تلويح المعارضة الموريتانية بالتصعيد من أجل تحريك مياه الحوار السياسي الراكدة

تصاعدت خلال الأيام الأخيرة، حدة انتقاد المعارضة الموريتانية لأداء الحكومة، وسط تلويح أحزاب رئيسية بالتصعيد إذا لم تبدأ جلسات الحوار السياسي الذي دعا له الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، سبتمبر/أيلول الماضي.

وتصر أحزاب المعارضة، على أن “تنظيم حوار سياسي شامل هو السبيل لإعادة الأمل للموريتانيين، والمضي قدما في تعزيز اللحمة الوطنية، وترسيخ الديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتنفيذ برنامج واسع للتنمية الاقتصادية والاجتماعية يضمن نمو البلاد وازدهارها”.

الحكومة الموريتانية تؤكد من حين لآخر جاهزيتها للحوار ودعت الأحزاب السياسية من (الموالاة والمعارض) في يناير/كانون ثان الماضي للاتفاق على آليات ومواضيع الحوار السياسي، لكنها لم تحدد موعدا لبدء جلسات ذلك الحوار ما دفع المعارضة إلى التشكيك في جدية السلطات بشأنه.

** تلويح بالتصعيد

حزب “التجمع الوطني للإصلاح والتنمية” (أكبر أحزاب المعارضة) أعلن يوم 16 فبراير/شباط الجاري، عزمه استئناف “فعالياته النضالية” بعد توقف استمر عدة أشهر، مضيفا أنه “قرر التواصل مع المواطنين في مختلف أنحاء البلاد والقيام بمسؤوليته في “التصدي لكل الاختلالات وعمل كل ما يستطيع لوقفها”.

وحذّر الحزب في بيان له آنذاك، نظام الرئيس ولد الغزواني من “الاستمرار في تجاهل أوضاع السكان والإصغاء فقط للأصوات التي تزين له الواقع وتغريه في التوغل في مسار خاطئ وخطير”.
الحزب نفسه هاجم بقوة أداء الحكومة، لافتًا أن “أداءها تميز بالارتباك وقصور الخطط المعلنة للتصدي لآثار موجة الجفاف التي تعرفها البلاد”.

وتحدث الحزب عن “انتشار الفساد والمحسوبية في أغلب القطاعات ما جعل الولوج للخدمات رهين الولاءات والتدخلات”.

وأضاف: “المعطيات المتوفرة والمؤشرات المستخلصة عن المشاريع المعلنة لمحاربة الغبن والتهميش تكشف بجلاء مدى التلاعب والفساد الحاصل فيها، وأن تلك الممارسات المشينة على حالها باقية وتتكرس بكل ما تمثل من ظلم وحيف وتهديد للوحدة الوطنية والسلم الأهلي”.​​​​​​​

** غلاء وفقر

إلى جانب ذلك الحزب أصدرت عدة أحزاب معارضة أخرى بيانا مشتركا يوم 22 فبراير، انتقدت فيه بقوة أداء الحكومة، وتحدثت عن “أوضاع صعبة” يعيشها سكان البلد.

وأشارت هذه الأحزاب ومن بينها “اتحاد قوى التقدم” و”تكتل القوى الديمقراطية” و “التناوب الديمقراطي” إلى أن “المواطن الموريتاني يعاني من غلاء المعيشة بسبب الارتفاع المذهل للأسعار، وانتشار الفقر وتفشي البطالة، خاصة في صفوف الشباب”.

وقالت هذه الأحزاب، إن “الفساد ينتشر بشكل كبير في صفوف المسؤولين الحكوميين، وتتردى الإدارة، وينحسر حقل الحريات، هذا علاوة على انعدام الأمن في الداخل وعلى الحدود، وتداعيات الأوضاع الجيوسياسية غير المستقرة السائدة في منطقتيْ الساحل والمغرب العربي، التي تقلقنا وتستوقفنا بشكل كبير”.

** مماطلة في إطلاق الحوار

وشددت الأحزاب نفسها على “قناعاتها الراسخة بأن إجراء حوار وطني شامل، هدفه الوصول إلى إجماع واسع حول القضايا الوطنية الجوهرية، وحده الكفيل بأن يحميَّ البلاد من كل المخاطر والتهديدات التي قد تنجم عن هذه الأوضاع”.

وأضافت موضحة أنها عملت “بلا كلل ولا ملل، من أجل انطلاق هذه العملية (الحوار السياسي) ومع ذلك الحرص، بقى من المُلاحظ أنّ بعض الدوائر لا زالت تسعى لتقويض هذه الديناميكية، التي انطلقت منذ فترة، من خلال مناورات مختلفة، تتسم بالمماطلة”.

