بدأت السلطات المغربية منذ 14 الشهر الماضي بعمليّة «تطهير أمني» في منطقة كركرات (المسمّاة قندهار الصحراء) في إقليم الصحراء المغربية أعقبه مباشرة تصعيد من حركة «البوليساريو» (أو الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب) التي تقاتل لتحرير الإقليم مما تعتبره «استعماراً» مغربيّا، وقد تدخّلت بعثة الأمم المتحدة (المينورسو) العسكرية لضبط الأوضاع فيما حثّ الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الطرفين «على وقف أي عمل يغيّر الوضع القائم».
الطرف الآخر في معادلة التوتر هو موريتانيا التي استقبل رئيسها محمد ولد عبد العزيز يوم الخميس 11 آب/اغسطس الماضي ما قبل الماضي أحد قياديي «البوليساريو» محمد خداد، وهو ما اعتبر في الأوساط المغربية الرسميّة محاولة موريتانية جديدة لاستخدام الورقة الصحراوية ضد الرباط.
والحقيقة أن التوتّر بين الرباط ونواكشوط يرتبط تاريخيّاً بتصوّر قديم في المغرب يعتبر موريتانيا جزءاً انفصل عنها، وقد تبدّى ذلك لاحقا في رفض الرباط الاعتراف باستقلال موريتانيا وقد استمرّ هذا الأمر لمدة خمس سنوات (بين 1964 و1969) وتبعته فترات مدّ وجزر في العلاقات بين البلدين.
انعكس هذا الإحساس المتبادل، بالغبن التاريخي الذي وقع من وجهة نظر الرباط، وبالرغبة المجروحة في تأكيد الاستقلالية، بنظر نواكشوط، في السيرورة التاريخية اللاحقة بين البلدين.
ويقال إن موريتانيا امتنعت منذ استقلالها، ولمدة ثلاثين عاماً عن تعبيد الطريق الساحلي الواصل بين نواكشوط ونواذيبو خوفاً من استخدام الجيش المغربي له في محاولة استعادة سيادة الرباط على البلاد!
هذه التوتّرات اتخذت منحى متصاعداً مع استلام الرئيس الموريتاني الحالي محمد ولد عبد العزيز للسلطة والذي تعرّض لإطلاق نار خلال محاولة اغتيال عام 2012 (وكانت أول محاولة اغتيال يتعرّض لها رئيس في موريتانيا)، وكانت الرباط هي الجهة السهلة للاتهام، وحين حاولت إرسال مندوب عنها لزيارة الرئيس في مشفاه الباريسي تم رفض الطلب، وهو أمر تكرّر قبل قمة نواكشوط الأخيرة حيث رفض ولد عبد العزيز لقاء مبعوث ملك المغرب، كما أن عدداً من اللقاءات المقرّرة بين زعيمي البلدين فشلت في التحقق، كما أن موريتانيا سحبت سفيرها من الرباط منذ خمس سنوات ولم تعده لعمله منذ ذلك الوقت.
بحسب الرباط فإن الإجراءات العسكرية المغربية الأخيرة التي استهدفت المنطقة الحدودية المحاذية للجانب الموريتاني هي عملية لوقف خط التجارة غير الشرعية والتهريب، وكان طبيعيّاً أن تذرّ مخاوف موريتانيا بقرنها فتعزّز وجودها العسكري كما دخلت جبهة البوليساريو على الخط متهمة المغرب بانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بينهما عام 1991.
هناك طرف رابع في معادلات السياسات الإقليمية في المنطقة المغاربية بالطبع هو الجزائر التي كانت دائماً الراعية الكبرى لجبهة «البوليساريو» من خلال احتضانها مخيّمات تندوف، مقر البوليساريو، وتقديم الدعم المالي والعسكري والسياسي لها، وهو ما يمكن ربطه بأسباب مشابهة تاريخيّاً للعلاقة الملتبسة بين المغرب وموريتانيا، لكن من زاوية التنافس التقليديّ على الزعامة في شمال إفريقيا، والذي لعبت البوليساريو فيه دوراً أساسياً في هذا النزاع بحيث تحوّلت إلى جزء أساسيّ من منظومة الجزائر الأمنية والسياسية حدّد منظورها في العلاقات مع المغرب.
الناظر إلى المنطقة المغاربية العربية التي تبدأ من ليبيا مروراً بتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا يجد مشهداً فريداً من النزاعات الهائلة التي لا معنى حقيقياً لها، فـ«الشعب الصحراوي» الذي تطالب «البوليساريو» باستقلاله في ظل الرعاية الجزائريّة ليس أحسن حالاً من مواطني الصحراء المقيمين في ظل السيادة المغربية، بل إن أوضاع سكّان هذا الإقليم الشاسع، على اختلاف نظمهم السياسية، ليست بخير ما دامت الأنظمة تعتاش على الخلافات الأمنية والسياسية والعسكرية، وما بقيت ترفع الجدران والسواتر العازلة (كما قرّرت الجزائر مؤخراً على حدودها مع ليبيا وتونس وقبلها مع المغرب) بدلاً من فتح حدودها بحيث تتكامل شعوبها وتقرّر مصائرها ديمقراطياً.