عبد الرحمن ولد ميني يوجه نداءا إلى البرلمانيين الموريتانيين
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما. الي زملائي البرلمانيين من النواب والشيوخ الأفاضل، زملائي الأعزاء، كما تعلمون جميعا أن الدساتير تعتبر الوثيقة الاسمي في السلم التشريعي لأي أمة، حيث تعبر عن مدي تطور المجتمع وحصيلة المكاسب التي توصل الي تكريسها في تلك الوثيقة.
وبما أن المجتمعات في تطور مستمر، تحتاج الشعوب الي مسايرة النظم التشريعية لتلك التطورات، التي تعتبر تحسيناتها تلبية ملحة لرغبة المواطنين، الذين هم الغاية والوسيلة من وضع الدساتير أصلا لتحديد طبيعة السلط التي تحكمهم.
والدساتير، كما هو معروف، هي ثمرة لصراع دائم ومستميت بين فئتين:
إحداهما تسعي لتكريس سلطة مطلقة يكون فيها الحكم في يد فرد أو جماعة ضيقة علي حساب بقية الشعب والثانية تطمح من خلال نضالاتها الي تقييد السلطة من خلال ضوابط أخلاقية وقانونية، تجعلها في خدمة الجميع.
وفي هذا الإطار توجت نضالات القوي الحية الوطنية خلال العقود الأخيرة بمكاسب هامة لضمان التناوب السلمي على السلطة بطرق ديمقراطية ومن أهم تلك المكاسب، تحديد فترة إنابة الرئيس وعدد المأموريات وتحديد سقف السن الأعلى للترشح وقد تحققت هذه المكاسب لأول مرة في الدستور الموريتاني المعدل خلال المرحلة الانتقالية سنة 2005، حيث نصت عليها مواد محصنة، يجب علي أي تعديل مرتقب أن يكون هدفه المحافظة عليها وتعزيزها بما يكرس دولة القانون ويحصن البلاد من كل ما يهدد مستقبلها ويعزز الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي والحكم الرشيد ويسرع وتيرة النمو الاقتصادي .
وهذا ما كان على النظام القائم أن يسعي إليه من خلال حوار جاد وشامل تشارك فيه كافة القوى الوطنية بهدف البحث عن حلول تخرج موريتانيا من المشاكل السياسيةوالاقتصاديةوالاجتماعيةالتي تتخبط فيها وأصبحت تهدد كيانها، وبدلا من ذلك اختار هذا النظام، سياسةالهروباليالأماممنخلالتطبيقنتائجحوارعبثيهدفهالتلاعب برموزالبلدوتعميقتمزيقلحمةشعبهمنخلالتعديلات دستورية، تنسف أهم بنود الدستور الحالي، وتضيف أخري أقل ما توصف به أنها تؤسس الأمور خطيرة عليوحدةالبلد ومنها ما يطلق عليه المجالس الجهوية، التي ستقوض سلطة الدولة وتغيير العلم الذي اختاره جيل التأسيس كرمز لهوية بلادنا واستشهد دفاعا عنه شهداء من أبناء هذا الوطن من ضباط وضباط صف وجنود، حتى أصبحت تلك الرمزية لصيقة في وجدان كل موريتاني بانتمائه لوطنه ويجعله يتساءل عن الفائدة من تغييره؟.
زملائي البرلمانيين،
إن هذه التعديلات المقدمة أمامكم اليوم، تعبر عن مزاج الحاكم بهدف تكريس سلطة الفرد والعودة ببلادنا إلى عهود الدكتاتورية ونظام الحزب الواحد ونسف جميع المكاسب التي تحققت في مجال الديمقراطية، التي علينا أن نسعى جميعا، بغض النظر عن اصطفافاتنا في المشهد السياسي، إلى تحسينها بدل تقويضها.
إن مجرد طرح هذه التعديلات للنقاش يعتبر احتقارا لأبناء الوطن الغيورين علي استقراره وأمنه وازدهاره ولذلك أتوجه اليكم، إخوتي الأعزاء، يا نواب شعبنا الأبي وشيوخ ناخبينا الأبرار، في هذه اللحظة التاريخية، أخاطب فيكم الروح الوطنية والضمير الحي بأن لا تفتكم هذه الفرصة لتسجيل موقف تاريخي وطني تتوارثه الأجيال ويعزز اساس منظومتنا الأخلاقية وذلك من خلال رفضكم لهذه التعديلات المقدمة اليكم وأذكركم {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ}، بأن الدستور المراد منكم العبث به، هو نفس الدستور الذي علي اساس مواده انتخبكم الشعب وأتمنكم علي مصالحه، التي من أهمها دستوره الذي وافق عليه بالإجماع 1990 وعلى تعديلاته 2005، {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ}، صدق الله العظيم.
وأداء هذه الأمانات، بالتأكيد، لا يكمن في البنود المطروحة أمام دورتكم الحالية والتي في حال أجزتمها،ستؤسس، بدون شك، الانزلاق خطير لا يمكننا التنبؤ بما سيؤول اليه مستقبل وطننا.
زملائي البرلمانيين،
أناشدكم من اجل الوطن، وطننا جميعا، الذي يستحق علينا التضحية من اجله بالغالي والنفيس، ان تجعلوا نصب أعينكم وأنتم تنظرون إلي هذه البنود، مصلح أمتكم ومستقبل أجيالكم وتاريخ أسلافكم وأن تغلبوا مصالح هؤلاء على كل ما سواها ولتتذكروا “أن حب الوطن من الإيمان” وخير دليل على ذلك ما صح عن النبي صلى الله عليم وسلم، أنه وقف يخاطب مكة المكرمة مودعا لها وهي وطنه، الذي أخرجه منه كفار قريش، حيث قال: “ما أطيبك من بلد وأحبَّك إليَّ ولو لا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك”.
ألا تحبون أن تكون لكم في رسول الله، عليه الصلاة والسلام أسوة حسنة، الذي عندما سمع وصف مكة من “أصيل” جري دمعه حنينا إليها وقال: “يا أصيل دع القلوب تقر”.
ألا تحبون أن تكونوا باستغلال سلطتكم التشريعية لرفض هذه التعديلات المنافية لمصلحة الوطن، من الذين وردت فيه الآية: “الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ”، صدق الله العظيم.
أصدقائي النواب والشيوخ الكرام،
أسمحولي في الأخير، ، بأن أؤكد لكم أن مصادقتكم علي هذه التعديلات الخطيرة، تعتبر خيانة للأمانة وإساءة علي أرواح من رحلوا بعد تضحياتهم من أجل الوطن وإساءة علي الأحياء، وأنتم منهم وإساءة كذلك علي الأجيال القادمة وبرفضكم لها ستدخلون التاريخ من أبوابه الواسعة وتخلدوا أسماءكم في السجلات الذهبية الوطنية.
فأي الطريقين ستختارون لأنفسكم؟.
ذلك ما سيتضح للشعب الموريتاني، الذي يراقبكم أثناء تصويتكم علي هذه التعديلات خلال الأيام القادمة،
{أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ}..!!
اللهم إني قد بلغت اللهم فأشهد..!!
أخوكم: عبد الرحمن ولد ميني، نائب سابق.
مقطع لحجار بتاريخ: 27 فبراير 2017