المؤامرة علي تركيا…. و عندما يصبح الإعلامي أصله ” لميس”!

Selim

سليم عزوز
Jul 23, 2016

لأن «القرعة تتباهى بشعر بنت أختها»، كما ورد في الأمثال، فلا تثريب علينا، إن سعدنا بنصر الله والفتح في تركيا؛ بانتصار الشعب على الدبابة، وإن كنت أتحفظ في سعادتي لأن القصة، من وجهة نظري، لم تتم فصولا، لأن القوى الدولية، المتورطة في المؤامرة، لن تتوقف عن مؤامرتها حتى تتم تصفية كل جيوب عملاء الاستعمار في أنقرة، دعك من التابعين غير أولي الإربة من القوى الإقليمية، التي مولت الانقلاب، أو تواطأت معه بالصمت، فهذه القوى ليست أكثر من «شعر إبط»، وفي الصعيد يقولون في وصف الرجل التافه، أنه « شعر باط»، فلا قيمة له ولا يقدم ولا يؤخر!
وعندما يتم في هذه الأيام استدعاء لفيديو قديم لتوفيق عكاشة، يبشر فيه بانقلاب عسكري في تركيا، تتبعه فوضى وحرب أهلية في هذا العام، فأعلم أن «عكاشة» المقرب من دوائر الحكم في مصر، ومن الدوائر الإسرائيلية التي اعتمدته من رجالها في المحروسة، لا يقرأ الطالع، ولا يضرب الودع!
فعكاشة، استغلته الثورة المضادة ممثلة في الأجهزة الأمنية التابعة لنظام مبارك، في هدم الثورة وتشويهها، وكنا لا نأخذه على محمل الجد، ونتعامل معه من باب التسلية، ولأن الأجهزة كانت تريد أن تكسبه مصداقية، فكانت تمده ببعض المعلومات حول أحداث متوقعة لتسريبها لإثبات مصداقيته عندما تتحقق، وأحياناً كان يحضر رسم السيناريوهات، ويشارك فيها كما اعترف، ومنذ فترة طويلة جرى اعتماده إسرائيلياً، ولا تشغل بالك بسجنه لعدة أيام أو بوقف برنامجه وإغلاق قناته، فأحياناً ينسى دوره، ويتصور أنه شريك في الحكم، ولا بد من «قرصة أذن» لتوقظه من وهمه وتعلمه أن العين لا تعلو على الحاجب، وأحيانا تكون «فرصة الأذن» هذه بسبب تنازع الاختصاص بين الدوائر الأمنية المتصارعة، وعندما تتعارك الفيلة يتحطم «توفيق عكاشة»!

