رأي صوت الشــرق | خـوض سماسرة الحوض سباق حوص خوص حوض الجمهورية الثالثة

قال الملك لأمين سره ، سمعت هذا المثل فاضرب لي مثل الحاكم الذي لا يعلم من حال رعيته إلا ما تنقله إليه حاشيته حتى تكاد الأمور تفلت من يده و هو لا يعلم.

قال أمين الســـر : إنما مثل هذا الحاكم كمثل الحاكم الذي بلغني أن بعض مقربيه قالوا له إن البـلاد بخير ، و قد كانوا قالوها من قبل لأسلافه حتى انقلبت الأمور عليهم و تنكر له أقرب مقربيه. فانظر أيها الملك و اتعظ..!

قالوا إن الاقتصاد في نمو مطرد . و مع ذلك لم تخلوا الشوارع  و الأزقة و المكبات من المتسولين الحفاة العــراة التواقين إلي كسرة خبز تطفئ جمر جوعهم… و ظلت العملة الوطنية ، رمز السيادة في تذبذب يرثى له  أمام العملات الأجنبية .و الشوارع، و المحلات العمومية ، و البوابات، تغص بالباحثين عن فرصة عمل لا يدركها إلا راكبو سفينـــة نوح عليه السلام..

قالوا لــه إن قطاع الصحـــة بخير….

و رغم ذلك، تحولت المصحات و المستشفيات إلي دكاكين لا يقدر علي ولوجها الفقراء و ذوي الدخل المحدود. ارتفعت أسعار الأدوية، و عبث الأطباء بمصائر المرضى ، و قلت الرحمة ، و أفلت الكرامة مع نجم إبراهيم، و اضمحلت الرعاية الطبية، و نذرت المهنية الطبية لرب العباد و البلاد صوما ألا تشفق علي أحد، و ألا تشفع إلا لمن دفع تكاليف باهظة مقابل المعاينة و قرص الباراستامول ، و جرعة الإسهال ، و حقنة الملاريا…. أما المضادات الحيوية، فلقد اختفت، و  أصبحت العمليات الجراحية تجرى دون الحاجة إليها، و التشخيص يخطأ عمــدا، و المعاينة بعد الدفع المسبق، و المرفق العمومي يهجر أوقات الدوام الرسمي لصالح العيادة الخصوصية… لا حسيب …. لا رقيب,,, و يكأن الحرب ضد الفساد أبرمت اتفاق أمن و لا مساس مع قطاع السيد “الدكتور المنجي”.

قالوا لك ، سيـــدي، إن التعليم بخيــــر…

و ما يدريك كيف يكون “خيــــر” التعليم ، و نحن الذين شهدنا علي وأد منظومتنا التربوية – الجمهورية  منذ حطّ مكوك رواد الانقلابات  في أواخر سبعينيات القرن الماضي.؟

كيف يكون حال التعليم بعد سنة  مرت علي “سنة لا تعليم” زادت منظومتنا انحطاطا و فوضوية و تجهيــلا ممنهجا لشعب برمته، في بلد طالما حمل  مشعل العلوم و المعارف. فأين نحن اليوم ، و أين  أجيالنا الحالية من موريتانيا منــارة العلم و الرباط؟ و إذ العلم فينا تحول  إلي امتهان فنون الأكاذيب،و التزييف و التملق، و أضحى رباطنا هو التحسر علي جحافل شعبنا المصبّحة و القائلة و الممسية في حظيرة الفقر المشفق، و الجهل المشين ،و التخلف المزري، و فقد الإنسية ، و العيش علي الآمــــال البعيد  إدراكها.

مــدراس فتحت و لا تلاميذ….. مــدارس فتحت و لا مدرسين…. مدارس أوجدت بلا بنى  فوقية و بالأحرى تحتية، مدارس مكتملة البنية التربوية ( من سنة 1 إلي سنة 6) تؤويها حجرة يتيمة ليس لها باب و لا نوافذ و يديرها مربي واحد قذفت به يد الأقدار من عالم الصراصيـــر إلي عالم الخنفساء و العناكب و العقارب…

التعليم بخيــــر ما دام  لا كتب مدرسية و لا أدوات للإيضاح،و لا مدرسين أكفاء…الطباشير متحجرة كأنها استخرجت لتوها من صخور صماء ، السبورات متقعرة كأنها نحتت في رمال متحركة، الأدوات الهندسية و الخرائط غيّبت  و كأنها وحدها كانت المسئولة عن ظاهرة الإنبعاث الحراري …فرق التفتيش تفتش عن ذواتها علّها تستوثق من أنها وجدت أصلا للمتابعة الميدانية و التقييم.

قالوا لك ، ياسيادة الحاكم المفدى إن التعليم بخيـــر و لله الحمد…أو هكذا زيفوا لك الواقع..

