواقع الالكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي ، لفك وتحليل رمز المقالة “رجل الظل” . بدأ الكل يتلمس ملامح الرجل من خلال أوصافه في المقالة متجاوزين الاسم الذي صرح به الكاتب نهاية المقالة” محمد محمود السيدي” لتناقض لدى الكاتب بين فالرجل لم يكن عسكريا !لم يكن سوى رئيس حزب معارض في ظل أزمة سياسية أنهكت القوى الموالية أحرى ما سواها ، ما يجعل ذكر اسمه ليس أكثر من اجلاء التهمة وتشتيت ذهن غير المتبصر حتى تحافظ “الوشاية” على رمزيتها وغموضها.رأى القراء أن هناك في القصر رجل أصدق فيه مواصفات المقالة ولعل هو المعني فعلا ب”رجل الظل” فمنزلته عند الرئيس بمنزلة السادات عند عبد الناصر ، والشاذلي عند بو مدين ، ومعاوية عند هيدالة ، وعزيز عند معاوية … ! كانت سلسلة اعتذاريات الكاتب أكبر دليل على أن المحللين لم يكونوا سذجا ولا الكاتب كان بريئا من تهمهم ، بل ظل ذاك ( لعظم يدكو فكرشو ) ولربما فهم المعني المقال وتدخل للضغط على الكاتب من أجل التراجع عن زلته .يبدوا أن الكثيرين ممن عارضوا وناصبوا العداء مختطف الأضواء طيلة العشرية الماضية وملوا من سياساته ، راقت لهم مواصفات رجل الظل فأمسوا في توق وانتظار بفارق الصبر خروجه إلى الأضواء . لبقلب الموازين فيقلبوا معه النهج القديم رأسا على عقب ، ففي … تبين لمناضلي التيار الاسلامي “تواصل” أن الحزب لن يقدم مرشحا لرئاسيات 2019 ، وبدأت أصوات أكاديمية مطلعة تتكهن بخيط خفي ونقاشات تدار من تحت الطاولة اجتماعيا وسياسيا يجمع بين الحزب أو بعض قياداته ورجل الظل الذي قد يكون شريكا لتنفيذ بعض مشاريع وبرامج الحزب .مر الموالون للنظام ” أصحاب الغالب، أيا كان ذاك الغالب” بأكبر امتحان في الأسابيع القليلة الماضية ، تمثل في الدعوة للمأمورية الثالثة بزعامة بعض المقربين من الرئيس من حزبيين عاديين و برلمانيين ، بينما وقف في وجه هذه المساعي من داخل الموالاة بعض المقربين من جنرالات داخل منظومة الظل الطامحين و الآملين خروج رجل الظل .مثل هذا الانقسام داخل فريق الرئيس بعض تجليات نفوذ “رجل الظل” ولعل ما يبين بداية سطوة الرجل بيان رئاسة الجمهورية احترام الدستور وعدم المساس بالمواد المحصنة في الوقت الذي كان الرئيس يؤدي بعض المهام خارج البلاد ، مما أحرج دعاة المأمورية الثالثة الذين أرادوا في وقت لاحق استقبال الرئيس “استقبال الأبطال ” لأنه أعلن احترام الدستور الذي طالبوه بخرقه !!! فكأن رجمهم بحجر وقطع ألسنتهم بطولة !!بعد أيام رجع الرئيس دخل قصره تمدد على سريره ، غارقا في التأمل حول صعوبة الخروج من هذه النعمة(الرئاسة)، خاصة وأن ريع الغاز طعمه مميز أكثر من أي شيء ، متسائلا ” هل حقا سيدوم وفاء رجل الظل أم أن الأضواء ستبهره فيأخذ مسارا مجهولا أكون أنا خارجه ” كل هذا حصل وحلم استقبال الأبطال تبدد، لا مهرجان لا مبادرة ما جعل البعض إن جهات مأمورة من قبل رجل الظل وقفت دون تلك المساعي التبجيلية .في أقل من اسبوعين بعد عودته صرح الرئيس لبعض المقربين اختياره ” رجل الظل” لخلافته على حكم البلاد كبادرة لإخراج الرجل إلى الضوء والدفع به في المعترك السياسي ، تباينت الردود الشبابية والحزبية موالاة ومعارضة فالكثير من المعارضين أبدو اطمئنانهم لهذا الاختيار و رأو فيه رجل الظل الذي قد يقلب الأوضاع بمجرد وصوله للسلطة ويقود عملية التحول الجزئي نحو الديمقراطية العسكريةـ حسب تعبيرـ أحد اخوان الاخوان المسلمين ، المحسوب على التيار الاسلامي الذي يعتبر أكثر الأطياف قناعة بأهمية النزول من برج المبادئ المثالية إلى الواقع والأخذ بعين الاعتبار “ضرورات المرحلة ” حسب تدوينات رئيسهم السابق الكارزمي ، وبعض مناضلي الحزب . في حين لمح بعض المواليين برفضهم وعدم ارتياحهم لاختيار الرئيس إذ يرونه من الذين ” قرر الذين اختاروهم الدفع بهم إلى الأضواء لتستمر المسيرة ، لكن حين تبهرهم الأضواء يناصبون الذين أخرجوهم إلى الوجود العداء ويتنكرون لتراثهم “مستشهدين بفقرة من مقالة ” رجل الظل” التي بادر كاتبها إلى اعلان مباركة ترشح رجل الظل في تدوينات حملت تلميحات تحتاج إعادة قراءة ومقارنة لإدراك ما بينها و تلك المقالة من صلات وشيجة تتخطى وحدة المصدر( الكاتب) .كما هي العادة “هنا” لكل خاطف للأضواء طبقة جديدة من المتزلفين و المنمطين يحاولون قصارى جهدهم إقصاء المتزلفين القدامى والذين سيحاولون بدورهم قدر الامكان ــ رغم احتراق بطاقاتهم جزئياـ الالتحاق ولو على هوان بركب التزلف دائما وأبدا . فقد رصد أحد المدونين الشباب في 24 ساعة الأولى من اعلان اختيار الرجل كمرشح 200 “تلحليحة” وبدأت المبادرات والتدوينات وكل شيء حتى تصريحات كبار رؤوس النظام تتحول إلى تمجيد خاطف الأضواء الجديد والزهد في أي ذكر لانجازات ولد عبد العزيز الذي بدأ يتوارى في الظل .هنا أصبح مشروعا أن نتساءل : هل سيمثل الغزواني حقا “رجل الظل ” الذي بمجرد خروجه إلى الأضواء سينقض على المشروع الاجتماعي السياسي الاقتصادي الذي بناه سلفه ويقضي على كل الظامحين في نظام عزيزه كما فعل السادات في مصر و الشاذلي في الجزائر ، منصور هادي في اليمن ، و بول بيا في الكامرون ؟وهل سيتمكن الرجل من التصرف دون إبعاد الذين أخرجوه من الظل ؟هل سيكون الغزواني مجرد قناع يتصرف من خلاله عزيز أو مجرد كومبارس في بطولة عزيز ؟ أم إن البلاد قادم بانتخابه على نهج جديد وسلطة توافقية تتشارك فيها كافة الأطياف الوطنية للمساهمة في مسيرة البناء ؟