وزير المالية يسلخ مواطن : تأملات و تعليق
تناول النشطاء علي صفحات التواصل الاجتماعي صورة مثيرة للسخرية و الشفقة في آن واحد: وزير المــالية يسلخ مواطن. فمن بـاب السخريــة أن يتحول عضو سامي في الدولة و كبير قطاع سيــادي، يتحول إلي جــــزار، و بمعنى آخر ينحط هذا المسئول من القمــة السلطــوية إلي حضيض العنجهية والسفولية. و من بــاب الشفقة، أن يصبح المواطن ضحيــة لمــن كان يفترض به أن يكون خادمــا حنونا و عطوفا.
و السؤال الذي يطرحه المتابعون للتدوينة : لمــاذا وزير المالية بالذات ؟ و هل حقيقة أن المواطن يتعرض للسلخ من وزير المالية وحده أم أنــه يتعرض للذبح و السلخ من قبــل كافة أجهزة الدولة؟ لماذا لم يختار المدونون وزير الصحــة مثــلا و هو يتمارض للمرضى و يطلب منهم دفع فاتورة حجزه في المصحات ؟ أو يختار المدونون وزير الوظيفة العمومية و هو ينهال بالضرب علي مؤخرات الموظفين ووكلاء الدولة و يطاردهم بين أزقة الوزارة و في مكبات التعاقد؟ أو رئيس الجمهورية و هو يفرغ حــاملة نفــط في جيب بنطلونه و يقول للمواطنين ” مــان شــاري غزوال”؟ أو وزير الإسكان وهو يــزدرد القطع الأرضية و يقول للمواطنين “موعدكم قطع جليدية في القطب السريالي” ؟ علي أية حــال، سنتوقف و نكتفي بوزير المالية الذي هو خيار المدونين. احتراما لخيار الأكثرية و عمــلا بمبدأ التناوب التسلسلي علي كشف خبايا “حكامين حكومتنا المحكومة بحكم الحاكم”.
إن عمليــة السلخ يسبقها عــادة عملية التعليق التي بدورها تسبقها عملية الذبح ، و هذه الأخيرة تجئ بعد عملية اختيار الضحية ثم مطاردتها و الإمساك بها و اضطجاعها علي جنبها الأيسر مستقبلا القبلة. و ذكر اسم الله طبعــا عند الذبح. هل يحسن وزير ماليتنا كل هذه العمليات؟ سنترك الجواب للمتابعين و نعود إلي الصــورة للملاحظة و التحليل.
فإذا تأملنا كثيرا في الصورة المتداولة سيتراءى لنا عدة أمور. منها: أولا، أن اختيار المواطن المهيأ للذبح ليس انتقائيا، و إنما جميع المواطنين غنيهم و فقيرهم، صحيحهم و مريضهم، غثهم و سمينهم، شريفهم و قنهم، صغيرهم و شيخهم الفاني، تقيهم و فاجرهم، موسرهم و سائلهم… هم ضحيــة مطاردة و ذبح و كشط حــارس المالية ، بدأ باعتداء ضريبة الأوراق المدنية و انتهاء بمهزلة كنوز ذهب علاء الديـــن و مرورا بتسريح عمال ووكلاء و عقدويين و حماليــن وارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية ،والقائمة تطول و تطول طول أنف وزيــر…
فأما الملاحظة الثانية علي الصورة فهي أن خروج الدم من الحي المذبوح أمر طبيعي ، أما مواطننا المذبوح فلا ترى عليه أية آثـــار للدماء: لا علي بدنه، و لا علي جلده(لباسه) ،ولا علي الأرض أو جذع الشجرة المعلق عليه. و هذا أمر فوق طبيعي لأننا كمواطنين لا دماء لنــا أصــلا أو لاحقا في بلاط دولــة التحصيل و الادخار مـــذ تولى سدّة “بيّت ما… لنـــا ” وزيـــــر” الهيــش و النيش و اللم في لبيش”. تماما مثل الجــراد و الخنفساء: لا دماء لهـــا. فلربما تكون دماؤنا قد نفدت مع نفاد ” عهد التراكمات و الفساد و رؤساء الأغنياء!” عــام طيحــة وجاها.
و أما الملاحظة الثالثة التي تثيرها الصورة المتداولة علي صفحات التواصل هي بدأ وزير ما ليس لنا بسلخ صــدر المواطن قبل أجزائه السفلية. و هو فعل يأبــاه المتخصصون في مسالخ ” المطار لدرس”( المطار القديم علي طريق حي السدرة ) بالنعمــة. نفهم للوزير فعلته و نعذره و هو الخبير المجازي في ذبح الآدميين. أما أخصائيو المطار لدرس فهم لا يحسنون إلا سلخ الإبل و البقر و العنيزات . اعلموا من موسوعة وزيرنا المفدى أن سلخ الصدر قبل غيرة حالة استعجاليه و صحية للتخلص من أدران سخط و غيظ و حنق و استياء المواطن من أشكال الانتهاك و السخرة و الدوس التي أصبحت جزءا من واقعه المعاش في بلاط “دولة الهيش و النيش و اللم في لبيش”.
و أخيرا، هناك قضية لا تقل تعبيرا من خلال الصورة المتداولة لا تقل أهميــة عما سبق. و هي المنعطف الخطير الذي تمر به مسلكيات النظام الحالي في التعامل مع القضايا الجوهرية الراهنة : البطالة المتفاقمة، الفساد المستشري و المستفحل مداه، الفقر المتزايد ، تغييب الطبقة الوسطى في التسيير الإداري و المالي، انهيار طبقة الأغنياء التي كانت تخدم الدولة و بروز طبقة جديدة تتغابن علي انهاك المواطن و نهب و تهريب خيرات البلد.
فإلي حيــن تناول مشهــــد آخر علي التواصل الاجتماعي يغور في أوحال واقعنا المرّ و يفضحه ، نقول للغلابة في الشرق : أعدوا أنفسكم للسلخ ولو أنكم تستقبلون خــريفا كسلت فيه الأرض عن الإنبات و عبس فيه مصنع الألبــان و الأجبان ، و مئات العائدين من أبنائكم من الغابون بخفي حنيــن.
صوت الشرق