في الخطوط الأمامية

وإذا كان عكاشة قد بشر بالانقلاب العسكري في العام الماضي، عبر محطته التلفزيونية «الفراعين»، فقد ظهر للمراقب أن إعلام الموالاة للقوى الدولية والإقليمية كان له دور في الخطوط الأمامية، ولم يكن أداة فقط في أيدي الانقلابيين، كما يحدث في الانقلابات العسكرية، من سيطرة على وسائل الإعلام الرسمية، وإعلان البيان رقم (1) من تلفزيون الدولة، وهو ما حدث عندما قامت قوات تابعة للانقلاب بالسيطرة على محطة «آيه. آر. تي»، وأجبرت المذيعة الشقراء، بحسب وصف «عبد الحليم قنديل»، على تلاوة بيان الانقلاب، تحت تهديد السلاح، وبدا لي أن السيطرة على هذه المحطة، التي تطلق عدداً من القنوات، لم يكن في خطة الانقلاب، وإلا كان البيان الأول، تم إعداده من قبل قائد الانقلاب. وربما إجبار مذيعة على القراءة كان لأن العسكر يعملون حسابا لفشل انقلابهم، فكان في حضور الإعلام الموالي على «خط النار» ما يكفي للغرض!
ففي لحظة ظهور دبابات الانقلاب في الشوارع، كانت وسائل إعلام بعينها، تعلن أن انقلاباً عسكرياً قد وقع في تركيا، ونجح، ومن وكالة أنباء «رويترز»، إلى قناة «العربية»، ومن «بي بي سي»، إلى «سكاي نيور» العربية، في لحظة كاشفة عن أن مخطط الانقلاب الذي وضع بعناية، كان الإعلام جزءاً أصيلاً منه!
بدا المشهد الإعلامي التركي تحت التأميم، وأن وسائل الإعلام سالفة الذكر صادرته لحسابها، وبعض مراسلي الفضائيات غير المتورطين في المؤامرة، ظهروا كما لو كانوا استيقظوا على خبر الانقلاب، فكانوا ينقلون رسائلهم من الاستوديوهات، وكأنهم في «غرف نومهم»، فلم يكن أمامهم إلا وكالة الأنباء فرنسية الجنسية هذه، والقنوات المذكورة، فيعيدون صياغة رسائلها، ومفاد الرسالة أن الانقلاب قد قام ونجح، وقُضى الأمر واستوى على الجودي!
كان كل شيء معداً سلفاً، وكانت الخطة تقوم على اغتيال الرئيس التركي، أو اعتقاله، ولم يحسب من وضعوا خطة الانقلاب دولياً، (فالداخل لم يكن سوى أدوات) توقع نجاة أردوغان، واحتمال ظهوره في هذه الليلة، وعندما ظهر على شاشة إحدى القنوات التلفزيونية، برسالة «الهاتف» الشهيرة، بدد خيوط المؤامرة، فإذا هي كقول ساحر، ولا يفلح الساحر حيث أتى!
«أردوغان» دعا الشعب للنزول والتصدي للانقلابيين، لتكون هذه هي اللحظة الفارقة التي أنهت الانقلاب، واستمعت لمراسل قناة «الجزيرة مباشر» من لندن، يفيد أن «بي بي سي» لم تنقل الرسالة، فكشفت عن موقفها المنحاز، في ليلة تبدت فيها عورات كثير من وسائل الإعلام للناظرين، وكنت دائم الدفاع عن «سكاي نيوز العربية»، التي كانت تستضيفني في بداية الانقلاب في مصر، ويمنحني مقدمو البرامج فيها فرصة الدفاع عن الشرعية والرئيس المنتخب، وكان كثيرون يرفضون هذا الدفاع ويحسبونها على الثورة المضادة، لكن في الليلة التركية كانت الرسالة الإعلامية هي مع الانقلاب قلبا وقالباً، بل وإذا كان قادته العسكريون قد تواروا قبل أن يقعوا في أسر الشرطة والشعب، فإن الإعلام كان في المقدمة لا ينقل الحقيقة بل يروج لنجاح الانقلاب!

دليل الإدانة

لم انخدع لحظة بقناة «العربية»، فهي قناة لم تؤسس على التقوى من أول يوم، ومن تابعها وقف على أنها كانت ضالعة في الانقلاب، وليست فقط منحازة للعسكر وانقلابهم على الشرعية، وملاكها ليسوا جزءاً من ثورات الشعوب، ولكنهم أداة من أدوات العسكر في بلدان الربيع العربي!
وقد انبعث مديرها «الدخيل» ليدافع عن موقف قناته، باعتباره كان ينقل الخبر، ولم يدلنا على خبر صحيح نقلته «العربية»؟! فلا يوجد خبر واحد ثبت صحته إلا خبر وقوع الانقلاب! «سكاي نيوز» قامت بحذف الكثير من المذاع على شاشتها وثبت أنه كذب، لكن «العربية» أبقت على دليل الإدانة، وظنت أن «تغريدة» للدخيل تكفي للدفاع عن موقفها، مع أنه كان كالدبة التي قتلت صاحبها، وأثبت بدفاعه أننا في زمن الإعلامي فيه أصله «لميس»، مع الاعتذار لدارون!
إعلام «لميس» عندما تبين له أن «أردوغان» أفلت من الأسر والقتل، لجأ للقول أنه طلب اللجوء السياسي إلى ألمانيا، وتم نسبة هذا الخبر إلى ضابط أمريكي، لنكون أمام سقطة مهنية، ينبغي أن يحاكم عليها القائمون على هذا الإعلام، وبعضه كان يقدم نفسه على أنه إعلام الحياد والمصداقية، فإذا بورقة التوت التي تستر العورات تسقط في هذه الليلة، التي لم نميز فيها بين «رويترز»، ووكالة أنباء الشرق الأوسط، وبينها وبين «أحمد موسى»، فكلهم «لميس» لكنهم كانوا ينتظرون الفرصة!
إذا كان من الطبيعي أن تنقل «رويترز» بيان الانقلاب الذي قامت «المذيعة الشقراء» بقراءته، عن تشكيل مجلس للسلام، وما إلى ذلك، وهو ما نقلته «العربية» واحتفت به، فهل تتوافر عناصر الخبر فيما نقل منسوباً لضابط أمريكي عن طلب «أردوغان» لحق اللجوء السياسي! أول أركان الخبر هو النظر إلى مصدره، فهل يرقى ضابط أمريكي إلى مرتبة المصدر، وهو ليس ضابطاً ألمانياً، وما هي قيمة الضابط، سواء كان أمريكيا أو ألمانياً ليعتمد مصدراً لخبر كهذا، وما هو اسم هذا الضابط، ورتبته، وما علاقته بالموضوع؟!
والسؤال الأهم: لماذا لم يلجأ «إعلام لميس» إلى الخارجية الألمانية للتأكد من صحة ما قيل عن طلب «أردوغان» اللجوء السياسي إلى ألمانيا؟ إذا تعاملنا بحسن نية وسلامة طوية مع ما نشر وأنه كان بهدف تحقيق السبق الصحافي ولم يكن لضلوع في مؤامرة الانقلاب؟!

