نجح محمد ولد عبد العزيز فى تحويل فشل الحوار”الوطني الشامل” إلى نجاح “شخصي له”،وفاجأ موالاتَه قبل معارضته بالخطة (ب) بينما كان حَواريوه يتقاتلون على لعب أدوار البطولة فى الخطة(أ).
خطاب “أنا فهمتكم” فى عقيقة الحوار لم يخلُ من مغالطات ومناورات،حيث حمَّل عزيز المعارضة مسؤولية الترويج لــــما أسماه “أوهام المأمورية الثالثة”، بينما الواقع أن وزراءه ونواب حزبه كانوا عرَّابي المأمورية الثالثة، فى مداخلاتهم أمام البرلمان، ومؤتمراتهم الصحفية الأسبوعية، وصولاتهم فى ورشات الحوار، وحتى فى تدوينات كُتَّابهم من الدرجة الرابعة و من أصحاب الأسماء المستعارة.
ألم تُتَحْ لعزيز مناسبات شعبية ورسمية عديدة لإسكات هؤلاء وحسم الجدل الذي ما كان لهم أن يثيروه إلا بتشاور وتنسيق معه؟ فما الذي جعله يقر علنًا بأن مأمورية ثالثة له ليست فى مصلحة البلد؟
كتبتُ أكثر من مرة أن محمد ولد عبد العزيز يبحث عن مخرج يحفظ ماء وجهه ومال خزائنه.
وكتبت أيضا أن المأمورية الثالثة ليست أكثر المخارج أمانا وسلاسة.
وتوقعت البارحة أن يعلن عزيز أنها ليست خياره ولا مطلبه.
وبين الكتابة والتوقع ،قرأت -ضمن حزمة اقتراحات الحزب الحاكم فى التعديلات الدستورية – ما نصه: ( لا يمكن استدعاء رئيس الجمهورية خلال مدة انتدابه أمام أي محكمة للإدلاء بشهادته، كما لا يمكن أن يكون موضوع مقاضاة أو إجراءات تبليغ أو تحقيق أو متابعة. يتم تعليق كل أجل للتقادم أو انقضاء الحق ذي صلة بهذه الوضعية. يمكن استئناف أو تحريك الدعوى والإجراءات ضد شخص رئيس الجمهورية التي تمت إعاقتها بسبب الوضعية السابقة بعد انقضاء ثلاثة اشهر على تركه لمنصبه)).
و فى الطرف الثاني من حصون الرئيس المفترضة، قرأتُ ما كتبه قاض وسياسي بشأن قَسم الرئيس المانع للمأمورية الثالثة : ((من الناحية الدينية والأخلاقية يطرح هذا القسم بالنسبة لرئيس الجمهورية إشكالات فيما يتعلق بالقيام أو دعم أية مبادرة مقدمة تتعلق بالمساس بمضمون المادتين 26 و28 من الدستور، بيد أنه من الناحية القانونية لم تأت صيغة اليمين الرئاسي بما يسد الباب أمام المبادرة غير المبينة)).
إذا، عزيز سيصبح مكشوف الظهر والصدر بعد تسعين يوما من مغادرته للسلطة (مقترح حزبه)، وإقدامه على مأمورية ثالثة سيكون عملا منافيا للدين والأخلاق (وجهة نظر القاضي السياسي).
أيقن عزيز أن عليه أن يتغدى بهؤلاء قبل أن يتعشوا به، وأن “شروط الشدة تُجمَعُ فى أوقات الرخاء”،كما يقول مثلنا الشعبي،أي أن عليه تهدئة المناخ السياسي والشعبي خلال الفترة القادمة،حتى يطبخ خلافته المؤقتة على نار هادئة.
و قد عجل بحسم الرئيس لأمره ما تأكد لديه من إجماع المعارضة المُحاوِرة على رفض المأمورية الثالثة، والرسائلُ الخارجية التي تواترت على تحذيره من مغبة إشعال بؤرة توتر جديدة فى منطقة تعيش على صفيح متحرك من الأزمات وعدم الاستقرار.
وهكذا سلَّم عزيز–مكرها لا بطلا-بأن المأمورية الثالثة ليست فى مصلحة موريتانيا،التي يختصرها فى شخصه.
المرحلة القادمة ستكون مرحلة مواجهة بينه وموالاته الموزعة بين مجلس شيوخ مهدد بالحل الدستوري، وجمعية وطنية مقبلة على التجدد بانتخابات سابقة لأوانها، وحكومة تم تمريغ سمعة أغلب أعضائها فى الوحل، وحزب يريد “العبور إلى المستقبل” على جسر يبدو مغلقا حتى إشعار جديد.
المسألة الوحيدة التي عبرت عن رؤية عزيز للمستقبل هي اعترافه بأنه لم يستح يوما من تغيير الدستور بالانقلابات، فعزيز الأول انقلب على معاوية ،وعزيز الثاني انقلب على سيدي،وعزيز الثالث يفتش عن رجل مؤتمن ينام ليلة مع الرئاسة حتى تحل له هو من جديد.
أكاد أنطق اسم ذلك الرجل لولا أن تفندوني.