كاتب الضبط: شريك أصيل في إقامة العدل في ضوء التشريع الموريتاني
لم يعد القضاء، في العصر الحديث، مجرد وظيفة مقتصرة على القاضي فحسب، بل أضحى منظومة متكاملة تتضافر فيها جهود عدة مكونات، وتُنظّمها مجموعة من النصوص القانونية التي تُحدد بدقة أدوار كل طرف من أطراف هذه المنظومة.
ويضطلع كاتب الضبط بدور رئيسي ومحوري في هذه المنظومة، جعله شريكًا أساسيًا في إقامة العدل.
طبقًا للنصوص الناظمة للقضاء، وعلى وجه الخصوص:
الأمر القانوني رقم 2007-012 الصادر بتاريخ 8 فبراير 2007 المتعلق بالتنظيم القضائي،
مدونة الإجراءات المدنية والتجارية والإدارية،
مدونة الإجراءات الجنائية،
مدونة التجارة
وغير ذلك من النصوص،
فقد نصت المادة الأولى من الأمر القانوني رقم 2007-012 على ما يلي:
(تُقام العدالة على تراب الجمهورية الإسلامية الموريتانية وفقًا لأحكام هذا الأمر القانوني بواسطة: المحكمة العليا، ومحاكم الاستئناف، ومحاكم الولايات، والمحاكم الجنائية، والمحاكم التجارية، ومحاكم الشغل، ومحاكم المقاطعات، وكل محكمة أخرى تُنشأ بقانون.
وتتشكل هذه المحاكم، وفقًا لأحكام المواد 25، 26، 35، 36، 42، 43، 44، 47، 49، 51، 57 من ذات النص القانوني، من قضاة وكتاب ضبط، ما يؤكد قانونًا أن كتاب الضبط يُعتبرون شركاء أصيلين في تكوين الهيئات القضائية.
وإضافة إلى هذا الدور التكويني، فقد أسندت إليهم المسطرة المدنية والتتجارية والإدارية مهامًا قضائية صريحة، وذلك بموجب المواد:
18، 43، 44، 46، 58، 60، 72، 73، 81، 90، 103، 207، 212، 220، 225، 227، 252، 256، 269، 337، 341، 352، 354، 355، 358، 360، 362، 395، 407، 409، 418،
ومن أبرز هذه المهام:
– تحضير وحضور جميع الجلسات وتوقيع محاضر الجلسات والأصلاح والأحكام والتصديق على مختلف الأعمال القضائية وتسليم نسخ طبق الأصل منها.
– تلقي التصاريح بما فيها الفاتحة للدعاوى.
– تلقى جميع الطعون وإعداد محاضر تعهد مختلف المحاكم.
– حفظ وضبط آجال الطعون، وآجال العرائض والمذكرات؛ بما في ذلك من صون لحقوق المتقاضين وضمان الحريات.
– استلام وحفظ الكفالات
– حضور الاستجوابات؛ والاستماعات
– نقل التصاريح والشهادات؛
– تبليغ العرائض والمذكرات والقرارات.
– مهام التوثيق والتنفيذ.
وغيرها من الأعمال المسطرية والإجرائية التي يضيق المقام عن تفصيلها.
كل ذلك يدخل ضمن صميم اختصاصهم الذي يمارسونه باستقلال تام.
فضلا عن ما أسندته لهم المسطرة الجنائية، والمدونة التجارية، وغيرهما.
وانطلاقًا من ذلك، فإن كاتب الضبط ليس مجرد عون أو مساعد قضائي يمكن الاستغناء عنه، بل هو طرف أصيل لا غنى عنه في سير العدالة، إذ لا يمكن قانونًا إقامة العدل دونه، خلافًا للأعوان والمساعدين الذين لا يُشترط تدخلهم وقد لا يُلجأ إليهم أصلًا.
فجوهر العمل القضائي، وهو الفصل في المنازعات، لا يمكن تصوره دون التحضير والحضور الفعلي لكاتب الضبط، إذ لا يُعد الحكم القضائي حكمًا مكتمل الأركان مثبتا للحقوق إلا بوجود اسم كاتب الضبط وتوقيعه.
كما أنه لا يصبح نافذا إلا بعد تحليته من طرف كاتب الضبط بالصيغة التنفيذية التي لا تُمنح للأحكام القضائية إلا بعد تصديق كاتب الضبط عليها، وهو ما يجعل أعماله حاسمة في نفاذ الأحكام وإثبات الحقوق.
تُظهر النصوص القانونية بشكل لا لبس فيه أن كاتب الضبط شريك أصيل في إقامة العدل، وأن دوره يتجاوز المهام الإدارية الشكلية ليطال صميم العمل القضائي الموضوعي، مما يفرض احترام مكانته وتعزيز دوره داخل المنظومة القضائية، دعمًا للعدالة وحمايةً لحقوق الأفراد.
كاتب الضبط الرئيسي ذ/ محمد ولد أحمدو