غزواني…عامان من الجدارة السياسية / محمد ولد دهمد

في الأول من اغشت 2019 تسلم الرئيس محمد الشيخ الغزواني مقاليد الحكم في الجمهورية، وخلال الفترة الفاصلة بين انتخابه وتسلمه مقاليد السلطة عملت السلطة القائمة أنذالك على خلق الظروف الملائمة لفشل السلطة الجديدة، لقد كان هم الرئيس السابق وأجهزة الدولة التابعة له تشويه الرئيس الجديد والتقليل من شأنه، حتى قال الرئيس السابق أنه سيتابع العمل وهو خارج السلطة، لقد خيل لبعض كبار الساسة والموظفين وحتى بعض أعتى المعارضين أن هذه السلطة الجديدة ستكون سلطة شكلية ضعيفة لا قرار لها. الآن وقد مضى عامان على ذلك الحدث، ينعقد الإجماع بين الموريتانيين بكافة اطيافهم على أن الرئيس غزواني قد تجاوز بكياسة منقطعة النظير معظم العراقيل التي وضعت في وجهه، وكسب أهم الرهانات والتحديات التي وجدها في طريقه.

يروم هذا المقال في فقراته الآتية استعراض نماذج من النجاحات التي حققها الرئيس خلال العامين المنصرمين من مأموريته الرئاسية الأولى. وذلك على النحو التالي:

– تأمين الحكم، وتوحيد المؤسسة العسكرية، وهذا الإنجاز وحده يكفى، لقد خلقت الأحداث التالية على انقلاب 2005 نتوء شاذا داخل المؤسسة العسكرية الوطنية فلأول مرة ينجح انقلاب لا يأتي من قيادة الأركان، لقد قامت كتيبة الأمن الرئاسي آنذاك بإلقاء القبض على قادة الأركان الوطنية واحكمت قبضتها على القيادة العامة لأركان الجيش، وهو ما يعني أن الجش الجمهوري صار في قبضة وحدة عسكرية فرعية، وهذا لعمرى ينطوي على خطر محدق بكيان الدولة ووحدة المجتمع، كما ينطوي على مخاطر استراتيجية خطيرة، وقد صار ذلك أكثر جلاء في انقلاب 2008 وهو الانقلاب الذي كشف بوضوح أن الدولة وقواتها المسلحة صارت في قبضة كتيبة الأمن الرئاسي. وهنا نجح الرئيس بذكاء وحنكة نادرين أن يعيد الأمور إلى نصابها دون قطرة دم، لقد تم توحيد المؤسسة العسكرية من جديد، وصار تجمع الأمن الرئاسي تابعا لقيادة القوات الخاصة، صار وحدة من الجيش الجمهوري تأتمر بأمر قيادته وبذلك تجنبنا المخاطر التي ظلت محدقة بنا وبحياتنا السياسية وبقواتنا المسلحة لما يربو على 15 عاما.

– إرساء قواعد حياة سياسية متوازنة، كان التوتر هو سيد الموقف بين النظام والمعارضة، فقد كان الرئيس السابق مشغولا طيلة فترة حكمه هو وجوقة الوزراء والمهرجين المحيطين به بشتم الآخرين واتهامهم (العجزة، الفاسدين..) والتجسس على خصوصياتهم والتنكيل بهم وبالموالين لهم، لقد كانت الشتيمة هي السياسة المتبعة في المشهد السياسي الوطني، لقد كان الاحتقار سيد الموقف، ومع مجيء الرئيس الغزواني اختلف الحال 180 درجة، لقد توقفت لغة التخوين وجرى الاستماع للجميع وبدأ الجسم السياسي في التعافي من الكبت والمضايقات، لقد عادت “الروح” للأمة، وأكتشف الجميع أن المستحيل صار ممكنا، لقد توقف إطلاق الشتائم، وأٌنزل المهرجون وصانعوا الأزمات من على منابرهم، لقد ساد العقل والحكمة والتبصر.

– المحاسبة القانونية على الفساد، وهو الملف الذي تهيبه الجميع، حتى الرئيس الأسبق الذي لا يشك أحد في وطنيته أعل ولد محمد فال رحمه الله آثر سياسة “عفى الله عما سلف”، لقد شكل الرئيس غزواني الاستثناء هنا، فهو لم يفتح مجال المحاسبة على الفساد كما قد يفعل أي رئيس هكذا جزافا، بل تركها تسلك السبيل القضائي دون تأثير عليها، لقد رفض أن يتدخل، لقد انحاز للفصل بين السلطات، وإعطاء الثقة للمؤسسات القضائية والأمنية للقيام بواجباتها، أن الصعوبة هنا لا تكمن في محاسبة الفاسدين الذين نهبوا هذا البلد طيلة 10 سنوات عجفاء، وإنما الصعوبة في محاسبتهم وفق القانون، لقد يأس انصار الرئيس السابق والجماعات المحيطة به من اكتشاف ثغرة للطعن في مجريات التحقيق، وبالمحصلة فإن الدولة استعادت هيبتها وبعضا من مواردها المالية التي بددت خلال العشرية المنصرمة.