فرار الرئيس بجلده

في الواقع، أن هذا الخبر كان يهدف إلى دفع الشعب التركي إلى التسليم بالأمر، فها هو قائده يطلب اللجوء للخارج مما يعني نجاح الانقلاب ولا أمل في إزاحته، فلو كان هناك أمل لما فكر الرئيس في الفرار بجلده!
بيد أن «رسالة الهاتف» كان لها مفعول السحر في كسر الانقلاب العسكري، وفي البداية حاول «إعلام لميس» السخرية من الرسالة وصاحبها، فأردوغان الذي كان يتمدد على الشاشات وأمام الكاميرات في خطب يومية، صار كل ما يملكه هو إرسال رسالة عبر جهاز «أيفون». والهدف إحباط الشارع التركي وإبطال تأثير الرسالة، لكن الشعب تعامل مع الرسالة على أنها «كلمة السر»، فخرج للشوارع، وحاصر الانقلابيين في مطار «أتاتورك»، وأجبرهم على الفرار، وبعد أقل من ساعة كان «أردوغان» هناك، ليمضي ليل المؤامرة، ويتم القبض على الانقلابيين فإذا بهم في حالة استسلام أمام الشعب، وإذا بقادة كبار، يضعون أعينهم في الأرض خجلاً، وهم الذين تأمروا على شعبهم مع الاستعمار، ولم يكن لهم ولاء لهذا الشعب لذا كانت الأوامر بإطلاق الرصاص الحي في صدورهم!
كان إطلاق النار على المواطنين، وعلى البرلمان، ومؤسسات الدولة التركية، هو بهدف تحقيق ما بشر به «عكاشة» وهو الحرب الأهلية، فلم يكن الكفيل في البيت الأبيض، يسعى إلى استبدال حكم بحكم، وإبعاد أردوغان الذي نهض بتركيا وقدم نموذجاً ناجحاً للحاكم المدني المنتخب، ونهض بالاقتصاد التركي، ليحل محله حاكم عسكري فاشل، ليطيح بكل هذه النجاحات في بضع سنين، ولكن كان الهدف هو فوضى وحرب أهلية تحقق الفشل السريع وإطفاء لنقطة الضوء الوحيدة في المنطقة!
لقد سقط الانقلاب العسكري في تركيا، وسقط معه إعلام كنا نحسبه مهنياً، فإذا بعوراته تتبدى للناظرين، لا أقصد «العربية»، فلا أظن أن أحداً خدع فيها للحظة!

أرض – جو

اكتشفت أن القناة التركية العربية ليست على جهازي، فلما استدعيتها للوقوف على الحدث من المنبع، اكتشفت أنه لم يفتن الكثير، فالأداء البارد لكثير من مقدمي البرامج فيها ومن شاهدتهم من مذيعاتها، أوحى لي أنها قناة في الأصل متخصصة في تنسيق الزهور وألعاب الكارتون، فالشارع ملتهب والتقديم هادئ يساعد على النوم والاسترخاء، وكأنهم ينقلون وقائع انقلاب جرى في لعبة «المزرعة السعيدة».
سيكون مناسباً تحويلها إلى «آي أر تي « أطفال!

صحافي مصري

460

اترك تعليقاً