رأي صوت الشـــرق| قــــال تّيّله…مصنع الألبـــان في النعمة…غاية بدون وسائل مبررة

cropped-d8b4d8b9d8a7d8b1-d8a7d984d8b4d8b1d982تحتاج التنميــة الاقتصادية إلي مقومات ملموســة و واقعية تضمن نجاحها و ترسو قواعد لاستدامتها و إمكانية تقييم مــدى تأثيرها علي تغيير نمط عيــش المستفيدين  منها. و لأجل بلوغ هذه الغايات لا بد من أسباب جوهرية تتوافر  و تتكامل لخلق مسببات أو مقومات لتنمية بشريــة مندمجة. فإذا غابت أو غيّبت الأسباب فلا غرو إذا في غياب حكم المسببــات، و بعبارة أخرى لا بد للهــدف من تتضافر مسارات واضحة المعالم تفضي إلي تحقيقه. كمــا صلابة البنيان تقف علي متانة  الأساس، كذا نجاح أي أية منشأة اقتصادية ترمي لتحسين الإنتاج و الإسهام في عجلة التنمية، و يكون ذلك انطلاقا من دراسة علميــة بعيدة عن المجاملة و مجاراة الحاكم في أفكار  هي أقرب إلي المكافأة السياسية  من كونها تنطلق من المقومات الثابتة و المعاشة علي المستويات الاجتماعية و الايكولوجية و الثقافية. هذه المجاراة و النأي عن تبصير أصحاب القرار حول المقومات التي ينبغي تضافرها لخلق أي برنامج اقتصادي أو أي ثورة صناعية هو ما أدى  لتعثر مصنع الألبـــان في النعمة.

و الاستشكالات  الذي يتداولها المراقبون في الشرق (وربما في موريتانيا كلها) هي: ما الذي يحول دون انطلاق تصنيع الألبــان في ولايــة يشهد لها علي أنها المخــــزون الأول للحيوانات في عموم موريتانيا؟ هل لأن الحكومة تعطل حركية المصنع إلي حين مناسبة انتخابية جديدة؟ هل لأن هناك أيادي خفية لمستثمرين ما  لا تريد لهذه المنشأة النجاح في ولايــة عرف أهلها بالتخلف و التمترس وراء المصالح الذاتية ؟ هل لآن المصنع تسيره إدارة تفتقر إلي الخبرة و الولاء إلي الوطن و المواطن؟ أما كان الأجدر إنشاء مصنع مصغر  أقل سعة و كلفة ..؟ هذه ألغـــاز  من بيــن أخرى يعوز المتابع حلهـــا لتبقى عالقة في خبايا متخيلات كل شرقي  يحلم بالاستفادة عاجلا -و ليس آجلا – من فوائد “شركة ألبـــان النعمة التي جاءت لتعزز برنامج الرئيس الانتخابي و تبرهن علي وطنية فخامته و عدالته  في تنمية مختلف أجزاء موريتانيا”.

إلا أن هنالك تساءلات  آخر ى لم يأتي المراقبون علي ذكرها رغم أنها قد تشكل بيت قصيد تعثر مصنع الألبــان و هي: هل أنشئ المصنع أصــلا لينجح و أية معايير فنية علمية و عملية وضعت لنجاحه؟ و هل يمكن فعلا إنجاحه دون الإشراك الحقيقي و الفعال للمنميــن؟

فلنضع الألغاز جانبا علي حين غفلة من صنّاع القرار، و لنكتفي قليلا بالمقومات التي من المفترض إيجادها لضمان نجاح هذه المنشأة الفريدة من نوعها في شبة المنطقة. في المقام الأول، كان من الضروري تنظيم أيام تشاورية جهوية يحضرها  المنمون الكبار(في الحوض) و التنظيمات الرعوية الجهوية، و هيئات المجتمع المدني المحلي ( لا المدسوس من خارج الولاية)، و الفاعلون السياسيون المحليين( لا فطريات المناسبات)،و الفنيون ( من قطاعات البيطرة و الزراعة و البيئة)، و الشئون الاجتماعية، و نقابات التجار، والنقابات العمالية، و المنتخبون المحليون( لا المهجرين من ولايات انواكشوط و غيرهم)، إضافة إلي السلطات الإدارية و الأمنية علي المستوى الجهوي. تناقش في هذا اللقاء إسهامات و التزامات كل  جهة من موقعها، و يخرج المجتمعون بميثاق شرف بالعمل يدا بيد علي انطلاق نشاطات  المصنع و استمرار يته و تكميل ما يحتاج تكميله  فيما يتعلق بعمليات التحسيس و الإعلام و التثقيف و تغيير العقليات و استنفار منتجي الألبــان.