وأكدت الأحزاب في بيانها أنه “لم يعد بمقدورها بعد الآن الانتظار لأجل غير مسمى من أجل حوار تأخر مرارا وتكرارا، لاعتبارات غير مفهومة”.

**سيل مغالطات

حزب “الاتحاد من أجل الجمهورية” الحاكم، رد على بيان أحزاب المعارضة، معتبرا أنه “حمل كثيرا من المغالطات والغموض، مع إدراك أصحاب البيان شروع الحكومة في تنفيذ برامج ومشاريع متعددة للتخفيف من آثار الغلاء ونقص الأمطار”.

وقال الحزب في بيان يوم 23 فبراير، إن بيان المعارضة يأتي “بوقت تدخل فيه البلاد مرحلة حاسمة من تاريخها، قوامها التنمية وإنصاف الفئات المهمشة، والحصول على نتائج هامة في سبيل استرجاع أموال الشعب”.

وأكد الحزب حرصه على أن “تجتمع كل الأطياف السياسية الوطنية في إطار تشاور لا يستثني أحدا”، مردفا أنه “ما زال يبذل كل الجهود من أجل ذلك، على أن ينظم هذا التشاور في أسرع وقت ممكن”.

وأضاف: “الجميع يدرك أننا أصحاب مبادرة تنظيم التشاور الوطني الشامل، وقد أصر حزبنا على إشراك جميع الأحزاب، في حين أن البعض كانت لديه نية بتجاوز البعض الآخر، ونحن من رفض ذلك، واليوم يتكرر نفس السيناريو، وهو ما نسعى أيضا لرفضه، حرصا منا على عدم إقصاء أي طرف”.

** تحريك المياه الراكدة.

ولتسليط الضوء على هذه التطورات يرى المحلل السياسي محمد فال ولد الشيخ، أن تلويح المعارضة بالتصعيد، إذا لم ينظم الحوار السياسي بشكل عاجل، “هدفه في الأساس تحريك المياه الراكدة بخصوص ملف الحوار الذي تأخر كثيرا”.

ولفت ولد الشيخ في حديث للأناضول، أن “المعارضة تضغط من أجل تحقيق مكاسب سياسية وإشراكها في تسيير البلد، في حين أن الحكومة غير مستعجلة بشأن تنظيم الحوار ولا ترى فيه ضرورة في ظل حالة الهدوء السياسي التي أعقبت انتخاب الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني عام 2019”.

وأضاف “تلويح المعارضة بالتصعيد ستقابله الحكومة بتحريك الملف من جديد وتأكيدها من خلال التصريحات جاهزيتها للحوار وإصرارها على تطبيق مخرجاته، لكن أتوقع ألا يتعدى ذلك مرحلة التصريحات، على الأقل خلال الأشهر القادمة”.

وتوقع ولد الشيخ أن تستمر السلطات “في مماطلتها بشأن تنظيم الحوار السياسي حتى يقترب موعد الانتخابات النيابية والمحلية المقررة عام 2023”.

وتابع: “الحكومة ستعمل على تأجيل الحوار ما أمكن حتى يقترب موعد الانتخابات ليكون الملف الرئيسي على جدول أعمال الحوار هو القوانين المتعلقة بالانتخابات اللائحة الانتخابية والضمانات المتعلقة بالعملية الانتخابية”.

واستطرد المحلل السياسي قائلا “فالحكومة تريده(الحوار السياسي) تشاورا قبل الانتخابات لا أكثر، في حين تأمل المعارضة أن يكون حوار شاملا يفضي إلى إشراكها في تسيير البلد وبالتالي هناك تباينا في هذا الحوار بين الطرفين”.

** تعهد ودعوة

وفي سبتمبر الماضي، تعهد الرئيس ولد الشيخ الغزواني بتنظيم حوار سياسي شامل، قال إنه “لن يستثني أحدا ولن يحظر فيه أي موضوع”.

لكن عدم تحديد موعد لانعقاد الحوار السياسي، دفع المعارضة إلى التشكيك في جدية السلطات بشأنه.

ودعت المعارضة في أكثر من مناسبة، إلى تنظيم حوار مع الحكومة يهدف إلى عدم إقصائها من التعيينات والمناصب العليا وبعض الشؤون العامة.

وقبل نحو عام، طرحت منسقية الأحزاب الممثلة في البرلمان (12 حزبا من المعارضة والموالاة) وثيقة تضمنت خارطة طريق لتنظيم حوار سياسي مع الحكومة.

وتركزت مواضيع الحوار على المسار الديمقراطي، والإصلاحات الدستورية والتشريعية وتعزيز دولة القانون ومعالجة إشكالية الرق ومخلفاته ومكافحة الفساد وإصلاح القضاء والإصلاح الإداري والعقاري، وغيرها. –

اترك تعليقاً