لكنهم لن يقولوا لك إن جيوشا جرارة من حملة الشهادات تملأ الشوارع و الممرات، و الزنقات، و العرصات ،وواجهات الوزارات و مدارك الحمير والجرادات… حملة شهادات أثقل اليأس أدمغتهم المفرغة، و نهش أمل ” اللاأمل” أبدانهم المنكسرة، يظلون كالنمل في نعت و نصب و صخب ، و جر و جزم و مفعول به و مفعول فيه ،و نكرة و بدل ….و يبيتون يطاوعون الليل ” الا أيها الليل الطويل ألا انحلي… بصبح و ما الإصباح منك بأمثل” إذا رأيتهم حسبتهم في سباق أولمبي مع يأجوج و صويحباتها…

ذنبهم الوحيــــــد ن هو أن ((الاقتصاد بخيـــر…))

أجل إن تعليمنا “بخير” مادامت الغاية الأسمى منه هي  تكوين أجيال جهولة ، مجهلة، و ما دامت الغاية منه هي منح شهادات عليا رآء للبلدان الأخرى أن ” موريتانيا بلد لا بأس به في  التنمية البشرية المستدامة”..!

سيدي رئيس الفقراء ، و المفقرين، و المقفرين…

قد قالوا لك، و من قبل لأسلافك، إن الأمن الغذائي “بخير” و أن لا مجاعة و لا ندرة، و أن الشعب الموريتاني و خاصة الفقراء منه ” لا خوف عليهم و لا هم يحزنون” و أن رزقهم ” يأتيهم رغدا” و أنا ” فتحنا عليهم أبواب كل شيء”…

سـل أولاء، سيدي: هل تنزلون كل يوم إلي الأسواق؟  تشترون السكر، و الزيت، و القمح، و الطحين،و الأرز، و الألبان، و اللحوم( لحوم الدجاج لا تهمنا)، و غاز الطهي…؟

سلهم عن الخبز ما حجمه؟ …

و عن علبة بسكويت موريتانياما ثمنها ووزنها؟

و عن ملح الطعام ما لونه؟

و عن صهريج الماء ما ثمنه و ما منبعه؟

و عن الكهرباء ما تكلفة فاتورتها علي مستخدم مصباح الإنارة الواحد؟

هلا سألت هؤلاء المثبطين عن أجرة التاكسي، و عن ثمن مـدّ الزرع ، و لبن الضرع في هذه السنة التي تميزت بقلة الأمطار ، و ندرة المراعي، و حسرة المزارع…؟

هلا سألتهم كيف تستغل دكاكين أمــل و محطات توزيع السمك ؟… لا أمل في دكاكين أمل…و لا سمك إلا ما كان في بحــــر “أبي تلميت…!”

سيقول لك الخراصون: إن البلد تعيش وضعية سياسية  مستقرة وأن الموالاة تعدّ بمئين الألوف ، و أن المعارضة  تمتطي الصخب و التشكيك و تثبيط العزائم و قلب الحقائق..

و كأن حياتنا المدنية، و حالتنا المجتمعية، ووضعنا الاقتصادي، و مسارنا السياسي ….كل ذلك يمكن اختزاله في تغيير علم و نشيد سقط دونهما مئات الشهداء من رجالاتنا البررة من كافة الفئات و الألوان، و قبل أن يعمّ موريتانيا زيغ الكلام ، و تجريف الحقائق ،و تدجين العقول، و غسل الأدمغة، و إعلاء السفولية، و حطّ المرفوعات، و رفع المنسيات ، و تحكيم الرويبضة، و تأسد الجبناء …

كأن حياتنا المدنية، و واقعنا الإجتماعي، و وضعنا الإقتصادي، و متقلبنا السياسي… كل هذا يمكن اختزاله في تصفيقة تحت قبـــــة برلمـــــان مسخ عن رسالته المدنية الأصلية…

لن يقول لك المطففون إن الأمر أضخم و أخطر من أن يرد إلي خلافات حول كلمات نشيد ، و ألوان راية..و التشبث بشخص معيــــن يضمحل ذكره و يرمي اسمه في غيابات التاريخ إذا  أفل عن الحكم…

إن الأمر يتعلق، سيدي الحاكم الأعظم، بطابور من المنافقين،  الحوا صين، الخائضين لهوا و عبثا  حكّمتهم في رقاب شعب كان يكن لك الإجلال و التقدير..

إنه يتعلق ، سيدي ، بمتملقين بيتوا لمواطنيهم سوء و مكرا، و سرعان ما سينفضون من حولك و يبدلون الخطاب و الثناء عليك يوم تتبع أفعالك لكلامك بأنك ” لن أترشح لمأمورية ثالثة” و أن ” ليس المهم شخص بعينه،بل  المهم هو الشعب ، هو الوطن”.

لن يصدقك الحواصون القول كما صدقتك سيدة آدرار الحديدية حيـــن قالت لهم بصيغة كيسة لينة: ” إنك وحدك تفهم نفـــاق الموريتانيين و سرعة تقلبهم و تلونهم “.

لن يصدقوك القول بأن ليس الفقيـــــر من كانت بطنه خــــاوية ، و أضلعه بارزة، و بدنه عـــــار….. إنمـــا الفقيــر هو من  يعيـــــــش يومه و غده عــــلي آمـــــال  و وعــــود لن تتحقق.

لن يصدقوك القول بأن جلّ الشعب الموريتـــاني أصابه الإحباط عندما لم تلتــــزم بالبرنامج الذي عليه انتخبت و عليه بنيت آمـــال الشباب و العجزة و الأجنـــة في بطون أمهاتها…

لــن يصدقوك القول بأن جلّ الشعب ينتظر بفارغ الصبــــر تغيير رأس النظام و أذيال النطام،و شعراء النظام، و سمــــاسرة النظام…

 

اترك تعليقاً