من جانب آخر كان من الضروري جدا وضع إجراءات مصاحبة تشجع  المنمين علي زيادة منتجوهم من الألبــان مع المحافظة علي صحة مواشيهم من ناحية الغذاء و التكاثر – لا ننسى أن  المنمي في الحوض كما في موريتانيا ككل يعتني بتكاثر حيواناته أكثر بكثير من اهتمامه باستغلال منتجاتها- و الدواء. وهي أمور لم تتوفر، و حسبنا أن لا وجود لخطط في المدى القريب أو البعيد في هذا المنحى. فمثــلا، كان من الضروري دعم المنميــن عن طريق توفير قروض ميسرة تمكنهم من اقتناء الأعلاف المحسنة، و ميــاه الشرب، والتعاقد مع فرق بيطرية تسهر علي المتابعة الصحية للحيوانات،فإن لم يكن،يشكل المصنع الوسيط – الضامن بين منتجي الأعلاف و المنمين أو علي الأقل يتولى  شراء الأعلاف و تقديمها علي شكل قروض للمنمين تخصم تدريجيا علي مبيعات ألبانهم. و أخيرا يفترض من إدارة المصنع ووزارتي الصناعة و البيطرة بتحسيــن  قدرات المنتجين بتنظيم دورات تكوينية حول طرق الإنتاج، و التخزين، وتسيير المصادر( الحيوانية،و المائية،و المراعي الطبيعية،والتغذية البديلة،…).

ثم إن الإنتاج والتصنيع يعتمدان أساسا علي طرق للمواصلات تيسر سيولة المنتجات المصنعة إلي الأسواق الاستيعابية من جهة، وتربط بين أهم محطات تجمع الحيوانات في الولاية و بين المصنع أو علي الأقل بين محطات تجمع الحيوانات و وحدات تجميع الألبان،من جهة ثانية. و مما تجب الإشارة عليه هو إنشاء ثلاث وحدات فحسب، اثنتان علي طريق الأمل( الشامية ووركن)و  الثالثة في بنكو علي الطريق النعمة- باسكنو. فإذا كانت القرى الثلاث تحتوي علي  مخزون حيواني هام، فإن هنالك تجمعات قروية أخرى لا يقل مخزونها الحيواني أهمية يجب العمل علي إشراكها عسى أن  تكون هناك عدالة حقيقية و تكافأ للفرص بين  المنميــن أينما وجدوا: في بلديات آكوينيت( آبنابه، عين الرحمة، لكويسي ،بوخزامه…)، و آم آفنادش(بئر أهل سيد بي،فاني،بئر لقواطيط…)، و اطويل( بوصطه)، وفي  بيربافات (بيربافات،أهل محمد جدو،…) و هو أمر ليس بالصعب إذا عملت الدولة علي بناء طرق تربط  تلك القرى بالمصنع في النعمة أو بوحدتي التجميع في الشامية ووركن.

أما عدم إنشاء وحدات لتجميع الألبان في أمرج و بوقا دوم  فهو أمر مستغرب للغاية  إذا ما علمنـــا أن السواد الأعظم من أبقار الحوض يوجد في هاتين البلديتين و أن أمرج لا يبعد عن المصنع في النعمة سوى مسيرة ساعة واحدة في كل الأزمنة و أن سعة  المصنع من الألبان يوميا تصل  ثلاثين ألف ليتر!

ليس المهم أن تقول أنا هنا، المهم هو أن تبرهن أنك فعلا هناك. ليس المهم الفكرة، المهم أن تكون الفكرة واقعية قابلة للتنفيذ. ليس المهم أن تحدد الغاية، بل المهم أن تحدد الوسائل النمطية و الأساسية في تبرير الغاية.  علي أية حــال أوجدت منشأة اقتصادية فريدة من نوعها وقد أريد لها أن تكون  سابقة في عصرنة ولاية الحوض الشرقي، في الوقت الذي يتهم فيه المنمون و المتابعون إدارة المصنع و الحكومة بالمماطلة في بدأ الأشغال.

مصنع لألبان الشرق الموريتاني. النعمة الملعب و حيث لا لاعبين،و لا كــرة و لا مضــرب، و لا حكم و لا جمهور متفاعل و متفائل….

لا يخـــال سكان الشرق  أن يذهب مصنع ألبـــان النعمة جفــاء كمــا ذهبت من قبل تجهيزات  مطار النعمة الدولي في أواخر التسعينات أوكمــا ذهبت المدرسة العسكرية  فجر العقد ألأول من القرن الواحد و العشرين.

اترك تعليقاً