مالي وفرنسا.. وجها لوجه / حمدي جوارا

حمدي جوارا: مالي وفرنسا.. وجها لوجه..

أبعاد تصريحات رئيس الوزراء المالي على فرنسا

حمدي جوارا

لا ندري ما هو بالضبط القشة التي قصمت ظهر البعير بين سلطات باماكو وسكان الاليزيه رغم العلاقة التاريخية بين البلدين والذي انتهى بتحالف عسكري دام أكثر من ٨ سنوات .. ولا شك أن التطورات السياسية في مالي كانت سببا في شرح العلاقة بين البلدين منذ الانقلاب الاول في أغسطس 2020 م إلى مايو 2021م حيث جاء الانقلاب الثاني تصحيحا لمسار الأول الذي ظهر متأرجحا في مواقفها وكاد يقطع رؤوس من قاموا به لاحقا .

وقد أبدت فرنسا امتعاضها منذ للوهلة الأولى من هذه الانقلابات بسبب موقفها المبدئي كدولة ديمقراطية عظمى ، كما قال ذلك الرئيس ماكرون في مؤتمر مونبيلييه الاخير بين فرنسا وأفريقيا .

وكانت تصريحات الوزير الأول المالي الدكتور شوغيل كوكالا مايغا رصاصة انطلاقة للحرب الدبلوماسية التي حدثت بعد ذلك تباعا ولكن قبل ذلك كانت فرنسا أبدت مواقف لها حين أشيع خبر صفقة عسكرية مع شركة أمنية روسية فأردت فرنسا عبر وزيريها الخارجية والدفاع أن ذلك لا تتفق ووجودها في مالي وكان ترفع عقيرتها على السلطات المالية وكأنها هي الآمرة والناهية لمالي فيما تقوم بها من صفقات وما تقوم به من تعاون مع جهات أو دول .. ثم إن اشاعات أو تكهنات محاولة تمديد الفترة الانتقالية أصبحت معروفة وكل المسارات تتجه نحو ذلك وهي ما لا تريد باريس سماعها إطلاقا وكان ماكرون يشير لذلك دائما بضرورة احترام الفترة الانتقالية الموعودة ..

إلا أن حان وقت مغادرة الوزير الأول بالصدفة باماكو العاصمة والتوجه إلى نيويورك وما ادراك ما نيويورك وفي مؤتمر عالمي ألقى فيه الرئيس الأمريكي خطابه الاول ، فمؤتمر هذا حجمه إنما هو فرصة لكي تقدم مالي رؤيتها السياسية مع القيادة السياسية الجديدة ومع وزير أول خرج من رحم حراك سياسي شعبي أطاح بنظام رئيس انتخب ديمقراطي بسبب سوء ادائه السياسي …

فالرجل يشعر بشعبية جارفة وحاضنة تقف معه وجنود رضخوا للإرادة الشعبية ولا خيار لهم إلا تنفيذ ما يريده شعبهم والذي من أجله ثاروا على حاكمهم ..

فقد وصل هناك من منطلق قوة ، وبحكم حنكة الرجل السياسية وخبرته الطويلة للجغرافيا السياسية المالية والمنطقة والعالم فإن كلمته التي ألقاها كان بمثابة قنبلة انفجرت في وجه قادة الاليزيه .

وبدون اي مقدمات اتهم الوزير في المنصة فرنسا بأن مالي ليست لديها خيار في التحالف مع من تريد لأن فرنسا قررت ترك مالي وهي محلقة في الطيران يقصد أنهم خذلوا الماليين بسبب قرارهم إغلاق بعض قواعدهم في الفترة الأخيرة وفعلا وهو ما حصل وخاصة بعد تغيير عملية برخان إلى تاكوبا وتغيير قيادة الحرب إلى النيجر منذ مجيئ بازوم رئيس النيجر ..

والوزير المالي لم يقصد كسب تعاطف العالم بذلك أو استجداء عودة فرنسا لسابق موقفها إنما كان هدفه تقديم صفعة عالمية على وجه فرنسا بسبب تصريحات قادتها للحكّام في باماكو وخاصة رئيس الفترة الانتقالية في وصفه بأنه وطاقمه ليس لديهم أي شرعية سياسية وديمقراطية .