– اتباع سياسات اقتصادية ملائمة، لقد باغتت ازمة كورونا العالم وأجبرته على تكييف خططه الاقتصادية مع الظروف الاستثنائية التي فرضتها الجائحة الصحية ولم نكن نحن بدعا من ذلك فقد كان همنا الاقتصادي الأول خلال السنتين المنصرمتين يتمثل في الحد من الآثار الاقتصادية والاجتماعية لجائحة كوفيد19، وتحقيق مستوى من النمو الاقتصادي معقول، وهما الهدفان اللذان تحققا بنسب معتبرة بل ومفاجئة أحيانا، فلم يتضرر اقتصادنا ولا عملتنا الوطنية من الآثار الاقتصادية العالمية (ارتفاع الأسعار والتضخم)، وتم تحقيق بعض الاختراقات في المجال الزراعي والرعوي والمعدني وبفعل السياسات الاقتصادية الذكية التي انتهجها البنك المركزي دخلنا في قائمة الدول التي تتملك بنوكها المركزية الذهب، فقد تولى البنك المركزي ولا يزال شراء الإنتاج المحلي من الذهب وهو ما شجع التنقيب وقلل من الآثار السلبية لكوفيد 19 على قطاعات واسعة من المجتمع. ينضاف لذلك إنشاء صندوق للتضامن الاجتماعي ولمحاربة جائحة كورونا، وهو الصندوق الذي اضطلع بدور ريادي في مجابهة الآثار السلبية للجائحة على النظام الصحي الوطني. وبالمجمل فإن المجال الاقتصادي كان هو المجال الذي تجمعت فيه معظم التحديات المرتبطة بكورونا وكان له النصيب الأكبر من الجهد الوطني كما كانت النتائج المتحققة فيه دالة كميا وكيفيا.

– العناية بالفقراء، والفئات المهمشة، وأول ذلك كان انشاء المندوبية العامة للتضامن الوطني ومكافحة الاقصاء تآزر بميزانية 40 مليارا من الأوقية القديمة حيث وضعت نصب عينها تقديم الدعم الغذائي والنقدي المباشر لأكثر من 210 آلاف أسرة محتاجة، ووفرت التأمين الصحي لأكثر من 100 ألف أسرة فقيرة، كما تم تمويل 500 مشوع في لإطار تشغيل الشباب، لقد كان وعي الرئيس بالملف الاجتماعي قويا وثوريا، فخلال كل الحقب الماضية من عمر الدولة لم نرى سياسة اجتماعية بهذه القوة والوضوح وبحجم التمويل الحاصل اليوم وقد تحقق في هذا المجال خلال العامين الماضيين جهد نوعي واستثنائي. وهنا يمكن الجزم بأن هذه السياسات الاجتماعية كان لها عظيم الأثر في تعضيد قدرة الفئات الهشة على امتصاص الآثار التي نتجت عن جائحة كورونا، إن هذه السياسات التي جزم الكثيرون بأنها لن تٌصلح حال هذه الفئات متأثرين في ذلك ربما ببعض الأفكار التعميمية هي نفسها السياسات التي لجأت لها أقوى معظم اقتصادات العالم للتخفيف من الآثار السلبية للجائحة على مجتمعاتها.

خلاصة القول: إن نجاح الرؤساء في هذا العصر إنما يقاس بقدرتهم على تجاوز التحديات الاقتصادية والاجتماعية الداخلية وإبقاء شعوبهم آمنة ومستقرة في وجه المخاطر الخارجية. وهذا ما نجح فيه الرئيس غزواني خلال العامين المنصرمين وقد اتضح ذلك جليا في إدارته للملفات الداخلية وتركيزه على البعدين الاجتماعي والاقتصادي، كما ظهر واضحا في إدارته للهشاشة الأمنية التي تحطي بنا في منطقة الساحل (مالي، اتشاد..).

إن عامان من إدارة الرئيس غزواني ليكشفان بجلاء أننا أمام رئيس مختلف، رئيس يعرف كيف يجتاز أواج المحيط العاتية، رئيس يعرف كيف يقود في خضم الأزمات والاضطرابات، رئيس بارع في اجتياز الصعاب، فرغم خلفيته العسكرية الصرفة إلا أنه مذهبه ديمقراطي وسلوكه ديبلوماسي، يعرف كيف يناور وكيف يحاور، لا يتخلى عن انفتاحه على الآخرين حتى وهم يعارضوه..

ولطالما كٌنا بحاجة إلى رئيس بهذه الصفات.

اترك تعليقاً