هكذا كانت تتعامل باريس مع باماكو وهكذا جاء الرد مدويا لدرجة أن الوزير المالي تساءل عن المبررات التي تخوّل فرنسا أن تقرر في مجلس الأمن وتفرض قرارات دون أن تتفق مع باماكو بشأن مالي ؟

فكل هذه الاتهامات لفرنسا ثابتة وحقيقية ولهذا جن جنون باريس فجاء رد وزير الجيوش الفرنسية فلوارنس بارلي مدوية لتقول نحن لم نترك مالي محلقة في الفضاء ونخذلها ونحن لن نغادر مالي وتقول أقولها للمرة الثالثة لن تغادر مالي .. ذكرت ذلك أمام وسائل الإعلام وأمام البرلمان ووزير الخارجية قال بأن تصريحات الوزير المالي سب للأرواح الفرنسية التي زهقت في مالي .

المهم ، أن هذه التصريحات كانت لها صدى عالمي تتناقلها وسائل الإعلام الدولية إذ لا يمكن أن يتم لدولة صغيرة ومضطربة سياسيا أن يتصدى وزيرها لتصفع خامس أقوى دولة في العالم وتظهرها في موقف محرج وفي أعين ومسمع العالم .. هذا غير مقبول ومرفوض بحسب باريس وبحسب سكان الاليزيه .

والوزير الأول المالي إنما ذكر هذه التصريحات لتبرير بحثها عن عقود وصفقات جديدة تحت ذريعة أن فرنسا تركتها ، ولتظهر أن كالي لن تبقى مكتوفة اليد دون أن تفعل شيئا وتسعى لبحث خيارات جديدة كما قلنا قبل أن تتفاجأ يوما من أن فرنسا غادرت مالي و تعلن رسميا خروجها نهائيا

أم لآخر تماما كما فعلته الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان وترك الأفغان لطالبان وفي مصير مجهول …

ورأيي الشخصي أن هذا بالضبط ما كانت تتجه إليه الأمور وإن كانت مستبعدة إعلاميا في ذلك .. والسبب في ذلك أننا في فرنسا بمشارف انتخابات رئاسية وموضوع جنود فرنسا في مالي تعتبر ثقلا على حكومة ماكرون ولذلك كان قد ذكر بالفعل أن فرنسا ستخفض جنودها في مالي .

ثم إن هناك ذريعة قد تتكأ عليها فرنسا للخروج من مالي وهي تمديد مالي للفترة الانتقالية ثم بسبب صفقة فاغنر الموقعة في حال وقعت بالفعل . وهذه الذرائعة كانت كافية لتعلن فرنسا خروجها حسب رأيي ..

أما وبعد هذه التصريحات من مايغا وإعلان فرنسا أمام العالم أنها لن تخرج من مالي فقد ضرب الدكتور شوغيل ثلاثة عصافير بحجر واحد ..

1- ستكف فرنسا عن التصريحات المغرضة على نظام باماكو ووصفها أنها غير شرعية وأنها انقلابية وخاصة بعد استدعاء فرنسا في مالي للاحتجاج منذ أيام .

2- أن مالي لن تعقد صفقة مع فاغنر بطبيعة الحال لكن قد تفتح هذه التصريحات باب خيارات عسكرية مع دول أخرى كتركيا وطبعا روسيا وتخفف عنها ضغوطات باريس وتكون بل ستكون في حلّ مما يقال عن اتفاقية الدفاع المشترك مع فرنسا .. وتصريحات مايغا دفنتها تماما .

3- فرنسا أعلنت أنها لن تخرج من مالي ونقل العالم هذه التصريحات ومن الصعب جدا حتى وإن لم تكن راضية بالقيادة الحالية في مالي وتعلن المغادرة حتى في حال تم تمديد الفترة الانتقالية فلو قررت فرنسا ذلك فستصدق تصريحات مايغا عليها وهذا ما لا يتخيل أن فرنسا سترتكبها كخطأ …

وفي حال خرجت من مالي فإنما تقوم بذلك ليس خروجا من مالي وإنما من أجل تمحور جديد وخاصة مع دول يرى حكامها أن مستقبل بلادهم أو الحفاظ براشيم إنما يتم بالتعاون مع فرنسا وإن على حساب الجيران والإخوان حتى وإن كانت تعيش أزمات صعبة لكن ماذا يهمنا في ذلك ما دامت مصلحة بلادنا هي التي نريدها وفقط .. هكذا يفكر بعض قادتنا في المنطقة للأسف

هذه هي قراءتي الأولية لهذا الصراع الدبلوماسي بين باريس وباماكو وستكون لنا وقفات بعد هذا كي نفك شفرات ما جرى وشكرا للجميع ..

بوردو فرنسا

اترك تعليقاً